‏آخر المستجداتفنون وثقافة

في ندوة بسيدي بوعثمان الرحامنة: الثقافة والمجتمع بوصفها موضوعا للتفكير

(سيدي بوعثمان/خاص) ـ

تشكل الثقافة شرطا رئيسا لإنتاج “النحن” والتأثير في تشكلاته التاريخية وتوسيعا لآفاقه وتعميقا لرهاناته .. فإذا كانت الذات فاعلا في قراءة حضورها الفردي في علاقته بالغير والعالم فإنها تؤسس نشاطها وفق منظومة معاني و دلالات تحملها الثقافة .
إن الناس حسب عالم الاجتماع أنتوني غيدنز “قد يصابون بالتشوش و الحيرة عندما يجدون أنفسهم في بيئة ثقافية جديدة لأنهم يشعرون عندئد بغياب النقاط المرجعية التي درجوا على الاستهداء بها في فهم العالم المحيط بهم ، كما أن بعضهم في إبحارهم عبر الفضاءات الجديدة يكونون أشبه بسفينة فقدت مراسيها “.


في هذا السياق الموسوم بالنقد والمسؤولية والشجاعة على التفكير شرعت جمعية لقاءات في تنزيل مشروعها الثقافي، بحيث نظمت ندوة فكرية وعلمية للتفكير في موضوع الثقافة و المجتمع بتاريخ 26 مارس 2023 بدار الشباب سيدي بوعثمان بوصفها مؤسسة مواطنة تقع المسألة الثقافية في صلب مسؤولياتها
و لأن اختراق الافاق و الدخول في حيوات أخرى يحيل على خطوط الهروب، الرحيل ، المغادرة الموطنية بتعبير جيل دولوز فإن الخطوط التي رسمت أثناء التفكير و النقاش و التفاعل قد كشفت الحجب عن ممكنات حاسمة لتعقل واقع المسألة الثقافية ومساراتها .


ساهم الشاعر و الإعلامي و الباحث مصطفى غلمان بورقة بحثية حاول من خلالها الكشف عن ” التباسات مجتمع المعلومات إزاء مجتمع المعرفة ” ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم ثورة تكنولوجية قادت إلى ثورات معرفية جعلتنا أمام فائض من المعلومات المحمولة من كل صوب و بنوايا و مقاصد و مفاعيل متعددة نجد أنها غير مؤطرة بمسلكيات الأمر الذي يفضي إلى إرباك البناءات الثقافية المجتمعية خصوصا أمام تراجع نفوذ مؤسسات التنشئة الاجتماعية التقليدية و ضعف مناعتها ( الأسرة ، المدرسة ، ..) ، وفي نفس السياق قرر الشاعر والباحث عبد اللطيف السخيري أن الكتاب هو جغرافيا لاكتشاف الذات و تطوير كفاياتها النوعية و عتق لها من أسر البرمجيات المحكومة بأفق أداتي . قدم الباحث ورقة بحثية تحاول الترافع عن ” مركزية الكتاب في بناء فعل ثقافي حقيقي ” منطلقا من سفر حفري في تاريخ مفهوم الثقافة و أشكال حضوره في السياق العربي و الغربي .


بحرقة أشار الباحث إلى معقولية تقدير الروائي راي برادبوري في وصفه لهذا العالم الغافل الحامل لكل صور الضحالة والبؤس و التسليع والتجهيل فالإطفائي الناطق بلسان الكوكب الرقمي – عالمنا المعاصر ، مكلّف بإحراق الكتب و ليس إطفاء النار . هذا الحريق الذي سيمتد إلى نهاية العمر ، و كل محاولة لإطفائه ستقود للجنون بتعبير إحدى شخصيات رواية فهرنهايت 451.
و بهذا المعنى فإن النضال من أجل توطين الكتاب في سياقنا المجتمعي هو أحد المهام الأساسية التي ينبغي وضعها نصب أعيننا بوصفنا فاعلين ثقافيين .


هذه المهمة التي تقاطعت معظم تفاعلات المتدخلين والمناقشين حولها . فإذا كنّا نجزم بأن الثقافة مدخل رئيس لتعبئة الفاعلين من أجل ربح رهانات البناء المجتمعي فإن الكتاب مورد أساسي ومركزي في بناء فعل ثقافي حقيقي . كما أن المقاومات الجديدة لكل مظاهر التفتيت التي تمارسها المعلومات المنقولة والمؤدلجة تستدعي تعزيز مناعة المؤسسات التربوية ، و أساسا المدرسة . هذا المطلب يستدعي مساءلة المناهج المعتمدة في التدريس والتي ينبغي أن تحفز قيم النقد والتفكير و المسؤولية ، الإبداع ..

‏مقالات ذات صلة

Back to top button