لحظة تفكير

مصطفى المنوزي: في الحاجة إلى عهد جديد بجيل جديد من التعاقدات

“في التاريخ ، الدولة هي العقل الأكبر الذي يستوعب أعتى التحولات” ـ هيغل ـ


“من العبث اجترار سؤال التنوع والتعدد الذي يمتاز به وطننا فالسؤال المطروح هو سؤال المشترك الذي يحتاج إلى وعاء يحضنه ويرعاه بقيم التعدد والحق في الاختلاف . “

هل نعيش عصر الدونكيشوتية المغربية وإعادة إكتشاف عجلة الشيطان ؟

عجبت لردود أفعال بعض الأشخاص من قراء ومثقفين وسياسيين تجاه خطاب مكرور منذ عقود ، مفاده أن الملكية معرقل للتنمية ، هي حق اريد به إبطال حقيقة الديموقراطية ، والحال ان الحركة التقدمية منذ منتصف السبعيينيات، وبالضبط منذ صيف 1974 الذي تلا الحملة القمعية الشرسة التي طالت البشر والشجر والحجر ، وعلى إمتداد التراب الوطني ، تنازلت عن جزء عظيم من استراتيجيتها ” الثورية “، وتخلت عبر مؤتمرات إستثنائية عن مرجعيتها السياسية وازدواجيتها المذهبية ، مقابل إنفتاح نسبي للدولة ، في شخص المؤسسة الملكية ، على فكرة البناء الديموقرطي المقترن” بتوحيد ” الجبهة الداخلية لمواجهة ” الخطر ” الخارجي .

وكان هدف القيادات التقدمية الحد من تغول الحكم الفردي المطلق ، عبر تسييد مطلب دمقرطة الدولة ، وكذا التأسيس لبيئة سياسية وحقوقية تنضج إمكانية الانتقال الديموقراطي ، عبر تناوب توافقي على تدبير الشأن العام الحكومي ، وفق ما اصطلح عليه بالتفعيل التدريجي لمطلب تحديث الدولة ، عبر قنطرة ” الملكية البرلمانية ” ، كتوليفة متوافق عليها بين تمثلات النظام الملكي الوراثي وبين طموحات دمقرطة النظام او تغييره دمقراطيا ، قد كان العهد الجديد فرصة لإطلاق المفهوم الجديد للسلطة ، المؤسس لشروط المصالحة مع الماضي ، عبر وعد ” الحقيقة والإنصاف ” الذي هرب مشروعه باسم الإنتقال والإعتراف بفظائع الماضي ، دون إثارة المسؤوليات الفردية للجلادين المفترضين ، وقد تبين فعلا ان المقاربة التعويضية سادت على مستوى جبر الضرر ، وتم تسطير مجموعة من الإجراءات في وعاء الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية والتشريعية ، وظلت طبيعة النظام السياسي نفسها تؤطر العلاقات الدستورية فيما بين السلط ، على مستوى الواقع ، وبذلك فمسؤولية تعثر العملية الديموقراطية ، تعود الى الأحزاب التقدمية نفسها ، فقد قاطعت بعضها فكرة الإصلاح من داخل المؤسسات ، واخرى ظلت تراوح المكان داخل مربع ” النضال الإنتخابي ” ، وفي آخر التحليل ، يمكن القول ان أغلب تلك الاحزاب ، كان يشتغل على اساس ” النية ابلغ من العمل ” ، وبذلك فإن موضوع دمقرطة الدولة ومطلب الملكية البرلمانية يشتغلان على إيقاع ” التحريك ” عوض ” التغيير ” ، وهو نفسه الإيقاع الذي كانت الحركة الوطنية ترقص عليه ، وورثت منها الحركة التقدمية (الزعماء انفسهم ) نفس المنهجية التي تروم التسويات الفوقيةبالتوافق والتفاوض باستعمال ” أوراق ” العمل الجماهري ، المدنية والإجتماعية ، أي الحقوقية والنقابية ، العمالية والطلابية والتلاميذية ، وكافة القطاعات المعتبرة ملحقات حزبية .
وإذا كانت الخريطة السياسية تحدد بناء على تسويات ومفاوضات تراعي وتخضع لسياق موازين القوة من جهة ، او تعاقدات استراتيجية سابقة من جهة ثانية ، كإمتداد لإكس ليبان وقضية الصحراء وتجربة التناوب وتسوية ” الإنصاف واامصالحة ” ؛ فعلى أي اساس يمكن ” شرعنة ” مزايدات بعض الأحزاب الإدارية أو ذات مرجعية أصولية ، والتي ولدت في رحم النظام المخزني وروضت في مختبره الأمني ، على عكس الحركة التقدمية التي ظلت تحتمي و تشرعن لموقعها كمعارضة للنظام بكونها إستمرار لحركة المقاومة والتحرير الشعبية ؟
ومن باب الإستنتاج الأولي يبدو أن لخطاب عودة سنوات الرصاص والمزايدة الأصولية الفرعية على الأصولية الأم ، بكون الملكية معرقلة للتنمية، ما يبرره لدى اصحابه ، فهم يعتقدون، غرورا ووهما ، ان الدولة تعيش ارتباكا وترددا، وأن المد المحافظ المتصاعد سيتيح الفرصة لتمديد أمد إنحناء الدولة للعاصفة حتى تمر ” ، مما قد يقوي ” حاجة ” المؤسسة الملكية إلى حلفائها الموضوعيين والذين ” نضجوا وكبروا ” كدرع حام وضامن للإستمرار والإستقرار ، وهو إعتقاد واهم تطفو معالم إنتقال عدواه إلى ذهن بعض شتات اليسار الذي يراهن على التحالفات غير الطبيعية لكسر تحالفات طبيعية وموضوعية هنا وهناك ، عن قصد أو عن غير وعي ، وكل ذلك ضدا على قانون وحدة وصراع المتناقضات ، وضد قاعدة أن لا تماثل فيما بين الوقائع وبالأحرى فيما بين البشر ، و الذين لا يمكن لهم ان يستحموا في نفس النهر أكثر من مرة واحدة . لكن إذا كان من تكرار او عودة اضطرارية ، فهو بالضرورة سيتم نحو عهد المغامرة السياسية والانقلابية ، ضدا على سياق المشروع الدمقراطي ، لأن العبرة ليست في من يصرخ أكثر بشخصنة الصراع وتجسيده في أفراد وفعاليات اقتصادية أو أعيان او موظفين ساميين ، فالصراع إجتماعي وفي جوهره طبقي ، وبالتالي لا يمكن الرهان على حرب تستعمل القذف والشتائم سلاحا في حق العابرين ، عوض النقد والصراع الفكري السياسي السلمي في حق الدولة والتحالف الطبقي ومؤسسات ككيانات مستقرة في السياق وحسب موازين القوى . فمتى سننتقل من القطائع الصغرى إلى مرحلة دمقرطة التواصل التاريخي في أفق القطيعة العظمى والتي يبدو أن الكثير منا لا يفكر في ملامحها البسيطة حتى !

‏مقالات ذات صلة

Back to top button