لحظة تفكير

ذ. مصطفى المانوزي : لو تواضع بعضهم وتواصلوا وانصتوا باعتدال لنبض التاريخ 

بغض النظر عن التحولات التي حصلت كونيا، وبغض النظر عن اختلالات موازين القوة لصالح قوى المحافَظة والتطرف اليميني منذ الثورة الايرانية وعهدي ريغان وتاتشر ، فإن قوى التحرر والتقدم (الديمقراطية) تفقد يوما عن يوم أحزمتها (أسسها) الداعمة : المرجعيات الفكرية والمذهبية ، والخلفيات السياسية والظرفيات الاقتصادية و (يحيط) بها وفيها إرادات التأزيم والتوتر التي تفتح الباب لإجهاض كل التراكمات والإجهاز على كل المكتسبات والسياسات الحقوقية الإنسانية والاجتماعية ، مما يستدعي رصد وجرد  الأعطاب والاختلالات التي تنخر الذوات والمؤسسات، وتقييم الإمكانيات والجهود المبذولة ، ثم العمل على نقد كل الانحرافات أو الانتهاكات التي أنهكت وتضعف المواقع والمواقف في ظل التحولات المعاقة ، والتعثر في الانجاز للأسباب الذاتية قبل الموضوعية . وعلى إثر انهيار ما عرف برأسماليات الدولة أو الاشتراكيات القومية على صعيد الدول العربية والاسلامية، منذ سقوط جدار برلين وإسقاط بغداد، وما تلاه من تقهقر دول “الصمود والتصدي” ذات اللبوس القومي من جهة ، وتدهور قوى الممانعة ذات اللبوس المذهبي أو الطائفي، وعلى إثر تفاقم وتناسل سيل الثورات المضادة من المحيط إلى الخليج، يطرح سؤال مركزي ، والذي لا يمكن صياغته إلا بعد الإقرار أن عددا من دول المنطقة لم تعد تخفي تعاملها مع إسرائيل وباقي القوى الدولية وفق تطور المصالح الجديدة لزعماء العالم ضمن القطبية الوحيدة ، ولأن ما يهمنا هو النظام السياسي بالمغرب، والذي تعد فيه المؤسسة الملكية الفاعل الرئيس ، خاصة في مجال الأمن الخارجي والأمن الروحي، وفق ما يستدل عليه مجازيا ووضعيا /دستوريا  ب “حماية الثغور  والملة والدين”، فإنه في ظل استمرارية نفس النظام، فإن ما كان خفيا من رباط وتواصل و تعاون على المستوى الخبرات في مجال الأمن والاقتصاد في عهد سنوات الرصاص، صار  اليوم علنيا بمأسسته عبر اتفاقيات ثنائية تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية، مع خلاف جوهري فيما بين مقاربات العهدين  ، فالعهد الحالي ربط الإعلان عن العلاقة القديمة المتجددة بالقضية الوطنية وبالرهان على الانفتاح على منافذ جديدة قد تفيد  في تكريس إرادة التعامل المتبادل بالندية مع فلول الاستعمار وبلدان الجوار .
إن مطلب بناء الدولة الصاعدة وخلق بيئة لتكريس توازن ” الردع ” في المنطقة  حماية لمصالح المغرب قي الصحراء له كلفته السياسية السيادية  والمالية والأمنية على الخصوص، ويحدث ذلك ضمن تناغم بنويوي يعبر عن وضوح في رؤية الدولة لمصالحها الحيوية والأمنية إقليميا وعلى الصعيد الافريقي والمتوسطي .
 إذا كانت هذه الوضعية سليمة بالنسبة للدولة  ومقبولة من طرف مكوناتها المتعددة إلى درجة الاعتقاد الصميم، فمطلوب من القوى الديمقراطية أن تنتقل من خيار  الاقتصار على الرفض والاحتجاج ضد نظام سياسي مقتنع بما يقوم به بحكم اصطفافه مع حلفائه الاستراتيجيين، وهو احتجاج تحصيل حاصل ضمن الصراع ضد الامبريالية وصنيعتها الصهيونية والرجعية ، إلى خيار تأهيل شروط الأفق الديمقراطي  المنشود والمتعثر ، وهو خيار يحتاج  إلى تغيير عميق في آليات التفكير في كيفية تدبير التناقضات الرئيسية والثانوية، في ظل تماهي الأولويات ومفارقات تداخل حقوق الأوطان مع حقوق الإنسان. هذه هي الأسئلة المركزية التي على قوى التغيير والتقدم صياغتها عقلانيا ،  في ضوء حوار جدي ومبادرات لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر المتباينة والمتباعدة أحيانا، ولعل أول سؤال  مهيكل لبقية الأسئلة  يتعلق  بمدى قدرة مقاربتنا الحقوقية على تأطير هذا التدبير بشكل يتلاءم مع مطلب تحصين الحقوق المكتسبة ومطلب تقليص الخسارة بإيقاف نزيف التراجعات والانتهاكات، وكذا مساءلة أي مدى سلامة مسوغة الأسباب التي تقدمها الدولة لاستراتيجياتها المعلنة، وفي مدى مس ذلك بالسيادة والكرامة الوطنيتين، وفي كل الحالات، فإنه لا يسمح ولا يعقل أن يتم استغلال مقتضيات التعاون الأمني وتبادل الخبرة الأمنية والمعطيات المخابراتية لأجل انتهاك حقوق المواطنين والمس بوطنيتهم باسم حماية الوطن من الاعتداءات والمخاطر  الخارجية. ولأن الكرة حاليا في ملعبنا ووفق قواعد لعب تبدو إذعانية، فلنتواضع ونقر بأن التاريخ يكون بجانب الشرفاء كلما أنصتوا إلى نبض حقيقته الأليمة .

‏مقالات ذات صلة

Back to top button