
(كش بريس/التحرير)ـ تبيّن المعطيات التي كشفت عنها وزارة الاقتصاد والمالية بخصوص وضعية التحملات ومداخيل الخزينة خلال الأشهر العشرة الأولى من سنة 2025، تسجيل عجز مالي بلغ 60,3 مليار درهم، مقابل 47,4 مليار درهم في الفترة نفسها من السنة الماضية، وهو ما يعكس اتساع الفجوة البنيوية بين الإنفاق العمومي ووتيرة نمو الموارد الجبائية وغير الجبائية.
وتظهر الوثيقة أن هذا التطور ناتج أساساً عن ارتفاع ملموس في النفقات بقيمة 56,3 مليار درهم، يفوق الزيادة المسجلة في المداخيل (43,4 مليار درهم)، ما يشير إلى ضغوط متزايدة على التوازنات الماكروفيسكالية للدولة، في ظل دينامية اقتصادية لم تتمكن بعد من خلق مداخيل إضافية كافية لامتصاص نمو الإنفاق.
وقد بلغت المداخيل العادية 334,1 مليار درهم، بمعدل إنجاز بلغ 84,5 في المائة مقارنة بتوقعات قانون المالية، تتوزع بين موارد جبائية بقيمة 280,8 مليار درهم، ومداخيل غير جبائية في حدود 49,4 مليار درهم، إضافة إلى 3,9 مليار درهم من بعض الحسابات الخاصة. هذا الأداء يعكس استمرار الاعتماد القوي على الجبايات كمصدر رئيسي لإيرادات الدولة، في مقابل ضعف وتذبذب الموارد غير الجبائية.
وبالموازاة، ارتفعت النفقات العادية إلى 298 مليار درهم، بمعدل إنجاز بلغ 84,2 في المائة، موزعة بين نفقات السلع والخدمات (244 مليار درهم)، وخدمة الدين العمومي (38 مليار درهم)، وتكاليف المقاصة (16 مليار درهم). هذا الهيكل يؤكد ثقل النفقات الجارية وصعوبة التحكم فيها على المدى القصير، خصوصاً في ما يتعلق بتكلفة الدين وتوسع كتلة الأجور ونفقات التسيير.
ورغم ذلك، أسفرت حركة المداخيل والنفقات العادية عن فائض عادي بلغ 36,1 مليار درهم، مقابل 34 مليار درهم السنة الماضية، ما يعكس قدرة جزئية على ضبط المصاريف الجارية، لكنه فائض لا يكفي لتغطية تكاليف الاستثمار وتراجع أرصدة الحسابات الخاصة.
أما نفقات الاستثمار فقد بلغت 86,2 مليار درهم، بمعدل إنجاز مرتفع نسبياً وصل إلى 81,6 في المائة، ما يعكس التزام الدولة بمواصلة ضخ الاستثمارات العمومية رغم القيود المالية، سعياً لتحفيز النشاط الاقتصادي وتطوير البنيات الأساسية.
في المقابل، سجلت الحسابات الخاصة للخزينة رصيداً سلبياً بلغ 10,2 مليارات درهم، مقابل 1,8 مليار درهم السنة الماضية، وهو تطور يطرح تساؤلات حول نجاعة تدبير هذه الحسابات ووتيرة صرفها مقارنة بمواردها.
في المحصلة، تكشف هذه المؤشرات أن العجز المالي يتعمق بفعل اختلالات هيكلية ترتبط بثقل النفقات الجارية، وارتفاع كلفة الدين، وضعف تنويع الموارد، مقابل استمرار الدولة في سياسة استثمارية طموحة. وهو ما يدفع نحو الحاجة إلى إصلاح ضريبي أعمق، وترشيد أكبر للإنفاق، وابتكار مصادر تمويل جديدة قادرة على تخفيف الضغط على الميزانية واستعادة هوامش المناورة المالية.





