
(كش بريس/ التحرير) ـ في سياق دالّ على التحولات العميقة التي تعرفها خريطة الفعل اللغوي والثقافي في العالم العربي، يواصل الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمغرب حضوره النوعي والفاعل في الساحة العربية والدولية، بعد تتويجه المرموق بجائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية في دورتها الرابعة (2025م)، عن فئة المؤسسات ضمن فرع نشر الوعي اللغوي وإبداع المبادرات المجتمعية اللغوية.
هذا التكريم، الذي يعد تتويجًا لعمل مؤسسي امتد لأكثر من عقد من الزمن، جاء اعترافًا بدور الائتلاف في تعزيز الوعي المجتمعي باللغة العربية والدفاع عن مكانتها في السياسات اللغوية المغربية، من خلال مبادرات فكرية وثقافية وشراكات أكاديمية ومؤسسية رسخت العربية كرافعة للتنمية الثقافية والإنسانية.
وبينما ما تزال أصداء التتويج المغربي تتردد في الأوساط الفكرية والتربوية، يشارك وفد عن الائتلاف في المؤتمر العلمي الثاني للمجلس الأعلى للغة العربية في إفريقيا، المنعقد ما بين 26 و30 أكتوبر الجاري، والمنظم من طرف مجمع اللغة العربية بالشارقة والمجلس الأعلى للغة العربية بإفريقيا ومجلس اللسان العربي بموريتانيا، تحت عنوان: «وسائل نشر اللغة العربية في إفريقيا واستراتيجيات تطويرها».
ويضم الوفد المغربي شخصيات أكاديمية وثقافية بارزة، على رأسها الدكتور فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف ونائب رئيس المجلس الأعلى للغة العربية في إفريقيا، والدكتورة فاطمة حسيني، نائبة رئيس الائتلاف ومديرة التعليم بالمجلس الأعلى، والدكتور مصطفى غلمان، عضو التنسيقية الوطنية ومدير هيئة الإعلام بالمجلس، والدكتور عبد الرحيم العلّام، رئيس اتحاد كتاب المغرب.
ويأتي هذا التمثيل ليكرس حضور المغرب كفاعل رئيسي في الدبلوماسية اللغوية والثقافية الإفريقية، إذ لا تقتصر مشاركته على البعد الأكاديمي، بل تتعداه إلى المساهمة في بلورة استراتيجيات مستدامة لنشر اللغة العربية في القارة، بما يعزز الروابط التاريخية والروحية بين شمال إفريقيا وعمقها الإفريقي.
ويناقش المؤتمر، الذي يشارك فيه عشرات العلماء والباحثين والخبراء من إفريقيا والعالم العربي، قضايا مركزية في تاريخ وتطور العربية في القارة الإفريقية، من بينها، تأثير العربية في الهويات اللغوية الإفريقية، واستراتيجيات التعلم النشط، ودور المراكز القرآنية والثقافية في التلقين والتحفيز، إلى جانب تأثير الذكاء الاصطناعي في تصميم التعلمات اللغوية وتطوير الوسائط التقنية لخدمة العربية.
كما يتناول المؤتمر موضوع العلاقات الثقافية العربية الإفريقية، ومكانة الزوايا والتجمعات الروحية في نشر العربية، وأهمية المخطوطات التاريخية في حفظ التراث اللغوي المشترك، مع التوقف عند جهود منظمات دولية مثل الإيسيسكو ومنظمة التعاون الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي في دعم هذا التوجه.
ويرى متتبعون أن الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية يجسد نموذجًا مميزًا للمجتمع المدني الثقافي، الذي استطاع أن يجمع بين العمل الفكري والالتزام الوطني، من خلال رؤيته التي تجعل من اللغة العربية مكونًا من مكونات الهوية المغربية ومجالًا استراتيجيًا للتنمية المعرفية. فمشاريعه الممتدة من الندوات الفكرية إلى برامج التكوين والتعاون الأكاديمي، ومن حملات التوعية إلى مبادرات البحث العلمي، تشكل جسورًا حقيقية بين اللغة والسياسة والمجتمع، وتعيد الاعتبار للعربية في فضاءات التفكير والإبداع والتعليم والإعلام.
وفي سياق التحولات التي تشهدها إفريقيا اليوم، يُنظر إلى المشاركة المغربية في هذا المؤتمر بوصفها رسالة مزدوجة، رسالة انفتاح نحو الجنوب الإفريقي، وتجديد لالتزام المغرب التاريخي بنشر العربية كجسر للحوار والتبادل الحضاري؛ ورسالة فكرية تؤكد أن حماية اللغة ليست عملاً دفاعيًا، بل مشروع نهضوي يستند إلى الإبداع والمعرفة والتعدد.
إنها لحظة فكرية تعيد الاعتبار للغة العربية كقوة ناعمة، وكرافعة للتكامل الثقافي الإفريقي العربي، يتصدرها المغرب برؤية استراتيجية تُزاوج بين الأصالة والتحديث، وبين الوعي اللغوي والتحديات التكنولوجية للعصر.






