‏آخر المستجدات‏أخبار وطنية

الصين وقضية الصحراء المغربية: براغماتية جيوسياسية تتجه نحو الواقعية المغربية

(كش بريس/التحرير)ـ أشار مرصد السياسة الصينية في تقرير حديث إلى أن بكين باتت تعتمد مقاربة أكثر واقعية وهدوءاً في تعاطيها مع قضية الصحراء المغربية، بما يعكس تحوّلاً تدريجياً في سلوكها الدبلوماسي تجاه المنطقة المغاربية. فبعد سنوات من التحفظ والحياد الحذر، بدأت الصين تميل إلى توازن براغماتي يراعي مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية دون الإخلال بعلاقاتها مع الأطراف المعنية، وفي مقدمتها المغرب الذي تسعى إلى توثيق شراكتها معه في إطار استراتيجية توسعها في إفريقيا والمتوسط. ويشير التقرير إلى أن الصين تبنّت مقاربة أكثر توازناً وواقعية في التعاطي مع هذا الملف المعقد؛ فهي لا تدعم الطرح الانفصالي لجبهة “البوليساريو”، ولا تمارس حق النقض ضد القرارات الأممية ذات الصلة، بل تتخذ موقفاً حيادياً مرناً يضمن لها البقاء على مسافة دبلوماسية آمنة من أطراف النزاع كافة.

براغماتية متوازنة في المحافل الدولية

يرى المرصد أن امتناع الصين المتكرر عن التصويت في مجلس الأمن، كما حدث في القرار الأممي الصادر في 31 أكتوبر 2025، لا يعني رفض الخطة المغربية، بل قبولاً ضمنياً بها من خلال السماح بمرورها دون اعتراض. هذه المقاربة الحذرة تعكس سلوكًا استراتيجياً مقصوداً، يروم الحفاظ على علاقات طيبة مع الرباط والجزائر في آن واحد، بما يمنح بكين هامش حركة دبلوماسياً واسعاً داخل المنطقة.

المصلحة الاقتصادية بوصفها محددًا للموقف

ويؤكد التقرير أن التحليلات الجيوسياسية الحديثة تُبرز ميل الصين نحو دعم حل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، لأسباب اقتصادية واستراتيجية، إذ ترى في المغرب منصة محورية لولوج الأسواق الإفريقية والأوروبية، وبوابة نحو استثمارات واعدة في مجالات الطاقة والمعادن النادرة والفوسفاط. لذلك، تفضّل بكين الاستقرار الإقليمي كشرط أساسي لضمان مصالحها واستثماراتها طويلة الأمد.

تطوّر نوعي في العلاقات المغربية–الصينية

منذ توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد عام 2016، تطورت العلاقات بين البلدين لتتجاوز الطابع الدبلوماسي الرمزي نحو تعاون عملي واستراتيجي. وتعتبر الصين اليوم أكبر شريك آسيوي للمغرب، حيث بلغ حجم المبادلات التجارية بين الجانبين أكثر من 9 مليارات دولار سنة 2024. كما ترى بكين في الرباط مركزاً لوجستياً وصناعياً موثوقاً، وموقعاً بديلاً لتفادي المخاطر الجيو-سياسية في محيطها التجاري.

التقاطع المبدئي في السيادة والوحدة الترابية

يلفت التقرير إلى أن الصين والمغرب يشتركان في مبدأ احترام الوحدة الترابية ورفض الانفصال، وهو ما يسهّل التقارب السياسي بينهما. كما أن دعم المغرب لمبدأ “الصين الواحدة” ورفضه الاعتراف بتايوان يعزز من مكانته لدى بكين ويمنحه امتيازاً في علاقاتها الخارجية.

تحول صامت نحو الواقعية المغربية

خلص التقرير إلى أن الصين تتبنى عملياً خيار الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام، وإن لم تُعلن ذلك بشكل صريح. فالتحول الأخير في تصويتها داخل مجلس الأمن يعكس نقلة في ميزان مواقفها التقليدية، من الحياد الحذر إلى الانحياز الواقعي لمقاربة تضمن الاستقرار دون المساس بمبدأ السيادة الوطنية.

إن القراءة التحليلية لموقف بكين تُبرز تحولاً بنيوياً في إدراكها لطبيعة الصراع في الصحراء، من كونه قضية “تصفية استعمار” إلى ملف استقرار إقليمي واستثماري. فالصين، التي تنظر إلى إفريقيا باعتبارها محوراً استراتيجياً في مشروع “الحزام والطريق”، تدرك أن المغرب يوفر ضمانة مؤسسية وأمنية لتوسعها الاقتصادي غرب القارة.

وبذلك، يتجلى الموقف الصيني الجديد كنوع من الدبلوماسية البراغماتية متعددة الطبقات، فهو لا يتحدى علناً المواقف الجزائرية أو الإفريقية، ولا يقطع جسور التعاون مع الأمم المتحدة، لكنه في العمق يمنح شرعية ضمنية للمبادرة المغربية باعتبارها الخيار الأكثر واقعية في المدى المتوسط.

إنها براغماتية صامتة تمزج بين الاقتصاد والسياسة، وتعيد رسم خرائط التحالف في منطقة تتجه نحو إعادة التوازن بين الشرق والغرب، حيث يبدو أن الرباط وبكين تتقدمان معاً نحو مرحلة جديدة من “الواقعية الذكية” في العلاقات الدولية.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button