
ـ أكد انطلاق مرحلة جديدة في تدبير الدعم الفلاحي والاجتماعي ـ
(كش بريس/ التحرير)ـ أعلن مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، أن عملية صرف الدعم المالي المباشر لمربي الماشية انطلقت فعلياً مطلع شهر نونبر الجاري، في إطار البرنامج الوطني لدعم الفلاحين والكسابة المتضررين من ارتفاع كلفة الأعلاف والجفاف.
وأوضح بايتاس، خلال الندوة الصحافية التي أعقبت اجتماع المجلس الحكومي، أن عدد المستفيدين بلغ إلى حدود اليوم نحو 580 ألف كسّاب، أي ما يعادل 48 في المائة من مجموع المربين المحصيين وطنياً، مشيراً إلى أن الكلفة الإجمالية للدعم بلغت 2,42 مليار درهم حتى الآن، مع استمرار العملية إلى غاية استفادة جميع الفئات المستهدفة.
وأكد الوزير أن هذه العملية تمثّل تحولاً نوعياً في سياسة الدعم العمومي للفلاحة المغربية، إذ إنها المرة الأولى التي يتم فيها توجيه الدعم المالي بشكل مباشر إلى المربين دون وسطاء أو هيئات وسيطة، بهدف تسريع وتيرة تعويض الخسائر وإعادة تشكيل القطيع الوطني الذي تأثر بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة بسبب الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف.
وأوضح أن الحكومة خصصت غلافاً مالياً إجمالياً قدره 12.8 مليار درهم لتنفيذ هذا البرنامج على شطرين، حيث انطلق الشطر الأول بغلاف مالي قدره 6 مليارات درهم، ويهمّ دعم اقتناء الأعلاف وحماية الإناث المعدة للتوالد، إلى جانب تخفيف ديون المربين وتنظيم حملات التلقيح البيطري.
وتأتي هذه الإجراءات في سياق مراجعة شاملة لآليات الدعم الفلاحي، بعد أن أظهرت التجارب السابقة محدودية المساعدات غير المباشرة التي كانت تمرّ عبر سلاسل التوزيع التقليدية. فالدعم المباشر، وفق بايتاس، يتيح شفافية أكبر في صرف المال العام، ويضمن وصوله إلى المستحقين الحقيقيين دون تسرب أو هدر.
وربط الناطق الرسمي باسم الحكومة بين هذا البرنامج الفلاحي وبين البعد الاجتماعي لمشروع قانون مالية 2026، الذي وصفه بأنه الأكثر طموحاً في تاريخ الدولة الاجتماعية بالمغرب، مبرزاً أن الحكومة رفعت ميزانيتي الصحة والتعليم إلى 140 مليار درهم في سابقة مالية غير مسبوقة.
وشدد بايتاس على أن هذا التوجه يعكس إرادة سياسية واضحة لتكريس العدالة الاجتماعية وتحسين جودة الخدمات العمومية في القطاعات الأكثر ارتباطاً بالمواطنين، موازاة مع برامج الدعم الموجهة إلى الفئات الهشة والوسطى.
واستعرض الوزير مجموعة من المؤشرات التي تبرز الطابع الاجتماعي لموازنة 2026، من أبرزها: 41.5 مليار درهم مخصصة للحماية الاجتماعية والتغطية الصحية. و105 مليارات درهم هي الكلفة الإجمالية لبرنامج المقاصة بين سنتي 2022 و2025، منها 14 مليار درهم للسنة المقبلة. و17 مليار درهم لدعم المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. ودعم غير مسبوق للحوار الاجتماعي وتحسين أوضاع الشغيلة. واستمرار برامج التشغيل ودعم النقل العمومي. وزيادة الدعم المباشر للأسر خلال السنة المقبلة في إطار تفعيل شبكات الأمان الاجتماعي.
هذا التوجه الحكومي يمكن قراءته باعتباره تحولاً في فلسفة التدبير الاجتماعي والاقتصادي نحو اعتماد التحويلات المباشرة كأداة للعدالة الاقتصادية، بعيداً عن الوساطات الإدارية التي كانت تُضعف أثر الدعم على المستفيدين. لكن في المقابل، يطرح خبراء الاقتصاد سؤالاً حول استدامة هذه السياسة المالية في ظل ارتفاع كلفة الدعم وتعدد واجهات الإنفاق الاجتماعي، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بعجز الميزانية والضغط على المالية العمومية.
ورغم ذلك، يرى مراقبون أن المقاربة الجديدة تمثل خطوة جريئة نحو تثبيت مفهوم “الدولة الاجتماعية” كإطار عملي يربط بين العدالة الاجتماعية والفعالية الاقتصادية، ويؤسس لمرحلة جديدة في علاقة الدولة بالمواطن والفاعلين المهنيين، خصوصاً في القطاع الفلاحي الذي ظل لعقود الحلقة الأضعف في منظومة الدعم العمومي.
بهذا، تكون الحكومة قد دشّنت مرحلة جديدة من التدبير الاجتماعي القائم على التحويلات المباشرة، في انتظار تقييم فعالية هذه السياسة على أرض الواقع، ومدى قدرتها على تحقيق التوازن بين الإنصاف الاجتماعي والاستدامة المالية، خاصة في القطاعات الإنتاجية التي تمسّ الأمن الغذائي الوطني.





