
(كش بريس/ التحرير)ـ
في خطوة غير مسبوقة، وجّه اتحاد المقاولات الصحفية الصغرى رسالة احتجاج رسمية إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل، عبّر فيها عن انشغاله العميق بما وصفه بـ”الخروقات التنظيمية والقانونية” الصادرة عن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، مطالباً بفتح نقاش عاجل حول شفافية الدعم العمومي الموجه للنقابات والجمعيات المهنية في القطاع الإعلامي.
وجاء في نص الرسالة، التي تحمل طابعاً احتجاجياً وتحليلياً، أن النقابة أعلنت خلال مجلسها الوطني المنعقد في فاتح نونبر 2025 عن إحداث ما سمّته “قطب المقاولات الناشئة” ضمن هياكلها التنظيمية، وهو قرار اعتبره الاتحاد “خرقاً صريحاً للقانون المنظم للعمل النقابي”، بالنظر إلى أن النقابات المهنية ـ وفق التشريعات الجاري بها العمل ـ تمثل حصراً فئة الأُجراء وتدافع عن حقوقهم، لا عن أصحاب المقاولات أو مديري النشر.
وأوضح الاتحاد أن هذا المستجد يطرح إشكالاً قانونياً ومؤسساتياً حول أهلية النقابة للاستفادة من الدعم العمومي الذي تمنحه الدولة للنقابات المهنية بغرض تأطير الصحافيين الأجراء فقط، مبدياً تخوفه من أن يؤدي هذا الخلط بين صفة الأجير وصفة المقاول إلى تشويش على مفهوم التمثيلية المهنية داخل المشهد الصحفي الوطني.
أسئلة حول الشفافية في تدبير الدعم العمومي:
الرسالة، التي وُجّهت بشكل رسمي إلى الوزير، تضمنت سلسلة من التساؤلات الدقيقة حول تدبير المال العام المخصص للنقابة ولجمعية الأعمال الاجتماعية للصحافيين، التي تُموَّل سنوياً من طرف الوزارة بأكثر من ستة ملايين درهم.
وأشار الاتحاد إلى أن تركيبة الجمعية الحالية أصبحت، وفق تعبيره، “خاضعة لهيمنة مطلقة من طرف النقابة الوطنية للصحافة”، مما يؤدي عملياً إلى إقصاء عدد كبير من الصحافيين غير المنتمين للنقابة من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية الممولة من المال العام، في تناقض واضح مع مبدأ العدالة والحياد المؤسساتي.
وفي هذا الإطار، طرح الاتحاد على الوزير أربعة أسئلة جوهرية تتعلق بمدى مشروعية استمرار الدعم في ظل التحولات الجديدة: ما مصير الدعم العمومي الموجه للنقابة بعد شروعها في إدماج ناشرين وأصحاب مقاولات ضمن هياكلها؟ وهل ما تزال الشروط القانونية التي تأسس عليها الدعم قائمة، أم أن الوضع الجديد يقتضي مراجعة أهلية النقابة للاستفادة من التمويل العمومي؟ وما هو الأساس القانوني الذي يبرر استمرار تمويل جمعية الأعمال الاجتماعية في ظل تركيبة مغلقة لا تمثل عموم الصحافيين؟ وهل تعتزم الوزارة اتخاذ إجراءات تصحيحية عاجلة لضمان عدم تركّز الموارد العمومية في يد جهاز نقابي واحد؟
أزمة تمثيلية وخلل في مفهوم الحكامة الإعلامية:
من زاوية تحليلية، يبرز هذا الجدل إشكالية جوهرية في منظومة الحكامة المهنية داخل الحقل الإعلامي المغربي، حيث تتقاطع أسئلة الشرعية النقابية مع قضايا توزيع الدعم العمومي وشفافية تدبيره.
فبينما يُفترض أن تكون النقابات فضاءً للدفاع عن حقوق الأجراء، فإن انخراطها في تمثيل أصحاب المقاولات يخلق تضارباً في المصالح يهدد التوازن بين المكونات المهنية.
كما أن استمرار وزارة الشباب والثقافة والتواصل في دعم كيانات تنظيمية ذات طابع نقابي وجمعوي دون مراجعة بنيتها القانونية قد يُفهم على أنه تغاضٍ مؤسساتي عن اختلالات الحكامة في صرف المال العام داخل القطاع.
ويرى مراقبون أن هذه الواقعة تعيد إلى الواجهة النقاش حول إعادة هيكلة النظام الداعم للصحافة والنقابات على أساس معايير أكثر شفافية واستقلالية، تضمن فصل السلط المهنية بين النقابات الممثلة للأجراء والمقاولات المعنية بالاستثمار في المجال الإعلامي.
يؤكد اتحاد المقاولات الصحفية الصغرى، في ختام مراسلته، أنه يحتفظ بحقّه في طلب توضيحات رسمية مكتوبة من الوزارة، ويدعو إلى نقاش مؤسساتي ووطني واسع حول مستقبل الدعم العمومي الموجّه لقطاع الصحافة، بما يضمن عدالة توزيعه وشفافية صرفه وحماية التعددية النقابية والمهنية في المشهد الإعلامي المغربي.





