
ـ المحكمة الابتدائية بمراكش تسجل أزيد من 238 ألف حكم خلال سنة 2024 ـ
(كش بريس/التحرير)ـ تُعدّ المحكمة الابتدائية بمراكش من بين المحاكم ذات الثقل الاستثنائي داخل المنظومة القضائية المغربية، بالنظر إلى موقعها المركزي في الخريطة القضائية الوطنية، واتساع دائرة نفوذها، وتعدد الاختصاصات المعروضة عليها، فضلاً عن الحجم الكبير للقضايا التي تبتّ فيها سنويًا. وتغطي هذه المحكمة دائرة نفوذ تضم أزيد من 2.214.395 نسمة وفق معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، ما يجعل مدينة مراكش تحتل المرتبة الثانية وطنيًا من حيث الكثافة السكانية.
وخلال سنة 2024، بلغ عدد القضايا المسجلة بالمحكمة الابتدائية بمراكش ما مجموعه 233.217 قضية، وهو رقم يعكس حجم الإقبال الكبير للمتقاضين على هذه المؤسسة، والدور المحوري الذي تضطلع به في فضّ النزاعات والاستجابة للطلب المايا 2025تزأحكام وقضايا 2024
ايد على العدالة.
ورغم هذا العدد المرتفع من القضايا المسجلة، فقد تمكنت المحكمة خلال السنة نفسها من إصدار 238.085 حكمًا، وهو ما يُبرز المجهودات الكبيرة التي يبذلها القضاة وموظفو كتابة الضبط من أجل تسريع وتيرة البت في الملفات، وتصفية القضايا العالقة، وتعزيز النجاعة القضائية وتقليص آجال التقاضي.

وتُظهر المقارنة بين عدد القضايا المسجلة وعدد القضايا المحكومة أن المحكمة عرفت دينامية لافتة في تصريف الملفات خلال سنة 2024، إذ فاق عدد الأحكام الصادرة عدد القضايا المسجلة، وهو ما يعكس نجاحها في تصفية رصيد مهم من القضايا المتراكمة من سنوات سابقة.
ويُعزى هذا الأداء الإيجابي إلى نموذج التدبير المعتمد داخل المحكمة الابتدائية بمراكش، القائم على مقاربة حديثة وفعالة في التدبير اللامادي والرقمي للملفات والإجراءات القضائية. فقد تم اعتماد مسار رقمي متكامل لمعالجة القضايا، يبدأ من إيداع المقالات الافتتاحية من طرف المحامين أو المتقاضين، مرورًا بمعالجتها عبر النظام المعلوماتي “ساج 2”، ثم إخضاعها للمسح الضوئي والتحميل الإلكتروني، قبل إحالتها على الشعب المختصة. ويتيح هذا النظام للمتقاضين الحصول الفوري على رقم الملف وتاريخ الجلسة، بما يعزز الشفافية وسرعة الولوج إلى المعلومة.
ومنذ سنة 2017، مكّنت عملية المسح الضوئي من إرساء أرشيف إلكتروني متكامل، شكّل سابقة نوعية على الصعيد الوطني في مجال حفظ وتدبير الوثائق القضائية، بما يضمن سلامة المعطيات، وسهولة الولوج إليها، واستدامتها.
كما يُسجَّل للمحكمة الابتدائية بمراكش كونها أول محكمة بالمغرب تعقد جلسة قضائية رقمية، وذلك بتاريخ 22 فبراير 2018 بقصر العدالة، في خطوة رائدة عكست الانخراط الفعلي في ورش التحول الرقمي للعدالة، وما يترتب عنه من تحسين جودة الخدمات وتسريع الفصل في القضايا.
ومنذ سنة 2018، دأبت المحكمة على اعتماد نموذج المحكمة الرقمية بشكل منتظم، حيث يتم عقد ما يقارب ثماني جلسات رقمية يوميًا، أي حوالي أربعين جلسة أسبوعيًا، وهو ما يعكس استمرارية هذا الخيار ونجاعته في تحديث العمل القضائي.
وقد أثارت هذه التجربة الرائدة اهتمام عدد من المحاكم الوطنية والدولية، ما تُوّج بإبرام اتفاقيات توأمة وتعاون قضائي لتبادل الخبرات في مجال رقمنة المساطر وتحديث الإدارة القضائية. وفي هذا الإطار، أبرمت المحكمة سنة 2019 اتفاقية توأمة مع محكمة بوبيني بفرنسا، حيث عبّر وفد هذه الأخيرة عن إعجابه الكبير بمستوى التنظيم والنجاعة، خاصة في ما يتعلق بتدبير الملفات الرقمية.
ولم يقتصر صدى هذه التجربة على المستوى القضائي والمؤسساتي، بل حظيت أيضًا بتغطية إعلامية دولية واسعة، إذ سلطت عدة منابر إعلامية الضوء على نموذج المحكمة الابتدائية بمراكش باعتباره تجربة متقدمة في تحديث العدالة. وفي هذا السياق، خصّت جريدة “لو باريزيان” الفرنسية هذه التجربة بتغطية أشادت من خلالها بمستوى التحديث الذي بلغته المحكمة وطريقة تدبيرها الرقمية للملفات.
كما حظيت هذه التجربة بإشادة دولية من قبل اللجنة الأوروبية لفعالية العدالة (CEPEJ)، التي قامت بثلاث زيارات رسمية للمحكمة سنوات 2017 و2018 و2025، واطلعت خلالها على مختلف آليات العمل، خصوصًا الخدمات الرقمية وتدبير القضايا إلكترونيًا. وقد أجمع أعضاء اللجنة على جودة الخدمات والنجاعة التنظيمية، معتبرين التجربة نموذجًا متقدمًا للتحول الرقمي في العدالة.
ويُعزى هذا المسار المتقدم في مجال رقمنة العمل القضائي إلى الإشراف المباشر لرئيس المحكمة الابتدائية بمراكش، السيد محمد دحان، وإلى الانخراط الجاد والمسؤول للقضاة وموظفي كتابة الضبط، الذين أسهموا، من خلال التزامهم المهني، في تنزيل هذا الورش الإصلاحي وفق المعايير المعتمدة، ما أسفر عن نتائج إيجابية ملموسة على مستوى التدبير اللامادي، وتسريع البت في القضايا، والرفع من جودة الخدمات القضائية، ويعكس مستوى النضج المؤسسي الذي بلغته المحكمة كأول محكمة رقمية على الصعيد الوطني، وقدرتها على مواكبة متطلبات تحديث منظومة العدالة بالمغرب.





