فنون وثقافةلحظة تفكير

د أحمد الشهبوني يروي ل(كش بريس) سيرته الأولى: الإضراب (1)

فى سنة 1973 كان أحمد يدرس فى ثانوية أبي العباس السبتي بمراكش، شعبة الرياضيات السنة أولى باكلوريا بلغة اليوم، أو الخامسة ثانوي آنذاك. في بداية السنة الدراسية 73، التحق أحمد بتنظيم اليسار “23 مارس” عبر خلايا ماكان يسمى بالنقابة الوطنية للتلاميذ، وهو تنظيم سري لقطاع التلاميذ ملحق بمنظمة 23 مارس اليسارية المعارضة للنظام.
كانت تعقد اجتماعات الخلايا في سرية مطلقة. وكان الرفاق يتدارسون الوضع الداخلي في المغرب وفلسطين عبر بعض النشرات والمجلات (الحرية، الهدف، المناضل). وكانوا يتابعون الوضع الطلابي وأخبار الجبهة الطلابية والاتحاد الوطني لطلبة المغرب.

المهم كان الخطاب السائد هو خطاب رافض لسياسات النظام والأحزاب الوطنية. وهو خطاب يتماشى مع السياق العالمي آنذاك ( ثورة الشباب في فرنسا، حرب الفتنام، هزيمة الانظمة العربية في حرب67 …
في الخلية يتم تهييء الإضراب في الثانوية، وتعد الشعارات التي سيرفعها التلاميذ، وتتم دارسة كيفية تعبئة التلاميذ عبر التركيز على الخصاص الذي تعاني منه المؤسسة، كالحالة المزرية للمراحيض والنقص في التجهيزات الذي تعاني منه بعض المختبرات والملاعب الخ…
ومما كان يسهل تعبئة التلاميذ ، هو كون أغلب المناضلين كانوا من المتفوقين في الدراسة سواء في الشعب العلمية او الأدبية. ويتم في الخلية التدوال حول طبيعة الاضرابات النقابية منها والسياسية.
أحمد كان يستوعب جيدا معنى الإضراب النقابي ، فهو إضراب يهدف إلى تحسين ظروف العمل، كالرفع من قيمة الأجرة وتحسين ظروف العمل ، لكن مفهوم الإضراب السياسي ظل مبهما لديه؛ فهو بالنسبة له يحتل درجة أرقى وأعلى من الإضراب “الخبزي” ، حيث إنه خلال إحدى اللقاءات في الخلية، كان موضوع النقاش هو نضال الطبقة العاملة في المغرب. حيث تمت الإشارة إلى انحراف قيادة الاتحاد المغربي للشغل، التي قطعت كل صلة لها مع القوى الوطنية التي تناضل من أجل مغرب ديمقراطي، وعزلت الطبقة العاملة، وحشرت نضالها في إطار مطالب “خبزية ضيقة”. هكذا إذن كان تصور أحمد للفرق بين الإضراب النقابي والاضراب السياسي.
في إطار الانشطة داخل خلايا النقابة الوطنية للتلاميذ، وهي بالمناسبة كانت متعددة ومتنوعة، نقابية وثقافية وسياسة، قرر الرفاق تنظيم إضراب على صعيد الثانوية. في الخلية تم تحديد مطالب دقيقة حول الاختلالات التي تعاني منها الثانوية، كتحسين وجبات الاكل في الداخلية ، وتجهيز المرافق الرياضية وإصلاح المراحيض واستبدال زجاج نوافد الأقسام المكسرة…
بالفعل تمت تعبئة التلاميذ وتوقف الجميع عن الدراسة. وقام التلاميذ باعتصام أمام مبنى إدارة الثانوية. وكانت تردد الشعارات التي تم إعدادها حول تحقيق المطالب. بالإضافة إلى الشعار التعبوي “التضامن هو الأساس في ليسي أبو العباس”.

أمام احتجاج الطلبة خرج السيد المدير (مكمان) من مكتبه. وطلب من الجمع تعيين ممثلين للتحاور معه حول مطالبهم. بسهولة تم الاتفاق على وفد مكون من أربعة أو خمسة تلاميذ من المتزعمين للاضراب. وكان ضمنهم أحمد وجليل الذي كان من بين المسؤولين في التنظيم السري.

كان اللقاء مع السيد المدير جد إيجابي، حيث تفهم جل المطالب. وأطلع الوفد الممثل للتلاميذ على الرسائل التي بعث بها للسيد المندوب في نفس الموضوع. يحثه فيها بالتعجيل بالاصلاحات التي يطالب بها المضربون. أما بالنسبة للمطلب حول ضرورة حضور ممثل للتلاميذ أثناء مجلس المداولة (conseil de classe) فقد خاطب السيد المدير الوفد بما يلي:” أبنائي هذا المطلب غير تربوي. ويتنافى مع كل الأعراف البيداغوجية ، فالطالب حتى في مستوى الدكتورة يرافع عن أطروحته وينسحب ولا يطالب بحضور المداولة.”
مباشرة بعد مغادرة مكتب السيد المدير، توجه الوفد إلى جمهور التلاميذ التي مكتث صامدة في اعتصامها تنتظر. كان أحمد هو أول من خاطب التلاميذ ، فشكر المدير على تفهمه ومساندته لجل المطالب العادلة. وحث الجميع على الاستمرار في التعبئة حتى تحقيق المطالب. خصوصا وأن الادارة بدورها تساند وتدعم هذه المطالب. بعد تدخل أحمد تلاه مباشرة جليل الذي كان له رأي آخر، حيث خاطب التلاميذ قائلا ؛ إن السيد المدير كعادته ظل يراوغ في أجوبته ولم تتم أية استجابة لمطالبنا العادلة. وعليه علينا تصعيد نضالاتنا، حتى تحقيق جميع مطالبنا.

لم يستوعب أحمد خطاب جليل المخالف للجو الإيجابي الذي تم فيه اللقاء مع السيد المدير . وظل يتساءل عن مغزى سلوك جليل، خصوصا وأن أحمد يكن كل الاحترام والتقدير له ولاستقامته . لكن لما علم أحمد بأن الإضراب كان على الصعيد الوطني في العديد من الثانويات بمراكش والبيضاء وعدد من المدن الكبرى، أدرك أن الإضراب الذي ساهم في تنظيمه بثانوية أبي العباس السبتي كان إضرابا سياسيا بامتياز . الهدف منه هو أن منظمة 23 مارس أرادت بعث رسالة للنظام الملكي، تعرض فيها قوتها بتأطيرها لقطاع واسع من الشباب في أرجاء الوطن.

هكذا فهم أحمد بتدقيق الفرق بين الإضراب النقابي والاضراب السياسي. ومما زاد أحمد وضوحا هو أنه فيما بعد ، وأمام عدم تلبية المطالب النقابية للتلاميذ ، تقرر خوض إضراب من جديد على صعيد الثانوية بهدف التعجيل بتحقيق المطالب الملحة ، خصوصا إعادة تجهيز زجاج نوافذ الأقسام الذي تم تكسيره خلال الاضرابات السابقة.

وللحقيقة كان إتلاف وتكسير مرافق الثانوية أمرا مرفوضا بالنسبة للرفاق. وأن المسؤول عن هذه الأعمال التخريبية هم بعض التلاميذ الفوضويين، الذين لا علاقة لهم بالتنظيم السري. خلال هذا الإضراب رفع بعض التلاميذ أثناء مسيرة تجاه الإدارة شعار ” اولاد الشعب في السجون والخونة في القصور” حينها تدخل أحد الرفاق وطلب منهم التوقف عن ترديد هذا الشعار الذي لا علاقة له بالاضراب الحالي .

هكذا صار احمد يفرق وبتدقيق طبيعة كل من الإضراب النقابي والاضراب السياسي.

غشت 2023

‏مقالات ذات صلة

Back to top button