
(كش بريس/ التحرير)ـ في خطوة تعبّر عن احتقان مهني غير مسبوق داخل الجسم الصيدلي الوطني، وجّهت كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة، نبهت فيها إلى “المنحى الانفرادي” الذي تسلكه وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في تدبير الملفات الحيوية للقطاع، محذّرة من “تداعيات تهميش التمثيلية المهنية” على استقرار منظومة الدواء والأمن الصحي في البلاد.
الرسالة، التي اتخذت شكل شكاية مؤسساتية صريحة، تضع الأصبع على الجرح العميق في علاقة الصيدلة بالسياسات العمومية، حيث تتهم الوزارة بانتهاج أسلوب “الإقصاء الصامت” في إعداد المراسيم التنظيمية، وعلى رأسها مشروع مراجعة مسطرة تحديد أثمنة الدواء، الذي يُعد من أبرز أوراش الإصلاح المنتظرة منذ أكثر من عقد.
فبعد مراسلات رسمية ومقترحات تقنية قدمتها الكونفدرالية، تفاجأ الصيادلة — بحسب الرسالة — بقرار أحادي يقضي بالمضي في إعداد المرسوم دون الأخذ بأي من توصياتهم. وهو ما تعتبره الهيئة تكراراً لأخطاء الماضي التي أفرزت تخفيضات شكلية في الأدوية “الرخيصة”، دون أن تمسّ جوهر الاختلال في أسعار الأدوية الغالية أو في منظومة التوزيع.
بين المشاركة والإقصاء: أزمة في المنهج لا في القرار
الرسالة تكشف بوضوح أن الصراع لم يعد تقنياً حول “تسعيرة الدواء”، بل مؤسساتياً حول من يملك شرعية القرار الصحي. فإقصاء التمثيليات المهنية الحقيقية، وتعويضها بـ“نقابات صورية”، كما ورد في نص الرسالة، يُعد، وفقاً للكونفدرالية، خرقاً للمقاربة التشاركية التي دعا إليها الملك محمد السادس، وتهديداً للسلم المهني والاجتماعي داخل قطاع حساس يشكل خط الدفاع الأول عن صحة المواطن.
وتذهب الرسالة أبعد من ذلك حين تؤكد أن ثلث الصيدليات المغربية اليوم على حافة الإفلاس، في ظل جمود الإصلاحات التي تم الاتفاق بشأنها سابقاً مع الوزارة، وتراجع الدور الاقتصادي والاجتماعي للصيدلي أمام تصاعد التكاليف وتراجع هامش الربح، ما يجعل الحديث عن “إصلاح المنظومة الصحية” مجرد شعار بلا مضمون.
بين الإصلاح المؤجل والاحتقان المتصاعد:
في لهجة حازمة لكنها مؤدبة، دعت الكونفدرالية رئيس الحكومة إلى التدخل العاجل لإعادة مشروع المرسوم إلى طاولة الحوار، وتنزيل الملفات الإصلاحية المتوافق عليها، وفتح نقاش مؤسساتي تحت إشراف رئاسة الحكومة لإنقاذ القطاع من الانهيار.
وحذرت في الوقت ذاته من أن استمرار التجاهل سيؤدي إلى تصعيد نضالي، بعد أن استنفدت النقابة كل أشكال التعبير السلمي، من حمل الشارة السوداء إلى تنظيم وقفات احتجاجية أمام وزارة الصحة.
أزمة ثقة قبل أن تكون أزمة دواء:
تكشف هذه الرسالة، في جوهرها، عن تحول الخلاف بين الصيادلة ووزارة الصحة من مستوى تقني إلى مستوى بنيوي، يعكس أزمة ثقة في طريقة تدبير الملفات المهنية. فالوزارة التي يُفترض أن تكون حَكماً وضامناً للتوازن بين مصلحة المواطن والمهني، تبدو اليوم، وفق رؤية المهنيين، طرفاً منحازاً في معادلة تضع “العقار فوق الإنسان” و“المرسوم فوق الحوار”.
إنها أزمة في فلسفة الإصلاح أكثر مما هي في تفاصيل التسعيرة: فالإصلاح الحقيقي لا يقوم على المقاربة الكمية أو المحاسباتية، بل على بناء الثقة المؤسسية بين الدولة والمهنيين باعتبارهم شركاء لا متهمين، ومواطنين في موقع مسؤولية لا في موضع اتهام.
من خلال هذه الرسالة، ترفع كونفدرالية صيادلة المغرب صوتها لا من أجل امتياز فئوي، بل من أجل إنقاذ مرفق حيوي يشكّل أحد أركان الأمن الصحي الوطني. فالدواء ليس مجرد سلعة تُسعّر في المراسيم، بل منظومة معقدة من الثقة والعدالة والتوازن بين الكلفة والحق في العلاج.
وفي غياب رؤية إصلاحية شاملة تُعيد الاعتبار لدور الصيدلي كشريك في الرعاية الصحية، لا كمجرد بائع دواء، فإن “المرض الحقيقي” سيبقى مقيماً في صلب المنظومة نفسها، مهما تبدّلت المراسيم والوزراء.
 
				 
					 
					




