
(كش بريس/خاص)ـ أعاد السياسي الفرنسي اليميني المتطرف إريك زمور، زعيم حزب الاسترداد (Reconquête)، إشعال الجدل في فرنسا بعد تصريحات جديدة حمّل فيها المهاجرين، ولاسيما من أصول جزائرية، مسؤولية ما سماه “نهب الحضارة الفرنسية”، وذلك على خلفية حادثة سرقة مجوهرات من متحف اللوفر قُدّرت قيمتها بنحو 88 مليون يورو.
وجاءت تصريحات زمور بعد إعلان النيابة العامة في باريس عن توقيف شخصين يشتبه في تورطهما في عملية السرقة، أحدهما من أصل جزائري والثاني من أصل مالي. وبحسب المصادر الأمنية، تم توقيف الأول في مطار شارل ديغول أثناء محاولته السفر إلى الجزائر، والثاني في محيط العاصمة باريس وهو بصدد السفر إلى مالي.
تعليقًا على ذلك، قال زمور في مقابلة مع قناة فرانس 3 إن ما حدث “ليس مجرد سرقة، بل احتلال يومي تمارسه الهجرة ضد الأمة الفرنسية”، مضيفًا أن “الهجرة تسرق مجوهرات التاج، وتنهب حضارتنا قطعةً قطعة”. كما كتب على منصة “إكس”: “ها هي الجزائر تدخل المشهد مجددًا.. إنه الجهاد اليومي ضد فرنسا”.
بين حادثة جنائية وخطاب سياسي متطرف:
حادثة سرقة مجوهرات اللوفر، رغم كونها جريمة جنائية بحتة، تحولت سريعًا إلى ذخيرة سياسية في معركة الخطاب اليميني المتطرف بفرنسا، الذي يقوده رموز مثل إريك زمور ومارين لوبان.
فالربط المباشر بين الأصل القومي للمشتبه فيهم وهوية الجريمة ليس مجرد زلة لسان، بل استراتيجية خطابية ممنهجة تهدف إلى تعزيز ما يسميه زمور بـ“التهديد الوجودي للهجرة”.
ويرى محللون أن مثل هذه التصريحات تأتي في سياق سياسي مأزوم، حيث تسعى التيارات اليمينية المتطرفة إلى تحويل الأزمات الأمنية والاجتماعية إلى صراع هوياتي، يجعل من المهاجر – وخاصة المسلم والعربي – كبش فداء انتخابي يُحشد ضده الرأي العام الفرنسي.
“مسرحة الخوف” في الخطاب السياسي الفرنسي:
زمور، الذي خاض الانتخابات الرئاسية لعام 2022 بشعار “لننقذ فرنسا من الاستبدال”، يوظف منذ سنوات خطابًا يقوم على ثلاثية الخوف والهوية والانحدار. ويكشف تصريحه الأخير عن استمرار هذا النهج الذي يربط بين الجرائم الفردية وتهديد حضاري شامل، في محاولة لتغذية مشاعر القلق الجمعي من فقدان الهوية الوطنية.
هذا الخطاب لا يستند إلى معطيات أمنية أو اجتماعية دقيقة، بقدر ما يستثمر الرموز الثقافية الكبرى، مثل متحف اللوفر أو “مجوهرات التاج الفرنسي”، لتأجيج العاطفة القومية واستحضار الذاكرة الاستعمارية في مواجهة الآخر “المهاجر” و“المسلم”.
اللوفر… من معبد الفن إلى ساحة الصراع الرمزي:
ليست مصادفة أن يختار زمور الحديث عن اللوفر، فهو رمز العبقرية الفنية والتاريخ الإمبراطوري الفرنسي. وعندما يربط سرقته بالهجرة، فهو لا يتحدث عن جريمة محددة، بل عن “انتهاك للهوية الفرنسية ذاتها”.
هكذا تتحول الحادثة الجنائية إلى مشهد رمزي للهزيمة الثقافية في مخيلة اليمين المتطرف: فرنسا تُنهب من الداخل، لا بواسطة الأعداء الخارجيين، بل عبر “المهاجرين الذين يعيشون في قلبها”.
لكن الواقع الأمني والسياسي يثبت عكس ذلك؛ فالقضية ما تزال قيد التحقيق، والمتهمون لم يُدانوا بعد، كما أن دوافعهم لم تُعرف بعد، ما يجعل خطاب زمور استباقيًا وتحريضيًا أكثر منه توصيفًا واقعيًا. وتأتي تصريحات زمور في لحظة حساسة من تاريخ فرنسا السياسي والاجتماعي، حيث تزداد هشاشة التوازن بين قيم الجمهورية (الحرية، المساواة، الأخوة) وبين تنامي النزعة القومية والانغلاق الهوياتي. فاليمين المتطرف يحاول باستمرار تحويل الأمن إلى هوية، والهوية إلى أيديولوجيا انتخابية. ومن ثم، فإن زمور لا يهاجم المهاجرين فقط، بل يوجّه طعنة رمزية إلى النموذج الفرنسي للاندماج، الذي يقوم على مبدأ المواطنة بدل الأصل والعرق.
الخطاب الذي يقول إن “الجزائر تسرق التاج الفرنسي” لا يعبّر عن خوف مشروع من الجريمة، بل عن توظيف ممنهج للتاريخ الاستعماري القديم لتأجيج كراهية المهاجرين الجزائريين والماليين والعرب عمومًا، وتحويلهم إلى “الآخر الدائم” في الوعي القومي الفرنسي. إن فرنسا، في هذا السياق، تبدو عالقة بين روايتين، رواية الهوية المهدَّدة التي يروّجها اليمين الشعبوي، ورواية الجمهورية المتعددة التي تدافع عنها القوى الديمقراطية والإنسانية.
وفي غياب سياسة عقلانية للهجرة والاندماج، فإن اليمين المتطرف يجد في كل حادثة جنائية فرصة لتوسيع نفوذه السياسي، وتحويل الخوف الاجتماعي إلى رأسمال انتخابي جاهز.





