
(كش بريس/التحرير)ـ عبّرت النقابة الوطنية للمالية، التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عن استغرابها الشديد مما وصفته بعدم وفاء وزيرة الاقتصاد والمالية بالتزاماتها السابقة، التي تم التأكيد عليها خلال اللقاءات التي جمعتها بالنقابة، والمتعلقة بصون المكتسبات المهنية لموظفات وموظفي القباضات وضمان استقرارهم المهني والاجتماعي ومساراتهم الوظيفية.
وحمّلت النقابة، في بلاغ رسمي، الوزيرة الوصية المسؤولية الكاملة عن حالة الارتباك التي تعيشها القباضات، مطالبة إياها بالتدخل الفوري والعاجل لوضع حد للانعكاسات النفسية والمهنية التي تطال الموظفين والموظفات نتيجة هذا الوضع غير السليم.
وأوضح البلاغ أن النقابة تتابع بقلق بالغ ما يرافق تنزيل وتفعيل مقتضيات قانون جبايات الجماعات الترابية رقم 14.25، وما صاحب ذلك من تصرفات اعتبرتها غير مسؤولة صادرة عن بعض رجال السلطة بعدد من القباضات، من بينها إجبار الموظفين على إخلاء مقرات عملهم بشكل مفاجئ ودون أي إشعار مسبق، وبأساليب تمس بالكرامة الإنسانية، دون الأخذ بعين الاعتبار المسؤوليات المالية والقانونية والشخصية الملقاة على عاتق القباض، أو طبيعة الأموال العمومية المودعة لديهم، أو الملفات والوثائق المحاسبية التي تحتفظ بها هذه المصالح.
وسجّل المصدر ذاته نماذج ملموسة لهذه الممارسات، من بينها ما وقع بقباضة ما بيلا بمدينة الرباط، حيث تم تغيير مفاتيح المقر واللوحة الإدارية التي تحمل اسم قباضة الخزينة العامة للمملكة، وتعويضها بأخرى تحمل اسم القباضة الجماعية، دون تحرير أي محاضر رسمية لتسليم المهام (Remise de service)، كما يفرض ذلك القانون، ولا سيما فيما يتعلق بالوثائق والسجلات والقوائم المحاسبية.
وأكد المكتب الوطني للنقابة أن هذه الوقائع، مهما كانت دوافعها أو مبرراتها، تمس بشكل مباشر كرامة الموظفين والموظفات، وتتعارض مع القواعد الأساسية وأخلاقيات تدبير المرفق العمومي، ومع مبادئ احترام دولة القانون والمؤسسات، معبرًا عن رفضه القاطع لهذه التصرفات الصادرة عن بعض رجال السلطة في حق موظفي وموظفات الخزينة العامة وبعض القباض.
وطالب التنظيم النقابي وزيرة الاقتصاد والمالية بالتدخل الفوري لحماية الموظفين، وذلك طبقًا للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في النظام الأساسي للوظيفة العمومية، باعتبارها المسؤولة الأولى عن القطاع.
وشددت النقابة على أن تنزيل قانون جبايات الجماعات الترابية لا يمكن أن يتم عبر أساليب مفاجئة أو قرارات مرتجلة، بل ينبغي أن يمر عبر مساطر رسمية واضحة، وإجراءات قانونية دقيقة لتسليم السلط والمهام، مع إشراك فعلي ومؤسساتي للخزينة العامة للمملكة.
كما عبّرت عن استغرابها من تهميش الخزينة العامة للمملكة وإقصائها من هذا الورش، رغم كونها طرفًا محوريًا وأساسيًا في التدبير اليومي للقباضات، بالنظر إلى الأدوار الجوهرية التي تضطلع بها في مجالات التحصيل والمحاسبة والمراقبة، وكذا في تمويل الميزانية العامة للدولة.
وختمت النقابة الوطنية للمالية بلاغها بالتأكيد على انخراطها المسؤول والتلقائي في كل إصلاح يروم خدمة المصلحة العامة، شريطة ألا يتم ذلك على حساب المسار المهني والاستقرار النفسي والاجتماعي لموظفات وموظفي الخزينة العامة للمملكة.
وكانت مجموعة من القباضات بمختلف مناطق المملكة قد شهدت حالة من الارتباك الواضح على مستوى التدبير والتنظيم، وهو ما ألقى بظلاله السلبية على السير الطبيعي للمرفق العمومي، كما أثّر بشكل مباشر على الأوضاع المهنية والنفسية للموظفين. ويأتي هذا الوضع في أعقاب الشروع في تنفيذ مقتضيات قانون جبايات الجماعات الترابية رقم 14.25، الأمر الذي فجّر نقاشًا واسعًا وانتقادات حادة حول إشكالات الحكامة واحترام المساطر القانونية، خصوصًا في مرحلة انتقالية دقيقة تمس أحد المرتكزات الأساسية للمالية العمومية.
وفي سياق متصل، ترأست نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، مساء أمس الخميس بمقر الوزارة، اجتماعًا حضره فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، إلى جانب ثمانية خزنة جهويين يمثلون مختلف جهات المملكة.
واستهلت الوزيرة هذا الاجتماع بالتذكير بدخول القانون رقم 14.25 حيز التنفيذ، مؤكدة أنه أصبح ملزمًا وواجب التطبيق، مشيرة إلى أن تنزيله تم بسلاسة مع المديرية العامة للضرائب. غير أنها أوضحت أن عملية التنفيذ تواجه عدة صعوبات، خاصة فيما يتعلق بتسليم البنايات ونقل الاختصاصات بين الخزينة العامة للمملكة ومصالح وزارة الداخلية، ممثلة في المديرية العامة للجماعات الترابية. وأفادت في هذا الصدد أنه إلى حدود يوم الثلاثاء 23 دجنبر الجاري، لم يتم سوى تسليم 8 بنايات من أصل 92 بناية، ومنح 6 تراخيص مرتبطة بالنظام المعلوماتي، دون تسجيل أي عملية رسمية لتسليم المهام.
وأكدت الوزيرة أن الولاة والعمال يقدمون الدعم اللازم من أجل إنجاح هذه العملية، داعية الخزنة الجهويين إلى تسريع وتيرة العمل قبل نهاية شهر دجنبر 2025، لتدارك التأخر المسجل، وتفادي سقوط المداخيل الجبائية في التقادم، وما قد يترتب عن ذلك من مسؤوليات.
وفيما يخص الموظفين التابعين لوزارة الاقتصاد والمالية، وبالخصوص الخزينة العامة للمملكة، تم الاتفاق على استمرارهم في العمل بالقباضات الحالية لمدة أقصاها ستة أشهر، إلى حين التوصل إلى توافق حول الاستعمال المشترك للبنايات. وفي حال تعذر ذلك، ستعمل الوزارة على إيجاد حلول بديلة لنقل موظفيها من هذه المقرات، مع التأكيد على أن الأمر يتعلق بموظفي الدولة، بغض النظر عن مواقع عملهم أو القطاعات التي ينتمون إليها، كما شدد على ذلك فوزي لقجع.
وعلى مستوى تدبير الموارد البشرية، جدّدت وزيرة الاقتصاد والمالية التأكيد على مبدأين أساسيين لا محيد عنهما، يتمثلان في الحفاظ على الحقوق المكتسبة التي لا يمكن المساس بها، واحترام مبدأ التطوع وحرية الاختيار، مع التأكيد على عدم جواز إجبار أي موظف على المغادرة أو الاستمرار في منصبه رغماً عنه.
كما أشارت الوزيرة إلى أن الخزنة الجهويين قاموا بتنظيم دورات تكوينية لفائدة الموارد البشرية التابعة للجماعات الترابية، في حين توجد دورات أخرى قيد الإنجاز، داعية إلى مواصلة هذه التكوينات وفق البرنامج المتفق عليه سلفًا، بتنسيق مع مصالح وزارة الداخلية.
وفي ختام الاجتماع، دعت نادية فتاح العلوي الخزنة الجهويين إلى الانخراط الجاد والمسؤول لإنجاح تنزيل القانون رقم 14.25، وحثتهم على تنفيذ تعليماتها بدقة وسرعة، تفاديًا لأي مسؤولية تقصيرية قد تنجم عن سقوط المداخيل الجبائية في التقادم.





