
(كش بريس/التحرير)ـ كشفت وزارة الداخلية، في تقريرها السنوي حول حصيلة عملها برسم السنة المالية 2025، عن أرقام دقيقة تعكس حجم الرقابة القضائية والإدارية على المنتخبين المحليين، وما يواكبها من إجراءات العزل والإقالة المرتبطة بسوء التدبير أو مخالفة القوانين المنظمة للجماعات الترابية.
302 متابعة قضائية تطال المنتخبين:
وفق معطيات التقرير، بلغ عدد المتابعات القضائية في حق المنتخبين الجماعيين ما مجموعه 302 حالة، توزعت بين 52 رئيس مجلس جماعي حالي، و69 رئيسًا سابقًا، و57 نائبًا للرئيس، إضافة إلى 124 عضوًا جماعيًا.
وتهم هذه المتابعات، في الغالب، ملفات ذات صلة بالتدبير المالي والإداري والتعمير وتضارب المصالح، ما يعكس تنامي انخراط أجهزة الرقابة في تتبع مدى احترام القوانين المؤطرة للعمل الجماعي.
إقالات وعزل بسبب التنافي والمخالفات:
وجاء في التقرير أن السلطات العمومية أعلنت عن إقالة 63 عضوًا من مهامهم الانتدابية، من بينهم 20 رئيس مجلس جماعي، و36 نائبًا للرئيس، و7 أعضاء من الغرف المهنية، وذلك بسبب حالات التنافي القانونية التي تمنع الجمع بين مهام انتخابية أو مهنية متعارضة.
كما أصدر الولاة والعمال، في إطار اختصاصاتهم الرقابية، ما مجموعه 216 طلب عزل ضد منتخبين جماعيين، تمت إحالتها على القضاء الإداري للنظر فيها، نتيجة مخالفات قانونية جسيمة تمس بشفافية التدبير المحلي أو بمبادئ الحكامة الترابية.
حلّ مجالس جماعية وتعيين لجان مؤقتة:
ولم تتوقف الإجراءات عند حدود الأفراد، إذ تم حلّ ثمانية مجالس جماعية بسبب ما وصفته الوزارة بـ”اختلالات مست بحسن سير المجالس وأضرت بمصالح الجماعات الترابية”، نتيجة صراعات داخلية وتجاذبات سياسية عطلت الأداء اليومي للمؤسسات المنتخبة.
وأشارت الداخلية إلى أنه تم تعيين لجان خاصة لتصريف الأمور الجارية إلى حين انتخاب مجالس جديدة، في خطوة تهدف إلى ضمان استمرارية المرفق العمومي المحلي.
نزاعات قضائية وشكايات متعددة:
وتوصلت وزارة الداخلية بـ 18 ملفًا تقدم بها أعضاء مجالس جماعية تتعلق بطلبات عزل أو تنازع المصالح أو العدول عن الاستقالة، غير أن المحاكم الإدارية رفضت جميع هذه الطلبات، تأكيدًا منها على احترام المساطر القانونية والمقتضيات المنظمة للمسؤولية الانتدابية.
وفي السياق ذاته، سجلت الوزارة 291 شكاية وردت من أعضاء جماعات ومواطنين وجمعيات مدنية، تتعلق بـ خروقات مالية وإدارية ومجالية، وهو ما يعكس دينامية متزايدة في تتبع الشأن المحلي من قبل المجتمع المدني، وتنامي الوعي بالمراقبة المواطِنة.
استقالات واختلالات في الأهلية:
كما كشف التقرير عن إصدار 28 قرارًا وزاريًا بالإعلان عن استقالة أعضاء من مهامهم بمختلف مجالس العمالات والأقاليم، بسبب فقدان الأهلية القانونية الناتجة عن العزل أو الحل أو الاستقالة أو الوفاة، بالإضافة إلى قرارين بالإقالة لمقيمين في الخارج.
وسُجلت أيضًا 289 استقالة اختيارية و128 حالة وفاة في صفوف المنتخبين خلال السنة، ما يطرح تساؤلات حول الاستقرار الوظيفي والفعالية المؤسسية للمجالس المنتخبة.
الرقابة كمؤشر على أزمة الحكامة المحلية:
تُظهر هذه الأرقام أن الرقابة الإدارية والقضائية على المنتخبين المحليين بالمغرب تشهد تصاعدًا ملحوظًا، وهو ما يمكن قراءته في اتجاهين متوازيين:
من جهة أولى، يعكس ذلك تنامي ثقافة المساءلة والمحاسبة داخل منظومة الحكامة الترابية، وتفعيلًا فعليًا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ومن جهة ثانية، يسلط الضوء على عمق الإشكالات البنيوية في تدبير الشأن المحلي، حيث تتكرر حالات العزل والتنافي والصراعات الداخلية، بما يؤشر إلى ضعف في التأطير السياسي والمؤسساتي للمنتخبين.
إن ارتفاع عدد المتابعات وحل المجالس لا يمكن عزله عن طبيعة البنية الانتخابية ذاتها، القائمة على التعدد الحزبي المشتت، وغياب الكفاءة الإدارية، وضعف أدوات الرقابة الداخلية للجماعات، ما يجعل الوصاية الإدارية لوزارة الداخلية تقوم بدور مركزي في تصحيح الاختلالات بدل أن تكون مجرد سلطة إشرافية.



