‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د مصطفى بوهندي يرد على أراجيف محمد المسيح ومصطفى تاج الدين عن حرب المخطوطات ودسائسها

في مثل هذا الوقت قبل أربع سنوات، تأججت حمية الإلحاد، ومهاجمة اللغة العربية والنص القرآني والدين الإسلامي، بما أسماه أصحابه، البحث العلمي النقدي. والذي لم يكن إلا صدى للمقولات الاستشراقية التي مضى على ظهورها ما يزيد على قرن من الزمن. وقد تصديت لذلك بتحد مفاده، أن ما يسمى الكتابة العبرية أو السريانية ما هي إلا امتداد للكتابة العربية، وأنه لا يوجد مخطوط، عبراني أو سرياني، يمكن الاعتماد عليه يرجع إلى ما قبل القرن العاشر الميلادي؛ بل وحتى القرن الرابع عشر الميلادي. فتوالت الردود، لكنها جميعها لم تأت ولا بوثيقة واحدة تسقط هذا التحدي أو تبطله. وإلى الآن لا يزال التحدي مرفوعا، ونحن في انتظار المدافعين عن الأصل العبري أو السرياني للحرف والكتابة العربية. وإليكم ردي على ما أسموه الوثيقة الثالثة.

حرب المخطوطات: اليوم الثامن عشر

جاء في آخر تدوينة لي في حرب المخطوطات: اليوم السابع عشر:

“السلام عليكم ورحمة الله،

وتحية طيبة للمحاور الكريم محمد المسيح، والصديق العزيز مصطفى تاج الدين.

لقد أجبت على وثيقتين قدّمهما لي السيد محمد، وبقيت وثيقة ثالثة قدمها لي كلا الأستاذين مشكورين، وهي المتعلقة بأول ذكر للنبي محمد في مخطوطة أجنبية حسب وصف الواصفين. لقد حاولت الحصول عليها خلال هذه الأيام الماضية، لكن دون جدوى. فالمرجو من الأستاذين الكريمين أو من أي من الفضلاء المتابعين إمدادنا بنسخة مصورة منها بنصها السرياني؛ وإذا اقتضى الأمر أداء ما فلا بأس. مع الشكر المسبق للمحاورين والمتابعين.

وهذا رقم الوثيقة:

bl add mss 14461 from Oriental manuscript collection of British Library.”

لكنني لم أحصل من الأستاذين على أي جواب أو مساعدة ولا أي اهتمام بطلبي.

والواقع أن هذه الوثيقة كسابقتيها لا حقيقة لها ولا سند، ولا مرجع علمي يمكن الاعتماد عليه. وسأخصص هذه التدوينة لمناقشتها، ولبيان أن ما وجده خبير المخطوطات من وثائق، وقدمها لي كمطلب لتحديه، لا يسقط التحدي، بل يؤكده، ويُبيّن أن هذه “الوثائق” إنما هي أدلة إدانة للسادة المستشرقين وتلامذتهم، تماما مثلما قال صاحبنا، بأني طعنت فيها. ولكن ليس بجرة قلم وإنما بما يكفي من الأدلة والبراهين. وأنني شككت في قدمها، ولم أترك المجال لخبراء المخطوطات تقيم هذه الوثائق، لأن هؤلاء “الخبراء” هم من قدموها لنا على ضعفها ووهنها. وأني حكمت عليها بالإعدام، ولكن الحقيقة أني راجعتها بالأدلة العلمية التي تخص المجال. وأضاف “هذا إذا كان هو نفسه خبيرًا فيها”! وأنا لست أدعي الخبرة في المخطوطات، لكن الوثائق المقدمة لا تحتاج إلى خبرة كبيرة لبيان التزوير والافتئات البارز منها، وهو ما سأبينه في هذه الوثيقة كذلك.

أما قوله: ” فنظرة استعلائه للجنس العربي وفكره جعله يشكك في نزاهة علماء الغرب وتحقير عملهم، ومن يتتلمذ على يدهم من عربان ومغاربيين يصبح عميلاً لهم ومحارب للإسلام بالوكالة، وبالتالي أي محاولة من “المغاربة الموهوبين” لتفنيد زعمه تكون فاشلة في نظر أستاذنا الفاضل.” وأردّ عليه بكون هذا النقاش لا يدخل في التفاضل بين العرب وغيرهم، وإنما هو حديث عن حقائق تاريخية تتعلق بلغة يدعي أصحابها أنها كانت أصلا للغة العربية وقرآنها، وقد اعتبرت الأمر غير صحيح، وطالبت المدعين بأن يأتوا بوثيقة أو مخطوطة تدل على هذه الدعوى، مع التنبيه إلى أن موجبات وجود هذه اللغة كثيرة، ومنها كتابة التوراة والإنجيل بها، وهما قد سبقا القرآن. فإن كانت موجودة قبل القرآن، فلابد وأن تكون بعض نسخ التوراة والإنجيل القديمة قد كتبت بها. ويكفي أن نجد نسخا للسبعينية كتبت باليونانية، ونسخا للفولجاتا باللاتينية، ونسخا عند تواحيدو كتبت بالجعز، قبل نزول القرآن بقرون؛ كما أن النسخ القرآنية العربية موجودة منذ أواسط القرن السابع الميلادي، حسب شهادة أساتذة الأستاذ المسيح، وشهادته كذلك في كتابه مخطوطات القرآن. وهي كتابات موثقة ومؤرخة بالكربون المشع وأجريت عليها العديد من الدراسات وأنواعا من التمحيص، بينما لا تتوفر أي وثيقة من الوثائق الثلاث المقدمة لي، ولو على تأريخ علمي بالكربون أو بالتنصيص على زمن الكتابة، أو غير ذلك من وسائل توثيق المخطوطات وتأريخها يعتد بها.

لن أطيل عليكم أيها السادة المتابعون، وإنما سألج مباشرة إلى المخطوطة التي لم نستطع الحصول على صورة منها مباشرة من الأرشيف الذي وضعت فيه في المكتبة البريطانية. ولم يساعدنا السيد الخبير، الذي جعله المستشرقون نائبا عنهم في تمكين الدارسين من بعض المخطوطات كما يقول.

رغم ذلك، بل وبسبب ذلك أيضا، سنكون مضطرين لمتابعة الدارسين للمخطوطة لنأخذ المعلومات عنها:

وردت هذه المخطوطة ضمن الوثائق التي درسها روبرت ج. هويلند ROBERT G. HOYLAND في كتابه رؤية الإسلام كما رآه الآخرون: جرد وتقييم الكتابات المسيحية واليهودية والزرادشتية على الإسلام المبكر.”

SEEING ISLAM AS OTHERS SAW IT A SURVEY AND EVALUATION OF CHRISTIAN, JEWISH AND ZOROASTRIAN WRITINGS ON EARLY ISLAM “

وهو كتاب يرجع إلى ستينيات القرن الماضي 1966، أعيد طبعه سنة 1997. كانت هذه الجذاذة التي سماها الأستاذان مصطفى تاج الدين ومحمد المسيح وثيقة، هي أول ما درسه الكاتب في الفصل الرابع من الكتاب، والمعنون بالمصادر السريانية الغربية والقبطية والأرمينية. واختيارها أول وثيقة باعتبارها الأقدم في وثائق هذا الفصل. ولوصفها سنأخذ ما ذكره الدكتور مصطفى تاج الدين حيث قال: ” لنعد الان إلى الوثائق والمخطوطات وبين أيدينا الآن مخطوط سرياني نادر يتحدث عن الرسول محمد تحت رقم BL ADD MSS : 14461 ويعود تاريخه إلى 637 ميلادية “. ثم نأخذ الوصف الذي قدمه روبرت هويلند صاحب الكتاب المذكور حيث قال: “على غلاف المخطوط السرياني للقرن السادس الذي يحتوي على انجيل متى وإنجيل مرقس كتبت بضعة سطور عن الفتح العربي ، والآن هي باهتة للغاية. والمداخل التالية هي الأكثر قابلية للقراءة”.

وإليكم النص من الكتاب المذكور بلغته الإنجليزية:

“On the front fly-leaf of a sixth-century Syriac manuscript containing the Gospel according to Matthew and the Gospel according to Mark are scribbled a few lines about the Arab conquest, now very faint. The following entries are the most readable” :

ويلاحظ تبعا لهذا الوصف، أن الوثيقة المذكورة ليست كتابا ولا جزءا من كتاب ولا وثيقة معزولة، وإنما هي ملاحظات سجلت على غلاف كتاب مقدس، يحتوي على إنجيلين هما إنجيلا متى ومرقس، وهي كتابة باهتة، وأظن أنها هي الواردة في الصورة المرفقة، مع ما يرافقها من أدوات المعالجة المخبرية، للقول بأنها قد خضعت للتحقيق العلمي وإجراءاته، وهو أمر غير صحيح. وينبغي تصحيح ما أورده الكاتب في وصفه عندما قال “القرن السادس” وهو يقصد القرن السابع. والواقع أن الملاحظات المذكورة لم يرد فيها لا القرن السادس ولا القرن السابع الذي أراد الكاتب، ولا سنة 637 ميلادية التي ذكر الأستاذ تاج الدين. وإنما تحدثت الوثيقة عن القرن العاشر الميلادي سنة 947 ميلادية. وهي تمثل أواسط هذا القرن.

كما أن هذه الملاحظات غير قابلة للقراءة، إلا ما اختاره الكاتب من مداخل قال عنها: “هي الأكثر قابلية للقراءة”. وبغض الطرف عن الوثيقة التي لم تخضع لأي نوع من أنواع الدراسة التوثيقية والتأريخية للمخطوطات، من تطبيق الكربون المشع، أو دراسة نوعية للورق أو الجلد المكتوب عليه، ولا دراسة نوع الخط والكتابة ولا لأي زمن يمكن إرجاعها، وما إلى ذلك من الدراسات الصارمة التي طبقها أساتذة محمد المسيح المستشرقين على مخطوطة القرآن في صنعاء وفي غيرها من البلاد، وأثبتوا زمنها ونوع خطها ومكانها وغير ذلك، مما يشهد لأصالة النصوص القرآنية ووثوقية نسبتها للتاريخ والمكان المنسوبة إليه. فإن الكتاب المقدس التي كتبت على غلافه هذه الملاحظات لا نعرف عنه هو الآخر شيئا؟ بأي لغة كتب؟ وعلى أي تقليد إنجيلي؟ ولماذا لم يركز أصحابنا على هذا الإنجيل إن كان مكتوبا بالسريانية بدلا من تركيزهم على كتابة شخص غير معروف على غلافه؟ وهو إنجيل مكتوب معتبر قبل أن يأخذه التلميذ أو القس أو الناسك ويكتب على غلافه ؟ كما أود أن أسأل عن هذا الإنجيل الذي لم يركز عليه أحد، ما هي لغته؟ فإن كانت السريانية فهو أولى بالتقديم في معرض التحدي؟ وإن لم تكن، فلماذا يكتب قسيس سرياني على إنجيل غير سرياني في ذلك الزمن؟ وبذلك لا تكون السريانية هي لغة كتابة الأناجيل في ذلك العصر، أو يكون التلميذ أو القسيس أو الناسك، قد كتب ملاحظته في زمن آخر متأخر، على غلاف إنجيل لا يصلح أن يكون دليلا على زمن سابق عليه؟

الأولى للسادة المحاورين أن يركزوا على هذا الإنجيل، الذي هو كتاب مقدس مكتوب بشكل رسمي، اعتمده القسس والآباء المسيحيون، وبلغة يمكن دراستها ومعرفة خطوطها وتأريخها وردّها إلى زمانها الذي كتبت فيه، وليس مجرد ملاحظات غير مقروءة على كتاب مقدس، لكاتب غير معروف؟. أعتقد أن الإمكانية لا زالت قائمة للمحاورين، للإتيان بهذه الوثيقة الدينية المعتمدة، وهي ترجع إلى زمن ما قبل الرجل المجهول وكتابته التي ذكروا؟. وفي انتظار أن ينتبهوا إلى الإشارة التي ساعدناهم بها، نكمل وصفنا للوثيقة التي لا دلالة لهم فيها على ما يريدون.

إذا كان تعبير صاحب كتاب “رؤية الإسلام كما رآه الآخرون” يمتاز بشيء من الموضوعية في وصف الوثيقة المذكورة، فإنها قد تحولت لدى الدارسين المعاصرين إلى أهم وثيقة في التاريخ، يقول فايز ذيزيلوت FAYEZ THEZEALOT على صفحة نقاشات تاريخية في المعتقدات الإبراهيمية Historical Discussion On Abrahamic Faiths، بعد وضعه صورة للمخطوطة مرفوقة بأدوات مخبرية: “المخطوط أعلاه هو أحد أهم جوهرة من تاريخنا. وهو الموسوم بـ BL ADD: 14461 من مجموعة المخطوطات الشرقية للمكتبة البريطانية ، التي تذكر النبي محمد باسمه وتؤرخ شاهدا على الفتح الإسلامي التاريخي لسوريا من 636 إلى 637 م.”

وإليكم النص في صيغته الإنجليزية:

The Above Manuscript is one of the most important jewel of our History . This is BL ADD MSS : 14461 from Oriental manuscript collection of British Library, which mention Prophet Muhammad by his name and Dated witness to the Historical Muslim Conquest of Syrian From 636-637 AD.”

وقبل أن نبدأ مناقشة المضامين الواردة في المخطوط مع كل من المستشرقين المعاصرين وتلاميذهم من العرب والمغاربة، فلنطلع على ما هو قابل للقراءة من النص كما عرضه علينا روبرت هويلند في كتابه رؤية الإسلام، يقول: ” في (يناير) أخذ {أهل}حمص الكلمة للحفاظ على حياتهم، واجتيحت العديد من القرى بالقتل من طرف (عرب) محمد؛ وقتل الكثير من الناس، وسجنوا من الجليل حتى بيت ….في الثاني عشر من (مايو) ، ذهب صق (يلا) من نواحي حمص وطاردهم الرومان {…} .3 وفي العاشر (من غشت) هرب الرومان من نواحي مدينة دمشق، {وقتل هناك} كثير من الناس ، حوالي عشرة آلاف. وفي نهاية العام جاء الرومان. وفي عشرين من غشت من العام 947، اجتمع في جابيتا (Gabitha)، (عدد من الرومان) ، وقتل العديد من الشعب الروماني، حوالي خمسين ألف.” 4 ص 117.

وإليكم النص بصيغته الإنجليزية من كتاب رؤية الإسلام: “

In January {the people of} Hims took the word for their lives2 and many villages were ravaged by the killing of {the Arabs of} Muhammad (Mhmd) and many people were slain and {taken} prisoner from Galilee as far as Beth … . On the tw{enty-six}th of May the Saq{ila}ra went { … } from the vicinity of Hims and the Romans chased them { … }.3 On the tenth {of August} the Romans fled from the vicinity of Damascus {and there were killed} many {people}, some ten thousand. And at the turn {of the ye}ar the Romans came. On the twentieth of August in the year n{ine hundred and forty-}seven there gathered in Gabitha {a multitude of} the Romans, and many people {of the R}omans were kil{led}, { some fifty thousand. 4” page 117.

ذلك هو ما يمكن قراءته من النص ، لكن الكاتب نبه إلى أمر آخر شديد الأهمية يتعلق بالقراءات المختلفة التي طرأت عليه، والتي هي مجرد تخمينات، مبنية على توجيهات تحكمية للكلمات الكثيرة التي لا يمكن تحديدها؛ وفيه العديد من الكلمات والعبارات الموجودة بين معقوفين يقول: جذاذة الفتوحات العربية ، 8-11 ، 14-16 ، 17-23 ؛ كل ما يظهر بين معقوفين فهو غير قابل للقراءة ، ولذلك فإن أي حروف أو كلمات أعطيت له، فهي مجرد تخمين.”

وهذا نصه الإنجليزي:

“Fragment on the Arab Conquests, ll. 8-11, 14-16, 17-23; whatever appears in curly brackets is unreadable, so any letters/words given are conjectured.” Page 117.

وإليكم بضعة ملاحظات سجلها الكتاب على هذا النص القصير وكلماته: يقول “بروك الذي فحص المخطوطة، وجد هذه الكلمة غير واضحة؛ ومع ذلك طبع بروك م{و}حمد M[W]HMD، دون بيان أنها قراءة مشكوك فيها” الهامش 70، ص 2. في شأن كلمة محمد في السطر الثاني من النص.

وفي نفس الصفحة على الهامش في الملاحظة 72، قال الكاتب: “الحروف الثلاث الأخيرة قرئت تخمينا من طرف بروك.”

أكثر من عشرين كلمة في عشرين موضعا على صفحة واحدة، قرئت بناء على الظن والتخمين، بما في ذلك اسم محمد والعرب ودمشق، وهناك كلمات أعطيت لها أسماء أخرى مثل غابيتا التي أخذت اسم اليرموك، أو مكانا ما قريبا منها مع أن آخرين بينوا أنه لا علاقة بين المكانين. وهناك تواريخ غير صحيحة منها سنة 900 يقول بروك إنها غير مؤكدة. (هامش 92 ص 4)؟

وجاء في تعليق روبرت هيولند على النص: “وراء هذه، هناك كلمات مبعثرة فقط، يمكن تبينها. كتب رايت ، أول من لفت الانتباه إلى الجذاذة ، “يبدو أنها ملاحظة معاصرة حقا” ، وهو رأي وافقه فيه نولديكه. ولم يقدم أي من الباحثين أدلة تؤكده ، ولكن لصالحه جاءت عبارة “رأينا” في السطر 13. وحقيقة أنها كانت ممارسة شائعة لتدوين الملاحظات لأغراض تذكارية على صفحات فارغة من الإنجيل.

ومن الأهمية موافقة هذه الجذاذة مع التواريخ الواردة في غابيثا (على افتراض أن يتم تحديدها مع اليرموك) ، وهي 20 أغسطس AG 947 /12 رجب 15 بعد الهجرة (636) ، وتحمل تشابها مع بعض الملاحظات في تيوفانس ، ولكن دونر Donner كان على حق في النصح بالحذر عند النظر إلى الأصل غير المعروف وعدم وضوح النص.” ص 117.

وجاء في تعليق دونر التمييز بين غابيثا واليرموك يقول: ” دونر، الفتوحات الإسلامية المبكرة، 144؛ لاحظ أن أناستاسيوس سيناء (Sermo 3, PG 89, 1156C,) كان يميز بين معارك جابيثا واليرموك.” هامش ص 117

وهذه النص الإنجليزي:

Donner, Early Islamic Conquests, 144; note that Anastasius of Sinai, Sermo 3, PG 89, 1156C, distinguishes between the battles of Gabitha and Yarmuk.”

إن التاريخ المكتوب في الملاحظات هو 947 ميلادي، وقد أراد أصحابنا أن يبدلوه ويجعلوه أقدم ويربطوه بالرسول صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه؛ فينسبون إليه وإلى دينه كل صور العنف والإرهاب المنسوبة إلى الفتوحات الإسلامية ورسولها الكريم. ولذلك جعلوا هذا التاريخ منسوبا إلى الاسكندر الأكبر، مع أن الاسكندر لم يؤرخ بتاريخه أحد؟ فاليونان الذين يقال أنه حاكمهم لم يؤرخوا به، ولا أرخ به الرومان، وادعى أصحابنا أن من أرخ به هم الكنيسة الغربية للسريان، لكنهم عندما عرضوا علينا التواريخ السريانية الغربية كانت كلها مؤرخة بالتاريخ الميلادي؟ وحدثونا في كتاب خاص للقرن السابع لدى كنيسة السريان الغربيين هذه، عن طريقة الحساب السلجوقية التي اقترحها أحدهم وهو ديونيسوس تلمهري، لكنهم عندما أرادوا أن يعرفوا ما هو مصدره المعتمد في هذا التقليد لم يجدوا شيئا. ذلك هو التقليد الذي سمح لهم بأن يختاروا حسب ادعائهم خمسة وثائق مؤرخة بالقرن العاشر والحادي عشر ويحكموا عليها بناء على هذا التقليد بالعودة إلى القرن السابع والثامن الميلادي، ومنها نص الملاحظات على غلاف الإنجيل.

سيأتينا الكاتب بالعديد من الجداول لبيان كيفية التأريخ. وفي الصفحة xlviii من كتاب تاريخ الكنيسة السريانية الغربية في القرن السابع الميلادي؛ وتحت عنوان تأريخ السريان الغربيين، سيقدم لنا الجدول رقم 3، الذي أورد فيه التواريخ الواردة في ستة نصوص، وهي 2 و4 و7 و10 و11 و12. وطلب منا في النص العاشر أن ننظر إلى التعليق. ضمت هذه التواريخ ما يزيد على 140 حدث، من سنة 582 إلى 718 ميلادية . لكن هذه الأحداث كلها جاءت مؤرخة بالميلاد، وكان الأولى ما دام السريان الغربيون يكتبون تاريخهم بناء على عام الإسكندرالمذكور (312-)؟؟، أن نجد في نصوصهم المؤرخة لأحداثهم هذا التقليد؟ لكنه لم يُذكَر ذلك في الكتاب المخصص للحديث عنه، فدلّ على عدم وجوده إلا في وثائق خمسة أرادوا أن يردوها ثلاثة قرون إلى الوراء، فنسبوا إلى محمد والذين آمنوا معه ما جاء في هذه النصوص من جرائم؟.

أما عن المضامين، فهي مضامين التخويف من الإسلام وتجريمه، وهي التي تجعل من النبي صلعم والذين آمنوا مجرد غزاة قاتلين وهمجيين يقتلون الأبرياء من الناس، ويسجنونهم ويستعبدونهم ويسْبون نساءهم، ويقتلون نُسّاكهم في كنائسهم ومعابدهم. ويكفي أن يقتلوا في النص الأول خمسين ألفا من الرومان. ويقتلوا في النص الثاني عددا من النساك في معابدهم التي صعدوا إليهم فيها على الجبل.”

ومن الرسائل التي حملتها هذه النصوص أن مواطني فلسطين أو سوريا لم يكونوا عربا وإنما كانوا من الرومان، أو كان الرومان هم الذين يحمونهم، وجاء العرب فقتلوهم واحتلوا أرضهم، وهو مبرر كاف لحروب الاسترجاع التي يقوم بها الرومان فيما بعد. وعلى أساسها يقتلون الأبرياء من المسلمين إذا دخلوا أرضهم واسترجعوها منهم، لأنهم هم السباقون بالقتل مع نبيهم.

هل كان محمد عليه السلام مع العرب عندما هاجموا الرومان، على الأقل في هذه النازلة؟ ولماذا ذكروا أن محمدا كان هو المهاجم والقاتل للناس فيها؟ إن محمدا والعرب لا يعني بالنسبة للمحاربين العقائديين إلا الإسلام والمسلمين، ورسولهم معهم ولو بعد وفاته بثلاث سنوات أو أربع؟ كما أنه سيكون معهم بعد ثلاث قرون أو أكثر عندما أعلنت الصليبية المسيحية حروب الاسترداد، وهذه المخطوطات هي بعض وسائل تلك الحرب. لكن الذين يقومون بها اليوم، هم أبناء المسلمين، من بني جلدتنا، ومواطنوهم من المسيحيين وغيرهم، الذين أعطوا للصليبية العالمية ولاءهم، وأعلنوها حرب استرداد مقدسة على مواطنيهم من المسلمين.

ورغم أن هذا النص لا يتجاوز صفحة واحدة، وسطوره وكلماته المقروءة قليلة، ولم تجر عليه أي دراسات أو تحليلات تذكر، والتاريخ المكتوب عليه لم يعتمدوه، وجل مضامينه إنما هي عبارة عن تخمينات وظنون، لكن رغم كل ذلك وغيره، فإن سادتنا المستشرقين وتلامذتهم جعلوا منه مرجعا تاريخيا ل”علم الإسلام المبكر”، وصنعوا منه تاريخا مجيدا.

أعتقد أنني بهذه التدوينة قد أجبت على الوثائق الثلاث التي قُدمت لي، بعلمية، وبالتي هي أحسن، وبينت أنها جميعا إنما تعود لما بعد القرن العاشر الميلادي، وأنها جميعها لا تنزل التحدي المرفوع، وأن لغتها التي كتبت بها، لا ترجع إلى التاريخ المفترض، لتكون مرجعا يعتمد عليه القرآن ورسوله في لغته أو مضامينه أو غير ذلك مما أفكه الأفاكون.

مقابل النجاح الباهر الذي حققته نسخ القرآن الكريم، والتي أخضعها أساتذة خبيرنا المستشرقين، لكل الدراسات والتحليلات الكيدية، حيث استعملت الكربون المشع والأشعة فوق البنفسجية، وبحثت في ظاهر النص وباطنه، بما في ذلك ما أخطأ النساخ في كتابته أو محوه لاستعماله مرة أخرى أو غيرها من الأمور الطبيعية التي أرادوا أن يخلقوا بها نسخا مختلفة متناقضة. لكنها جاءت بشهادتهم منسجمة متوافقة، ولا تعدو اختلافاتها أن تكون إلا اختلافات طبيعية تطرأ على أي كتابة، فكيف بكتابة صمدت 1400 سنة، وكتبت في زمن نزولها، وحفظت جميع أجزائها رغم إنكار الأفاكين. والسلام على رسولنا الأمين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورحم الله وغفر لكل العلماء الصادقين.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button