‏المرأة وحقوق الانسانلحظة تفكير

أكرجوط صفاء*: التمكين الاقتصادي للمرأة مكسب حقوقي ورهان مجتمعي

لقد مر مسار إدماج المرأة في المجال الاقتصادي من عدة مراحل مليئة بالتحديات، فكانت البداية تحدي العادات والتقاليد المغربية التي تحصر عمل المرأة في حدود الأعمال المنزلية وتربية الأبناء، في حين أن لها  القدرة والحنكة لولوج مناصب الشغل وإحداث التغيير وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين بعدما أصبحت  تلج الجامعات والمعاهد العليا وتتوج بشواهد علمية أهلتها لتقلد مناصب مهمة، ناهيك عن التوجه الذي أصبح يسلكه العالم والذي يمأسس للانفتاح الاقتصادي والتكنولوجي. والمغرب ليس بمنأى عما يحدث في العالم، فقد أصبح يسن قوانين لتشجيع الاستثمار وتعديل مناخ الأعمال بغية خلق فرص الشغل وإدماج كافة شرائح المجتمع من ضمنها المرأة في سوق الشغل وتمكينها اقتصاديا سواء من خلال خلق المقاولات الصغرى والتعاونيات النسوية أو من خلال شغل مناصب داخل المقاولات الصناعية والتجارية والفلاحية.

أولا: المسار الدولي

اعتمد المجتمع الدولي منذ ما يزيد على نصف قرن مجموعة من الاتفاقيات والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان بشكل عام، فعلى المستوى العالمي، كرس ميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945 مبدأ المساواة في الحقوق “نحن شعوب الأمم المتحدة، (…) نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان، في (…) المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء”.

في عام 1979 تم اعتماد اتفاقية دولية محددة بشأن حقوق المرأة، ويتعلق الأمر باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW والتي صادق عليها إلى حدود2021      حوالي   190 بلدا من بينهم المغرب، وكان ذلك سنة 1993 على هامش المؤتمر الدولي لفيينا. وتعتبر هذه الاتفاقية المرجع الرئيسي للدول الأعضاء فيما يتعلق بحقوق المرأة، والتي تلزمهم بملاءمة قوانينهم الداخلية وفق مبدأ المساواة بين الجنسين، وإنشاء آليات لمكافحة التمييز ضد المرأة في مختلف المجالات، بما في ذلك العمل، و إعلان منهاج عمل بيجين (1995)، والنتائج ذات الصلة للجنة وضع المرأة ( (CSWبما في ذلك القرار 54/4 لعام 2010 بشأن التمكين الاقتصادي للمرأة، و الاتفاقيات بشأن المساواة بين الجنسين  لمنظمة العمل الدولية.

ثانيا: المسار الوطني

تماشيا مع الاتفاقيات الدولية تم لأول مرة،  لم شتات القوانين التي تنظم العلاقات الشغلية في المغرب من خلال المصادقة على قانون موحد والذي عرف مخاضا عسيرا طالت مدته نتيجة المفاوضات بين النقابات العمالية والاتحاد الوطني للمقاولات بالمغرب لتنتهي بميلاد مدونة الشغل سنة 2003.

بداية هلل لها الجميع لأنها كرست لمبدأ الموازنة بين الأجير والمشغل والذي سرعان ما اضمحلت معالمه بعد التنزيل العملي لمضامينها على أرض الواقع حيث شهدنا على مر 20 سنة من التطبيق، أنها لا زالت قاصرة على توفير الحماية اللازمة خاصة للمرأة رغم تخصيصها الباب الثاني من القسم الثاني من المدونة لحمايتها ومراعاة الظروف الصحية التي تمر منها خاصة خلال فترة الحمل والنفاس حيث متعها المشرع بحق الاستفادة من 14 أسبوعا كإجازة مدفوعة الأجر إلا أن الواقع العملي عكس ذلك، حيث نجد الظروف التي تشتغل فيها المرأة تفرض عليها الالتحاق بعملها في فترة النفاس خوفا من فقدان وظيفتها، والأسوأ من ذلك يتم حرمانها من ساعة الرضاعة  والتي هي بالأساس في مصلحة الطفل،وهذه كلها مقتضيات قانونية منصوص عليها في المادة الاجتماعية، لكنها لا تجد طريقها للتطبيق على أرض الواقع ..

نافلة القول، المرأة عنصر منتج وفعال داخل النسيج الاقتصادي الوطني إلا أنها لا زالت تعاني من التهميش، ناهيك عن الثغرات القانونية التي تكتسح مدونة الشغل والتي تحتاج إلى إعادة النظر. لذلك لابد من مراجعة مدونة الشغل لملاءمتها والتحولات الاقتصادية الحالية والتي تستدعي إدماج المرأة في سوق الشغل ومناهضة كافة أشكال الابتزاز والتمييز الذي تتعرض إليه من أجل ولوج سوق الشغل، فما فتئنا نسمع عن التحرش الجنسي الذي تتعرض إليه العاملات في الضيعات الفلاحية حيث يتم استغلال وضعيتهن المزرية والضعيفة من أجل تلبية رغبات وحوش الضيعات مع صعوبة الإثبات. فعن أية حماية نتحدث في ظل هذه الظروف؟

نحن لا ننكر العمل الجبار الذي قام به صاحب الجلالة نصره الله منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين بتكريسه لمبدأ الحماية الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين من خلال دستور المملكة لسنة 2011 حيث يعتبر رافعة أساسية لتحقيق الطموح المنشود لتحقيق العدالة الاجتماعية المبنية على مقاربة النوع وتكافؤ الفرص.

وفي نفس السياق، جاء النموذج التنموي الجديد لسنة 2019 من أجل تثمين المسار التنموي الاقتصادي للمغرب، من خلال دراسته لمكامن الخلل والمعيقات التي تعرقل تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة خاصة بإدماج كافة الشرائح المجتمعية بما فيها المرأة، إلا أن هذه الإنجازات مازالت تواجه عراقيل والتي تقف عقبة أما تحقيق التنمية المنشودة ومن أهمها غياب تام للانسجام في القوانين التي ترمي إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، فشتان بين قانون الاستثمار الذي يرمي إلى استقطاب الاستثمار الأجنبي، ومدونة الشغل التي تعتبر مكسبا وطنيا للأجراء والتي أصبحت قاصرة على مواجهة التطور الاقتصادي والتكنولوجي السريع الذي يعيشه العالم والمغرب خصوصا.

ومن أجل تجاوز هذه المعيقات لابد من تظافر الجهود بين المؤسسات المعنية من جهة والمواطنين والمواطنات من جهة أخرى، فتحقيق التنمية الاقتصادية والتي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة لكافة الشرائح الاجتماعية وخاصة منها النساء، انطلاقا من إيماننا أن المرأة مركز التغيير (تغيير وضعيتها وتعزيزها بقوانين كفيلة بحمايتها)، رهان ومكسب يجب تحقيقه. فشغلنا الشاغل هو الاهتمام بالمرأة ووضعها في مكانة تليق بها، فهي رافعة أساسية وشريك مهم في تحقيق التنمية الاقتصادية ببلادنا.

*حاصلة على الإجازة في القانون الخاص

حاصلة على ماستر العلوم السياسية والعلاقات الدولية

طلبة باحثة بماستر القانون الاجتماعي ومنازعات الشغل

عضوة بالمكتب التنفيذي لمنظمة المرأة التجمعية لإقليم مراكش

عضوة بالاتحاد العالمي للماء والمناخ

‏مقالات ذات صلة

Back to top button