
(كش بريس/التحرير) ـ في مشهد صادم هزّ الرأي العام الأمريكي، تحوّل مؤتمر شعبي ضخم إلى ساحة دماء بعدما أصيب اليميني المتطرف تشارلي كيرك برصاصة قناص اخترقت رقبته وأردته قتيلًا على الفور. كيرك، المعروف بولائه المطلق لترامب ونتنياهو وإنكاره المتكرر لوجود مجاعة في غزة، سقط أمام أنظار المئات، في لحظة تحولت سريعًا إلى حدث مفصلي في المشهد السياسي الأمريكي.
المنفذ لم يكن شابًا متمردًا أو ناشطًا عابرًا، بل رجل مسن، قناص سابق في الجيش الأمريكي، أعلن تأييده العلني لفلسطين. لحظة اعتقاله التقطتها عدسات الإعلام لتتحول إلى صورة أيقونية، تضيف مزيدًا من الرمزية لواقعة تحمل دلالات عميقة.
ردّ البيت الأبيض جاء متسرعًا وحادًا؛ إذ أعلن دونالد ترامب شخصيًا إصدار أمر فوري بتنفيذ عقوبة الإعدام بحق القناص، مع منع أي احتمال للعفو. خطوة وصفها مراقبون بالهستيرية، تعكس حجم الارتباك داخل المعسكر اليميني الذي سعى، مع نتنياهو وبن غفير، إلى الدعوة للصلاة من أجل كيرك رغم إعلان وفاته، في مشهد بدا وكأنه محاولة يائسة للتمسك بسراب.
غير أن كيرك لم يكن مجرد صحفي مثير للجدل؛ فقد برز في السنوات الأخيرة كأحد أبرز وجوه اليمين الشعبوي الجديد، وكان اسمه مطروحًا ليكون أصغر نائب رئيس محتمل إلى جانب مايك فينس في الاستحقاقات المقبلة. مواقفه المتطرفة لم تقتصر على معاداة المسلمين والمهاجرين، بل وصلت إلى حد الدعوة لإلغاء قانون الحريات والمساواة، ورسم تصور لأمريكا كدولة حصرية للبيض والمسيحيين فقط.
اغتياله إذن لا يُختزل في كونه عملية فردية معزولة، بل يُقرأ كبداية لمرحلة أكثر قتامة في تاريخ الولايات المتحدة. محللون أمريكيون يؤكدون أن البلاد تعيش حالة استقطاب غير مسبوقة منذ الحرب الأهلية، وأن الرصاصة التي أسقطت كيرك قد تكون الشرارة الأولى لسيناريو حرب أهلية جديدة، تتجاوز في خطورتها كل الأزمات السياسية والاجتماعية التي عرفتها أمريكا الحديثة.

حادثة اغتيال تشارلي كيرك لا تبدو معزولة عن سياق أوسع من تاريخ الاغتيالات السياسية في الولايات المتحدة، من كينيدي إلى مارتن لوثر كينغ. غير أن الفارق الجوهري اليوم أن كيرك لم يكن رمزًا جامعًا، بل شخصية متطرفة مثيرة للجدل، ما يجعل دمه مادة جديدة لتغذية الاستقطاب بدل إطفائه.
في الداخل، تحولت الواقعة إلى ورقة انتخابية خطيرة. معسكر ترامب يسعى لاستثمارها لإشعال خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين والمسلمين، وربما تمرير قوانين أكثر تشددًا تقيد الحريات. في المقابل، يجد الديمقراطيون أنفسهم بين سندان الدفاع عن قيم الحرية وحقوق الأقليات، ومطرقة الخوف من اتهامهم بالتساهل مع “الإرهاب”.
أما خارج الحدود، فقد التقطت إسرائيل سريعًا خيوط الحدث، ملوّحة به كدليل إضافي على “خطر التضامن مع فلسطين”. في الوقت نفسه، رحّبت بعض حركات التضامن الدولية بما وصفته “انكشافًا أخلاقيًا”، إذ كيف يُجرَّم مسنّ قاتل بينما يُمنح الغطاء السياسي والمالي لآلة حرب في غزة تسقط آلاف الضحايا؟
في النهاية، الرصاصة التي أودت بحياة كيرك لم تنهِ حياة رجل واحد فقط، بل فجّرت صندوقًا مليئًا بالأسئلة: عن حدود الديمقراطية الأمريكية، وعن مستقبل التعايش الداخلي، وعن موقع واشنطن في صراعات العالم. أسئلة قد تقود الولايات المتحدة نحو منعرج أشد قتامة، تُلوّح في أفقه ملامح حرب أهلية جديدة.