‏آخر المستجداتبقية العالم

“30 نمطاً من الأذى”: دراسة جديدة تفضح البنية العنصرية العميقة في شرطة بريطانيا

(كش بريس/ هيئة التحرير)ـ

لم تعد العنصرية في شرطة لندن حدثاً طارئاً أو زلة أخلاقية معزولة، بل باتت – وفق أحدث تقرير صادر سنة 2025 – بنية ثقافية راسخة تستعيد جذوراً استعمارية وتعيد إنتاجها في مؤسسات الدولة المعاصرة. هذا ما تكشفه الدراسة التي أعدّتها الخبيرة شيرين دانيلز تحت عنوان «ثلاثون نمطاً من الأذى»، حيث لم تتحدث عن أخطاء أفراد بل عن منظومة متكاملة من التمييز البنيوي، تتغذى من تاريخ طويل من الاستعلاء العرقي والذكوري.

التقرير، وهو الثاني من نوعه في ظرف عامين فقط، يأتي في سياق أزمة عميقة تعصف بثقة البريطانيين في جهاز الأمن، بعد سلسلة من الفضائح التي كشفت عن وجه سلطوي يختبئ خلف خطاب القانون والنظام. فحادثة مقتل الشابة سارة إيفرارد سنة 2021، على يد أحد عناصر الشرطة، كانت بمثابة الشرارة التي فجّرت وعياً جمعياً جديداً بمخاطر التسلّط الأمني عندما يتحول من حماية المجتمع إلى إخضاعه.

من “التحيّز الفردي” إلى “العنصرية المُمأسسة”

التحقيق الجديد لا يتحدث عن ضابط عنصري هنا أو آخر هناك، بل عن هياكل تنظيمية تُنتج التحيز وتبرّره. هذا ما يجعل العنصرية في المؤسسة الأمنية البريطانية ليست مجرد انحراف عن القيم الديمقراطية، بل أحد الأوجه الخفية للدولة الحديثة حين تفشل في إعادة تفكيك إرثها الاستعماري. فالعنصرية المؤسسية، كما وصفها تقرير 1999 إثر مقتل المراهق الأسود ستيفن لورانس، ما زالت تتناسل بأشكال جديدة: كراهية النساء، ورهاب المثلية، وعداء المهاجرين والمسلمين.

إننا أمام تحوّل في المفهوم الكلاسيكي للأمن: فبدل أن يكون الأمن ضماناً للمواطنة، أصبح – في بعض الحالات – آلية لإعادة إنتاج الفوارق الطبقية والعرقية. وهذا ما يفسّر انعدام الثقة المتزايد بين الشرطة والمجتمعات الهامشية، خصوصاً من أصول إفريقية وآسيوية.

الأمن كمرآة للأزمة الديمقراطية

في البعد السوسيولوجي، يعكس هذا المشهد ما يسميه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو بـ”العنف الرمزي” الذي تمارسه المؤسسات حين تُخفي علاقات الهيمنة تحت ستار الشرعية القانونية. فالشرطة، وهي الذراع التنفيذية للدولة، تصبح مرآة تعكس الاختلال في توازن القيم داخل الديمقراطية البريطانية نفسها: قيم المساواة والعدالة مقابل نزعات السيطرة والتمييز.

التسجيلات السرية التي بثتها هيئة الـBBC – والتي أظهرت ضباطاً يتهكمون على النساء والمهاجرين والمسلمين – ليست سوى صورة مصغّرة لثقافة مهنية مأزومة، تعيش تناقضاً بين الخطاب الحقوقي والممارسة اليومية. وحين يصبح “التحيّز” جزءاً من هوية المؤسسة، يغدو الإصلاح أكثر تعقيداً من مجرد تدريب أو عقوبة تأديبية.

خلاصة: الدولة والذاكرة والهوية

إن أزمة شرطة لندن، في عمقها، أزمة هوية للدولة البريطانية وهي تحاول التوفيق بين إرثها الإمبراطوري ومثلها الليبرالية الحديثة. فالعنصرية هنا ليست انحرافاً عرضياً بل ذاكرة استعمارية لم تُصفَّ بعد.

ولعلّ التحدي الأكبر أمام المملكة المتحدة اليوم هو أن تنتقل من الاعتراف الأخلاقي بالخلل إلى تفكيك بنية السلطة التي تحميه.

فالإصلاح الحقيقي لا يبدأ من تعديل القوانين، بل من مراجعة سردية “من نحن؟” التي تؤطر علاقة الدولة بمواطنيها المختلفين عرقاً وثقافةً وديناً. دون ذلك، ستظل شرطة لندن – رغم تقاريرها وخططها – تدور في فلك تبرير العنصرية بدل اجتثاثها.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button