فنون وثقافةكتاب

آيت لعميم يقدم كتابا جماعيا لندوة “المرأة المغربية والترجمة” بمراكش

يصدر قريبا عن دار ركاز للنشر والتوزيع، كتاب جماعي جديد يحمل عنوان “المرأة المغربية والترجمة”، وهو عبارة عن أعمال الندوة الوطنية المنظمة بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة مراكش آسفي شهر مارس الماضي، من تنسيق د مصطفى العادل ود إدريس شريفي العلوي، وتقديم الدكتور محمد ايت لعميم.

د محمد ايت لعميم

ولأهمية التقديم الذي صدر به الكتاب الذي تضمن أبحاثا ودراسات أكاديمية محكمة، نعرض هاهنا النص كاملا:

تقديم (د محمد ايت لعميم)

يكتسي فعل الترجمة مهابة وجلالا يضارع هبة اللغة. إذ اللغة وحدها لا تكفي، فتعددها يلبي حاجة كل قوم في التعبير عن أغراضهم، وطابع اللزوم يقصر كل لغة على عشيرة لغوية محدودة. فلن تعرف اللغة انتشارا وفعالية إلا إذا تمت تعديتها في أنساق لغوية أخرى عبر الترجمة وإعادة الترجمة، فيتم إغناؤها وإحياؤها بقدر ما تستضيف من لغات بعيدة، لتوسع من جغرافية معجمها وتركيبها ونسقها. هذا الذهاب إلى الآخر واستدعاؤه لضيافته هو الكفيل بالإبقاء على نبض اللغة وتجددها المستمر وضخ النسغ الحيوي في شرايينها. وبذلك، إن فعل الترجمة صاحب الإنسان منذ تعدد اللسان، إذ من الطبيعي أن يمارس الإنسان، رجلا أو امرأة، في بدء أمره الترجمة شفهيا أو كتابيا لسد الحاجة الملحة للتواصل والتبادل .

لقد كان النصيب الأوفر لفعل الترجمة سواء الطبيعية منها أو المؤسسية يحتكره الرجل، وذلك بسبب الهيمنة في مجالات الحياة، وقد ظلت المرأة مغيبة عن هذا الفعل كما كانت مغيبة في مجالات شتى من الحياة، مع استثناءات؛ إذ مع بدايات تعلم المرأة وانخراطها في أجواء المعرفة العالمة، استطاعت أن تقتحم مجال الترجمة ونقل المعارف من لغة إلى أخرى، ففي العصور الوسطى، مارست المرأة الترجمة، من أجل أن تلج عالم الكتابة وتبحث من تم عن تحررها وانعتاقها، إلا أنها كانت تمارس هذا الفعل مخفية اسمها الحقيقي أو متقنعة باسم رجل، ولم يظهر اسم المرأة موقعا على الترجمة  إلا في القرن 16م.

فالمترجمة Marie de Cotteblanche (1576) هي المرأة الأولى التي وقعت باسمها الحقيقي، وكانت على دراية كبيرة باللغات والفلسفة والعلوم والرياضيات، كانت قد ترجمت كتابا للفيسلوف الإسباني بيدرو سيليا إلى الفرنسية. لقد أصبحت الترجمة بالنسبة إلى المرأة طريقا مميزا للارتقاء بالمعرفة اللغوية والأدبية، ومن أجل المشاركة في الحياة الثقافية. وشيئا فشيئا خرجت المرأة من الظل إلى الضوء، إذ مع ظهور الحركة النسوية في أواسط القرن 19، المشروطة بتحولات اجتماعية، سيتم التشديد على الترجمة وإعادة الترجمة، من أجل إعطاء قراءة مغايرة لنصوص معروفة، وإعادة التفكير  فيها، حتى تتوافق مع روح العصر وإعادة الاعتبار للمرأة وحقوقها التي غيبت أو تم محوها أو تحريفها في ترجمات سابقة ذات النزعة الذكورية المهيمنة. فبعض الأعمال النسوية في القرن 20 أعيدت ترجمتها كي توافق عصرها ويتم إصلاح طبعتها الأولى كما هو الحال مع كتاب سيمون دو بوفوار”الجنس الثاني” الذي أعيدت ترجمته بطريقة شاملة من دون حذف أو تحوير.

في هذا السياق الذي عرف تطورا ملحوظا للمرأة المترجمة، بادر المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمراكش بتنظيم الملتقى الأول حول المرأة المغربية والترجمة، الملتقى من تنظيم شعبة الترجمة في سلك التبريز، وقد بدا تنظيم هذا الملتقى في بدايته ضربا من المغامرة، نظرا لمحدودية المترجمات المغربيات، لكنه رفع هذا التحدي، ونجح من خلال المداخلات الرصينة سواء باللغة العربية أو الفرنسية، حيث غطت المداخلات مجالات متنوعة ومختلفة، أظهرت أن المرأة المغربية مارست الترجمة عن وعي، وكانت الدوافع مرتبطة بالهوية الحضارية، وإشاعة قيم مستمدة من الأصالة، إلى جانب القيم الكونية التي تمتح مرجعيتها من قيم حقوق الإنسان، وأيضا من التطورات الفكرية التي همت وضعية المرأة والحقوق التي اكتسبتها والتي تناضل من أجل إقرارها في المجتمع. كانت هذه الدوافع من وراء الاختيارات الترجمية، حيث شاهدنا مع المترجمة المغربية سهام بوهلال، كيف انفتحت على نصوص من التراث وقدمتها للآخر بغية إماطة اللثام عن وجه مشرق للثقافة العربية، فترجمتها لكتاب “الموشى” للوشاء، ولكتاب”أدب النديم” لكشاجم، يندرج ضمن إدراكها لتقديم أعمال من التراث تحتفي بقيم الجمال والفن والمحبة والصداقة، والظرف والظرفاء، أعمال تحتفي بالحياة ضدا عن الوجه الكالح الذي توهم به بعض الدعوات الشاذة والمتطرفة. إضافة إلى هذا البعد الجمالي في الثقافة العربية، هناك اهتمام بقضايا الكادحين في المجتمع، وهنا يبدو البعد الالتزامي في الترجمة عند المرأة، فترجمتها لـ “محاولة عيش” رواية زفزاف تندرج ضمن هذا البعد الالتزامي بقضايا الطبقات المسحوقة اجتماعيا. بدا أيضا أن هناك بعدا إنسانيا في هذه الاختيارات، ونرى ذلك من خلال الترجمة التي أنجزتها الروائية والكاتبة المغربية ليلى أبو زيد، التي كان لها نصيب أوفر في المداخلات في هذا الملتقى، حيث قامت بترجمة “السيرة الذاتية لمالكوم إكس”، عمل تفننت في نقله إلى العربية، وحافظت على شعريته في الكتابة، ناهيك عن القيم التي كانت تود إيصالها من وراء اهتمامها بهذه الشخصية التي ناضلت من أجل تحرير السود في أمريكا، إضافة إلى اعتناقه للإسلام. فليلى أبو زيد تعرفت على الذهنية الزنجية، عبر هذه السيرة، وكأنها انتبهت إلى عمقها الإفريقي، الذي أصبح اليوم مطلبا مغربيا.

شكلت رواية “عام الفيل” لـ “ليلى أبو زيد” أرضية خصبة للدراسات بسبب تعدد ترجماتها، لاسيما وأنها رواية تعالج قضايا المرأة في فترة انتقالية بالمغرب، أي مرحلة نهاية الحماية وبداية الاستقلال وما صاحب هذه اللحظة من تحولات. كانت البطلة امرأة تعرضت للقسوة، وحاولت ليلى أبو زيد أن تترافع عنها من وجهة نظر حقوق الإنسان، غير أن الترجمات التي قدمت للرواية حاولت أن تضفي عليها بعدا نسويا ، من خلال إعادة كتاب النص من خلال أدبيات الحركة النسوية.

حاولت المداخلات، أن تحفر في مجالات أخرى شملتها الترجمة عند المرأة المغربية، حيث سيقف القارئ عند مجال آخر من الترجمة يهم اللغة الأمازيغية من خلال ترجمة فاطمة والعالي رواية “جيرترود” لحسن نجمي إلى الأمازيغية، في أفق رفد اللغة بنصوص أدبية، والمترجمة سبق لها أن ترجمت نصوصا من الإسبانية إلى اللغة الأمازيغية. كما أن هناك انفتاحا على المترجمة المغربية في حقل اللسانيات، حيث نقلت ربيعة العربي كتاب “سوسير في المستقبل” لفرانسوا راسيتي ونصوصا أخرى حول النحو الوظيفي. ولم تغفل المداخلات، ترجمة المرأة للنصوص الدينية، حيث عالجت بعض المداخلات ترجمة المرأة لبعض الآيات القرآنية المتعلقة بالحياة الزوجية، وكيف تم تأويل نصوص اختلفت قراءة المرأة لها عن قراءة الرجل، مثل آية “واضربوهن”.

قاربت بعض المداخلات، المدونة الكتابية لفاطمة المرنيسي، التي ترجمت أعمالها من قبل المترجمة المغربية فاطمة الزهراء زرويل، ولم تتوقف الدراسة فقط عند الأعمال المترجمة، بل اعتبرت الكتابات الأصلية للمرنيسي بالفرنسية والانجليزية أعمالا ترجمية، فالمرنيسي كانت تترجم من دون أن تعلن ذلك، كانت تقوم بترجمة ثقافية، تخاطب الغرب بجزء من هويتها الثقافية والحضارية، فهي كانت تنتقي وتختار وتنقل للجمهور الأجنبي وضعية المرأة في قلب الموضوعات التي تحاول ترجمتها ثقافيا. وتعرضت مداخلة للترجمة في بعدها النظري مع نماذج لمترجمات مغربيات، من بينهن الزهرة رميج، الروائية التي مارست الترجمة، ونقلت إلى العربية نصوصا مسرحية لعبد اللطيف اللعبي، وروايات لكاتبات، ونصوصا قصصية.

لقد أسفر الملتقى الأول حول “المرأة المغربية والترجمة” عن مجموعة من القضايا التي تثيرها الترجمة في أبعادها النظرية، وأيضا في الممارسة الترجمية من قبل المرأة، ولو أن المتن الترجمي المعتمد يعد على أصابع اليد، لقلة المترجمات المغربيات، إلا أن الحصيلة وافرة من حيث الأسئلة والقضايا المتشابكة في هذا الموضوع، مما سيحفز على استئناف هذا الملتقى، وتوسيع مجال اشتغاله عربيا ودوليا، لتعميق الأسئلة، ولتحفيز المرأة المغربية على الانخراط في الترجمة على غرار النساء في أمريكا وأوروبا، حيث يتزايد عدد المترجمات كل سنة، فمثل هذا الملتقى سيكون رافعة حقيقة لمستوى الترجمة والمرأة في المغرب.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button