‏آخر المستجدات‏المرأة وحقوق الانسان

فوزية رفيق الحيضوري: منع تزويج الطفلات مسؤوليتنا جميعا…

رغم وجهات النظر المتعددة بشأن تعريف الطفولة في إطار الدراسات السوسيولوجية والسيكلوجية، إلا أن الإجماع يتم على أن الطفولة هي المرحلة التأسيسية التي تتشكل فيها شخصية الفرد، وهي بمثابة نقطة الانطلاق نحو مراحل النضج، تتميز بالنمو المستمر الجسدي والنفسي. في هذه المرحلة لا يستطيع الطفل تحمل مسؤوليات الحياة إلا بالاعتماد على الأبوين، وعلى المدرسة، فهي مرحلة البناء و التكوين ونمو الشخصية.
وقد تَنْتُجُ ندوب ، يصعب علاجها عن كل سلوك خاطئ يمس نفسية الطفل ، كالشعور بالتخلي عنه، أو عدم الاهتمام به، هذه الندوب تكون لها نتائج وخيمة ، تؤثر على كل مجال من مجالات حياته في المستقبل…..
وإذا كان من واجب الآباء توفير بيئة سليمة، آمنة للأطفال، فهل يمكن لهذا الهدف أن يتحقق عندما يتم إكراه طفلة على الزواج؟
نستطيع القول بدون تردد إن تزويج الطفلات: جريمة شنعاء، هتك عرض قاصر، عذاب نفسي ومعاناة جسدية، يصعب على طفلة تحملها، إنه إعاقة وتقويض للتنمية…
التزويج  غير الزواج كما هو معروف، لأن الزواج بالمعنى المتعارف عليه رباط مقدس وميثاق قويم.
قال تعالى: “وَأَخَذْنَا مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَليظا”….(سورة النساء الآية 21)…
وفي ذلك إشارة إلى ضرورة الحفاظ على حسن العشرة لحماية الأسرة ..
وعاشروهنَّ بالْمعْروفِ” (النساء 21)
لأن هذا العقد هو أهم مشروع في حياة الإنسان ، وهو “ميثاق و تراض و ترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين” (المادة 4)من مدونة الأسرة.
ومن أركانه: الصيغة.
ويقصد بها ما يفيد تبادل الإيجاب والقبول بين الطرفين…
من ثمة فتزويج الطفلات هو ليس زواجا لأنه تنتفي فيه شروط الزواج وأولها التراضي، هو إجبار وإكراه وعنف.
إن المقاربة الحقوقية والعلمية تقر على أن كلا من الفتى و الفتاة إذا لم يصلا إلى سن  18 سنة، فهما طفلان غير مكملين لأهلية الزواج وتأسيس أسرة.
إن السؤال المؤرق، هو كيف يمكن لطفلة لم تعش طفولتها، حُرمت من التعليم والتعلم، فُرض عليها زواج تجهل ضوابطه ومسؤولياته، أن تكون زوجة بدمية في يدها وبأحلام لم يتركوا لها فرصة  إتمام رسمها، وفي وقت وجيز تصبح أمّاً بعد إلحاقها بمؤسسة الزواج؟
أخجل –وواقع الحال على ما هو عليه– عندما أتحدث  عن المواثيق الدولية والتوصيات والتقارير الصادرة عن الهيئات الأممية.
أخجل من الحديث عن اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي أوجبت على الدول الأطراف اتخاذ  جميع التدابير الفعالة والملائمة لحماية المصلحة الفضلى للطفل…
إن الفصل 32 من دستور 2011 واضح وصريح فقد اعتبر بأن الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع ، والعلاقة الزوجية لها ضوابط تتمثل أساسا في إمكانية القدرة على بناء أسرة متماسكة.
قال تعالى: “وإذا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ”…(سورة التكوير الآية 8)
تزويج الطفلة وأد لها، الفرق هو أن الفتاة في  الجاهلية كانت تدفن حية تحت التراب، وفي عصرنا تدفن حية فوق التراب…هي ممارسة شبيهة بالرق، عفوا هي اتجار في الرقيق، اتجار في البشر، عندما يتحول هذا التزويج إلى مقايضة (زوجني ابنتك أزوجك أختي). أو زواج الفاتحة ، أوما يسمى بزواج الكونطرا،”وهو موافقة الأهل والالتزام بدين مالي بين الزوج وولي أمر الفتاة القاصر ويلزم هذا الإتفاق العريس لتوثيق الزواج عند بلوغ العروس السن القانونية، أو دفع الديْن في حال تراجعه عن الاتفاق”. وهذا تحايل واضح  على مقتضيات القانون ،لأن المادة 19 من مدونة الأسرة المغربية تنص على أن أهلية الزواج تكتمل بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية سن 18.
والاستثناء الذي نصت عليه المدونة في المادة 20 والذي يقتضي تدخل القاضي في بعض الحالات التي تستوجب الزواج قبل سن18تحول إلى قاعدة!
لقد وافقت النيابة العامة المغربية سنة 2023 على 8452 طلبا لزواج الطفلات وهو رقم مهول، والمصيبة الكبرى هو أن عدد طلبات الحصول على الإذن بالزواج هو 14197 طلبا!!
ألم يقر العالم بأن العنف ضد المرأة يعتبر واحدا من أكبر انتهاكات حقوق الإنسان، فهو يلحق الأذى بالمرأة وتترتب عنه معاناة جسمانية ونفسية، كما أنه يعتبر حاجزا أمام تحقيق المساواة والسلام، فكيف يمكن أن نستسيغه وهو يطبق بالقانون على طفلات في عمر الزهور تحت تأثير الموروث الثقافي الذي يسوّغه ويبرره ويتعايش معه.؟.
إن الحركة النسائية عموما واتحاد العمل النسائي خصوصا والذي انخرط منذ الثمانينيات من القرن الماضي في الدفاع عن قضية المرأة والطفل على المستوى الاجتماعي والحقوقي يُدين دوما كل أصناف العنف ويؤكد نضاله المستميت ضد كل السلوكات العدوانية ضد المرأة بل ضد الإنسانية جمعاء ، ويسعى إلى ضمان كرامتهن وحقوقهن والنضال من أجل تغيير مدونة الأسرة بما يضمن هذه الحقوق ومنها حقوق الأطفال والترافع من أجل منع الزواج المبكر وتمتيع الأطفال بحقهم في طفولة آمنة،منفتحة على مستقبل يجعل منهم جيلا قادراَ على المساهمة الفعالة في تنمية مستدامة،وهو بذلك يساهم وبشكل كبير في تعزيز الجبهة الحقوقية لبلدنا التي تسعى إلى حماية حقوق الأطفال ومناهضة العنف المفروض على الطفلات في مؤسسة زواج لَسْنَ مؤهلات له.. .
من خلال الاستماع لطفلات تم الزج بهن في مؤسسات صورية ليس لها علاقة بالزواج سوى الإسم صرحن أن لا أحد منا يستطيع الإحساس بمعاناتهن مهما تضامنا معهن، نتائج وخيمة ترتبت عن زواجهن القسري، الشعور الدائم بالخوف، الشعور بالنقص والدونية، وأنهن غير مرغوب فيهن، هناك من أخبرتني وهي تبكي بمرارة أن شعورها هو أنها كانت وزرا ثقيلاً على أسرتها فتخلصت منها بتزويجها، وأخرى كانت تشعر دوما بالغثيان، وترفض كل العلاقات الاجتماعية ، تفضل الوحدة والانطواء على نفسها.
أكبر ألم يلازمهن هو انقطاعهن عن الدراسة. 
حالات كثيرة تعاني في صمت وتعتبر ذلك قدرها…
وأخريات تمردن وطلبن الطلاق، يحكين معاناتهن عندما وصلن إلى هذه المرحلة.
أخبرتني إحدى الصديقات وهي فاعلة جمعوية أن المطلقات عليهن الرحيل للاستقرار في مدينة أخرى بعد الطلاق بغض النظر عن ظروفهن المادية والنفسية، لأن التقاليد والأعراف والرواسب الثقافية تستهجن وجود مطلقات في المنطقة.
أسئلة كثيرة تفرض نفسها منها:
كيف للأم أحيانا كما جاء في الكثير من الروايات أن تكون طرفا مشاركا في هذه الجريمة الشنعاء علما أنها غالبا ما تكون قد مرت من نفس الظروف وتم  تزويجها بدورها إكراها؟
منع تزويج الطفلات مسؤوليتنا جميعا…..
إنه مدخل من مداخل التنمية المستدامة في مجتمعنا ، وهو يعد رافدا أساسيا سيساهم بدون شك في ضمان مستقبلهن، و في تقليص ظاهرة الهدر المدرسي، و محو الأمية في صفوف ضحايا هذه الظاهرة المشينة، وارتفاع نسبة الوعي بهذه الآفة الخطيرة….
..

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


Back to top button