‏آخر المستجداتفنون وثقافة

أكاديميون وخبراء بمراكش يفككون أشكال الالتقاء وجسور التجويد بين اللغة العربية والقانون

   (كش بريس/ كتبت: دة فاطمة حرار) ـ احتفاء باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف كل سنة 18 دجنبر، نظمت التنسيقية الجهوية للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية لجهة مراكش آسفي ندوة فكرية موسومة ب: “اللغة العربية والقانون”عشية يوم السبت 24 دجنبر 2022 بالقاعة الكبرى غرفة التجارة والصناعة جليز مراكش. وتأتي الندوة في سياق تتويج الأيام الاحتفالية الثقافية ضمن برنامج ممتد من 20 إلى 30 دجنبر 2022 تحت شعار: “اللغة العربية: هوية، ثقافة، امتداد”، بمساهمة ثلة من الأساتذة الباحثين والأكاديميين والمثقفين.

   افتتح اللقاءَ الدكتور مصطفى غلمان، الإعلامي ورئيس مؤسسة كش بريس، بكلمة ترحيبية للحضور، معتبرا المناسبة الاحتفائية محطة جديدة للتنسيقية الجهوية للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية لجهة مراكش آسفي، محطة التفاعل مع القضايا التي تستبق الراهن وتنفتح على صلب اهتمامات العالم الرقمي واللساني والديداكتيكي، ومعبرا عن حرص تنسيقية الائتلاف بالجهة على التفكير في تقاطعات أخرى مع لغة العلم والمعرفة، والبدء بتسجير أبعاد العلاقة الاستراتيجية بين لغة الضاد والقانون، ثم مهّد لجملة الأسئلة التي تهدف هذه الندوة الترافعية العلمية للإجابة عنها من خلال مشاركة أساتذة مختصين في عالم القانون والبحث العلمي، ومنها قوله: كيف تتحدد العلاقة بين اللغة والقانون؟ وما أثرها على البناءات الثقافية والمجتمعية؟ وما حصيلة ذلك في صرح العدالة والقانون؟ وهل تنفذ هذه الجوهرانية إلى الهوية الثقافية واللغوية للتنمية الإدارية؟ وكيف نرسخ مبدئية التنظير لثنائية اللغة والقانون، باعتبار القانون تنظيمات ترسخ مبادئ دولة الحق والقانون والمؤسسات؟.

  وفي كلمة للأستاذة الشاعرة والكاتبة فوزية رفيق، رئيسة التنسيقية فرع مراكش، ذكّرت بسياق هذا اللقاء المندرج ضمن سلسلة من اللقاءات والأنشطة التي دأبت التنسيقية على تنظيمها، من خلال انفتاحها على بعض المؤسسات التعليمية حيث تواجد الناشئة التي يراهن عليها الائتلاف، وأكدت على أن الرهان كبير في هذه الندوة الموسومة بـ “اللغة العربية والقانون”، لأن الهدف هو تعميق التفكير في راهن اللغة العربية وآفاق تطورها وتطويرها، وإبراز الدور الكبير للغة الضاد في الصياغة القانونية وما تتطلبه من دقة متناهية. تقول ذة رفيق: باللغة العربية فقط يتمكن النص القانوني من تحقيق الهدف المتوخى منه، وإبراز أهميته كأداة للتقعيد والتأصيل القانوني، ولأن ضمان انصهار اللغة العربية بالقانون وسلامة استخدامها يصب في مصلحة العدالة، ثم أغنت الرئيسة كلمتها بقولة للمفكر المغربي عبد الله العروي: “إن العربية بوابتنا نحو الكونية، وهي في نفس الوقت ضمان أصالتنا”، وبالتالي فتحقيق النهضة العربية رهين باللغة العربية باعتبارها عنوانا للثقافة، وأكدت من جهة على أهمية ممارسة اللغة في الحياة اليومية في البيت  والإدارات والجامعات وفي البحث العلمي، ودعت إلى ضرورة تجديد قواميسها واعتماد التوليد لتفادي فوضى المصطلحات وانتشار الغموض في زمن تحدي العولمة… وأخيرا ختمت بتوضيح الرؤية الخاصة للتنسيقية الجهوية للائتلاف –في صيغتها النسائية مائة بالمائة- والقائمة على الدفع بوضع استراتيجية لانتشار اللغة وتطويرها، وإعادة صياغة آليات لتأسيس ميكانيزمات جديدة مناسبة للعالم الجديد..

       وكلمة السنة بالمناسبة الاحتفائية –والتي أصبحت عرفا سنويا- فقد تقدمت بإلقائها الأكاديمية عالمة الذكاء الاصطناعي الدكتورة فاطمة رومات –عضو فريق الخبراء في الذكاء الاصطناعي بمنظمة اليونسكو والرئيس المؤسس للمعهد الدولي للبحث العلمي… والتي أكدت على أن الاحتفاء هذه السنة يتسم بالسباق نحو الذكاء الاصطناعي والسيادة التكنولوجية، وطرحت واقع اللغة العربية والتحديات التي تواجهها، وطبيعة الحلول المقترحة لمواجهة هذه التحديات، فقد أشارت إلى تراجع عدد المتحدثين باللغة العربية سنة 2021، وإلى الفرص الذي تقدمها تقنية الذكاء الاصطناعي لتسريع تعلم اللغة العربية عن طريق الترجمة الآلية، وبالرغم من فرص الارتقاء باللغة العربية تلاحظ غيابها على مستوى لائحة الدول المتصدرة من حيث الإنتاجات العلمية الأكاديمية، ومرد ذلك هجرة الأدمغة، وعولمة اللغة الإنجليزية، ونسيان حقيقة لغة القرآن الذي أرسى القانون الدولي الإنساني. وخلصت دة. رومات إلى أن السيادة اللغوية هي ركيزة الدول في الحفاظ على سيادتها التي تبدأ بالسيادة التكنولوجيا وصولا إلى السيادة اللغوية، ثم ختمت بتوصية  اليونسكو نونبر  2021 وما تطرحه من تدابير وإجراءات من شأنها تعزيز الاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للحفاظ على اللغات واللهجات، ووضع مناهج لتعلم أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لجميع المستويات التعليمية.

     أما الدكتور الأكاديمي مولاي حسن السويدي، القاضي الاستثنائي ونائب الوكيل العام ورئيس خلية المرأة والطفل في محكمة الاستئناف،  فقد خص مداخلته  بعنوان “اللغة العربية وفق القانون الوطني والدولي”، ركز خلالها على مكانة اللغة العربية، فهي اللغة القانونية للتأصيل والتقعيد القانوني، وهي أساس وحدة الأمة في الفكر والتشريع ووحدتها الكبرى، وهذا ما جعلها عنده تدخل ضمن اللغات الرسمية، وجعلها تفوز بمكانة لدى هيئة الأمم المتحدة، باعتبارها محفزا للإنتاج  ونقل المعارف العلمية، وهامة في صياغة كل الوثائق الرسمية. وبما أنها حاضرة على مستوى القانون الوطني ووسيلة للتعبير والأحكام القضائية، فهي عنوان للحقيقة ولتحقيق العدالة.

   وأما الدكتورة عفيفة بلعيد، دكتورة في القانون العام والعلوم السياسية والأستاذة العرضية بكلية الحقوق، والتي اختارت لمداخلتها موضوع “الأمانة العامة للحكومة وجودة صياغة التشريع”، فقد أثارت ملاحظة هامة مفادها ان اختيار “اللغة العربية والقانون” موضوعا للندوة اختيار مثير وغير مسبوق في فضاء الكليات المتخصصة في القانون. لقد تناولت في كلمتها محورين أساسيين: الأول يتعلق بضرورة وضوح القاعدة القانونية، وضرورة سلامتها من اللبس من حيث الصياغة، وقدمت أمثلة دالة تؤكد ضرورة وضوح القاعدة القانونية ودور قرار المحكمة الدستورية في إقرار الوضوح مبدءا دستوريا. أما المحور الثاني فكان حول عرض بعض الأخطاء اللغوية المتواجدة في بعض النصوص القانونية، وتأثيرها سلبا على جودة التشريع. وخلصت دة. بلعيد إلى أن الوضوح في القاعدة القانونية يساهم في سلامة تطبيقها من جهة، وحماية حقوق الأفراد من جهة ثانية، ثم ختمت مرافعتها بإنشاد قصيدة شعرية في حبها للغة العربية.

   وشارك الدكتور الأكاديمي مولاي ادريس النوازلي-خريج المعهد العالي للقضاء وأستاذ زائر بكلية الحقوق- بمرافعة عَنونها بالمصطلح العربي بين العادي والقانوني، افتتحها بمكانة اللغة العربية باعتبارها لغة تواصل وصوت حضارة، لغة التعليم والتربية عند المسلمين، وكذلك لغة التشريع والقضاء. وحدد بعض أسباب تراجعها في كون عدد من الإبداعات التي يبدعها العرب تترجم إلى لغات أخرى وتطمس الهوية، وعدد من المبدعين العرب يكتبون بلغة غير العربية، وأقر بوجوب الإلمام بها لأنها لغة التشريع، مفسرا كيف يتطابق المدلول اللغوي للمصطلح العربي مع المدلول الاصطلاحي في القانون (مثلا السّبّ والشتم) وكيف يكون الاصطلاح القانوني أوسع من الاصطلاح اللغوي (مثلا السن القانوني للطفل في القانون وفي اللغة والشريعة)، وكيف يكون أضيق منه (مثلا لفظ تزوير وكذب )، وقد خلص إلى أن المصطلح القانوني مركب وصفي جامع يرد على معان كثيرة، واللغوي يقصد به معناه الواسع يشمل مفردات وتراكيب ذات صلة مباشرة بنصوص القانون التشريعية، وختم بالتعبير عن افتخاره بعربيته فهي منبع جميع القوانين التي تستقى منها النصوص القانونية في حده المعتبر بالخصوصية القانونية.

   وإغناءً للمرافعات السابقة، اختارت الأستاذة حسناء بلبنار، وهي محامية بهيئة مراكش، الترافع بعنوان “خصائص اللغة القانونية، ركزت خلالها على محورين اثنين: أولهما معالجة العلاقة بين اللغة العادية المتداولة من جهة واللغة القانونية من أجل تبيان خصائص اللغة القانونية والبنية اللغوية للنص القانوني. ومن الأمثلة الدالة على ذلك المادة(156 ) من مدونة الأسرة والمتعلقة بثبوت نسب المولود الناتج عن حمل الخطبة… وضرورة تدخل المُشرع من أجل توضيح الغموض وإعادة صياغة المادة 156.

    والمحور الثاني إثارة إشكالية بعض المواد التي تطرحها مدونة الأسرة، والتي أثارت جدلا فقهيا بسبب الغموض اللغوي أثناء صياغتها، مثال ذلك، مسطرة التعدد الفقرة الأخيرة من المادة 45 : تمنح القاضي إمكانية سلوك مسطرة التطليق للشقاق تلقائيا في الحالة التي يتمسك فيها الزوج بطلب الإذن بالتعدد والزوجة ترفض منحه الإذن، وترفض سلوك مسطرة تطليق الشقاق المشرع، هنا يخرق مقتضيات المادة 3 من قانون المسطرة ، حيث يبث في ما لم يطلب منه. وقد خلصت ذة. بلبنار إلى أن القانون الوضعي من وضع البشر، لذلك يكون معرضا للنقد ويتعين تغييره وتعديله حسب تغيير الظروف الاجتماعية والاقتصادية.

   ولإضفاء الطابع الفني على الجلسة الترافعية، قدم الفنان الأستاذ عبد الرحيم صلابة بأنامله قسمات موسيقية على آلة العود.

       لتختتم الندوة بكلمة حول “إشكالية ترجمة النصوص القانونية باللغة الفرنسية” للأستاذة صبرينة شريف وزان، مستشارة قانونية في قانون الأعمال والمقاولات بمكتب المحاماة، طرحت خلالها مشكل انتقال المصطلح القانوني من لغة إلى أخرى، وما يترتب عنه من مشاكل في فهم النص الأصلي.

   وتوج اللقاء الاحتفائي بالمناقشة من قبل الحضور، وبتقديم توصيات هامة، من بينها تفضل الدكتور عمر أبو الزهور بالتأكيد على أن المغرب خطا خطوات جريئة وكبيرة لتجاوز عدد من الصعوبات سواء من الناحية القانونية أو التشريعية أو القانون المقارن، وأوصى بضرورة مساهمة المحامين (كمهندسين معماريين) في بناء قناعة القضاة، ونبّه من خطر تفريط المهندس المعماري للحكم في مرافعته، وأوصى بضرورة ترافعه من أجل التكوين المستمر، وضرورة التكوين المستمر لكل رجال القانون ونسائه، كما دافع عن تاريخ القضاء المغربي المشرف ومضاهاته للقضاء في دول أخرى، وعن القضاة الذين حموا اللغة العربية في أحكامهم وقراراتهم. وأضاف الدكتور مولاي حسن السويدي ان مسألة اعتماد اللغة العربية في القانون بجميع متطلباتها هي مسألة ملزمة لجميع الأطراف…

‏مقالات ذات صلة

Back to top button