فنون وثقافةلحظة تفكير

ثلاث قصائد للويز جلوك : ”سعادة” و ” الحديقة ” و ” الثلج” 

ترجمة وتقديم: د.سارة حامد حواس ـ

( سعادة )

رجلٌ و امرأةٌ يَسترِيحانِ على سريرٍ أبيضَ 

أظُنُّ أنَّهُ الصَّباحُ

وعلى الفورِ  سيستيقظُونَ

زُهورُ الزَّنبقِ في مزهَريةٍ بجانبِ السَّريرِ 

أراهُ يُقْبِل عليها

كَأنَّهُ ينطِقُ  اسمَها بصَمْتٍ

وبِعُمقٍ في فَمِها 

على حافَّةِ النَافذةِ  يُغَنِّي الطَّيرُ

مرةً أو مرتيْن 

فَترتَعِشُ  

ويَمتلئُ جَسَدُها بِأنفاسهِ

أفتحُ عيْنَيَّ ، أراكِ تتأملينني

في غُرفتنا 

حيثُ تنسابُ الشَّمسُ

تقولين لي : انظر إلى وجهي

تدنين مني لترَيْ نفسَكِ فيَّ

فأنا مرآتُك

كم أنتَ هادىءٌ،

والعجَلةُ المُشتعلةُ تمُرُّ فوقَنا بِرِقَّةٍ.

‏‎( الحديقةُ )

‏‎الحديقةُ مُعجبةٌ بِكِ

‏‎فمن أجَلِكِ لونتُ نفسها بالأخَضَرِ ؛

‏‎والوُردُ الأحَمرُ المُبهِجُ

‏‎  التي سَتَأتين إليها مع عُشَّاقِكِ .

‏‎انظري كيف شَكَّلتْ  أشجَارُ الصفصاف خِيامُ الصَّمتِ الخَضراءِ؛

‏‎و مع كُل ذلك هناك شيءٌ مَفقودٌ و ما زلتِ  تَحتاجُينهُ

‏‎فجَسَدُك ناعمٌ جدًّا و بَاذِخٌ جدًّا بين هذه

‏‎الحيواناتِ الحَجَرِيَّة.

‏‎اعترفي أنَّهُ أمرٌ مُخِيفٌ أن تُصبحي مثلها ؛

بِمنأى عن الأذى.

‎( الثلج )

‎في دِيسَمبِر المَاضي  كُنَّا  أنا و والدِي

‎ذَاهبيْن إلى السِّيركِ في نيويورك

‎كان يحملني على كتفيهِ في الرِّيحِ القَاسِيةِ 

‎و كانت قُصاصاتٌ من الورقِ الأَبيضِ تتناثرُ

‎على قُضبانِ السِّكةِ الحَدِيدِيةِ 

‎كان أَبِي يُحبُّ أنْ يَقفَ هكذا 

‎يَحتَضنُني حتَّى لا يراني

‎أَتَذَكَّرُ عندما كُنتُ أُحَدِّقُ إلى الأمامِ مُباشرةً

‎إلى العَالمِ الذي كان يَراهُ أَبي 

‎كُنتُ أتعلَّمُ أنْ أمتصَّ فَراغَهُ

‎والثَلجُ الكَثيفُ كان لا يتساقطُ

‎فقط يَدورُ حولنا.

 لويز جلوك شاعرة ” البساطة والعُمق معًا”

ولدت الشاعرة الأمريكية لويز جلوك في ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٤٣. 

وقد ظهرت الملكة الشعرية عندها منذ طفولتها و قد عانت من مرض فقدان الشهية العصبي عندما كانت في المدرسة الثانوية لكنها تغلبت عليهلاحقًا ، و بعد ذلك عملت على صقل موهبتها الشعرية بالاشتراك في ورش عمل شعرية بالإضافة إلى عملها كأستاذ جامعي في جامعة ييلالأمريكية الشهيرة . 

وظلت جلوك تصقل موهبتها الشعرية حتى نشرت مجموعتها الشعرية ” الولادة الشعرية ” عام ١٩٦٨.

وتعتبر  واحدةً من أبرز الشعراء الأمريكيين في العصر الحديث ، حيث حصدت العديد من الجوائز العالمية الكبرى مثل وسام العلوم الإنسانيةالوطنية، و جائزة بوليتزر ، و جائزة الكتاب الوطنية و جائزة بولينجن و أخيرا جائزة نوبل في الآداب  عام ٢٠٢٠، و أيضًا تقلدت منصب ” شاعرة أمريكا المُتوَّجة” و يُعتبر هذا المنصب من أكبر المناصب التي تُمنح لكبار الشُّعراء في أمريكا ، كما أنها تُعرف بشاعرة ”السيرةالذاتية ” حيث تهتم بتصوير الطبيعة و الخُرافة و نقل الحياة الشخصية و التأمُّل في تجارب الحياة المختلفة .

و من أهم أعمال لويز جلوك : ديوان الولادة الأولى First Born 1968 , مجموعة الشكل التنازلي Descending Figure 1980 , انتصار أخيل The Triumph of  Achilles 1985, إيريس البرية The Wild Iris 1992, فيتا نوفا Vita Nova 1999, العصورالسبعة The Seven Ages 2001, أفيرنو Averno 2006, حياة القرية A Village Life 2009, ليلة المؤمنين و الفضيلة Faithful and Virtuous Night 2014 ، 

ويمتاز شعر جلوك بالوضوح و الصراحة في التعبير عن الحزن و الصدمات التي تتلقاها في حياتها الشخصية و تتنوع ثيمات قصائدهاأيضًا بين الحديث عن الموت و الحياة الأسرية و مشكلاتها المختلفة و الطفولة  و في الفترة الأخيرة بدأت تتجه إلى الحديث عن الإنسان وعلاقته بذاته و كل ذلك يأتي في لغة شعرية بسيطة و صريحة  لكنها عبقرية و عميقة ، فللوهلة الأولى تعتقد أنك تقرأ سطورًا شعرية بسيطةسطحية لكن سرعان ما يتبدد ذلك الشعور عندما تغوص في المعاني الخفية التي تحملها تلك السطور الشعرية المبهرة في بساطتها و عمقها، و في هذا الصدد قال أندرس أولسون ، رئيس لجنة جائزة نوبل في الآداب  إن صوت جلوك كان ” صريحًا لا هوادة فيه” .

لقد فوجيء عدد كبير من القراء بفور لويز جلوك بجائزة نوبل في الآداب خصوصا في الأوساط الأدبية و الثقافية  في المجتمعات العربية وذلك لعدم اطلاعهم على الثقافة الغربية  بخاصة الشعر الغربي و ليس لعدم كفاءتها الشعرية كما اعتقد الكثير منهم و قد تُرجمت العديد منقصائدها إلى العربية ، فقد ترجم الشاعر و المُترجم الفلسطيني سامر أبو هواش العديد من قصائدها إلى العربية في كتابٍ شعريٍّ  حملعنوان ” عجلة مشتعلة تمر فوقنا ”، و هذا العنوان ترجمة لسطر شعري أخير لقصيدة لجلوك بعنوان ” سعادة” ” Happiness’’.

‏‘’And the burning wheel passes gently over us’’

وترجم أيضا الدكتور غانم السامرائي الأستاذ  في الأدب الإنجليزي بجامعة الشارقة  بعض قصائدها إلى العربية في كتاب شعري بعنوان” لويز جلوك صوت الذات الشفيف” .

ولأن جلوك تسعى دائمًا إلى العالمية ، فهي تستلهم بعض قصائدها من الأساطير و الآداب  الكلاسيكية كأصوات ديدو ، وبيرسيفوني، ويوربيدس و أمثلة كثيرة أخرى.

جلوك ليست شاعرة تعبر عن مشاعر الحزن و الألم فقط بل هي شاعرة الأمل و التغيير الجذري و الولادة الجديدة بعد كل كبوة فبرغم ظروفمرضها الصعبة  فإنها استطاعت أن تتجاوز كل هذا الألم و ما يصاحبه من ألم نفسي أيضا و استطاعت أن تعبر بروحها الوثابة إلىمرافىء النجاح و العالمية بكل ثقةٍ .فعلى سبيل المثال نجد قصيدة ‘Snowdrops’’ في مجموعتها الشعرية الأكثر شهرة ” The Wild Iris’’ و التي حصدت على إثرها حائزة البوليتزر عام ١٩٩٢ ، دعوة إلى التفاؤل بوصفها عودة الحياة بعد الشتاء : 

”لم أكن أتوقع النجاة ، 

الأرض تقمعني .

لم أكن أتوقع

للاستيقاظ مرة أخرى”.

وأرى أن جلوك تُشبه الشاعرة الأمريكية كارول فورشيه في كتابة الشعر السرديِّ والروائي الذي يسترجع الذكريات والأسفار ، فكلتاهماامتازت بهذا النوع من الشعر وتفوقت فيه بشكل ملحوظ ، فقد شاهدتا وعاصرتا العديد من الظروف السياسية القمعية والذي أثر بشكل ملحوظ في شعرهما ونمط شعرهما السردي والروائي ، فعندما تقرأ قصائدهما تشعر كأنك تقرأ قصة أو رواية شائقة و مثيرة بلغة شعريةمتفردة لا يجيدها الكثير من الشعراء الآخرين.

من ناحية أخرى ، ترجمت ماري أوليفييه قصائدها إلى الفرنسية وقالت إن جلوك تنتمي إلى ” الشعراء الموضوعيين” ، منهم تشارلزريزينكوف وجورج أوبن وكارل راكوزي. وقد ترى النزعة الأنثوية في قصائدها و التي تواجه بعض الاتجاهات المضادة لها باعتبارها نزعةنسوية وليست أنثوية لكنها في الحقيقة أنثوية لأنها تحتفي بالمرأة كإنسانة تفيض بمشاعر الحب العطاء اللامحدود ، وقد تجد أنها تعبر فيقصائدها  عن نفسها كامرأة من منظور شخصي وليس جماعي ومن هذا المنطلق لا يمكننا أن نقول إن النزعة النسوية مسيطرة على قصائدها بل النزعة الأنثوية المعبرة عن الذات الإنسانية كامرأة.

تجلت جلوك في قصيدة ” سعادة” Happiness في  وصف السعادة والنعيم الذي يعيشان فيه رجل و أمرأة حيث وصفت تفاصيل هذا الحب بنعومة ورقة:

كَأنَّهُ ينطِقُ  اسمَها بصَمْتٍ 

وبِعُمقٍ في فَمِها  

as though to speak her name 

but silently, deep in her mouth.

أفتحُ عيْنَيَّ ، أراكِ تتأملينني 

في غُرفتنا  

حيثُ تنسابُ الشَّمسُ

I open my eyes; you are watching me. 

Almost over this room

the sun is gliding.

تقولين لي : انظر إلى وجهي 

تدنين مني لترَيْ نفسَكِ فيَّ

فأنا مرآتُك 

Look at your face, you say,

holding your own close to me

to make a mirror.

اختارت جلوك تعبيرات رقيقة حالمة تعبر عن مشاعرها المرهفة التي تمتاز بها و ” تنساب الشمس” جاءت لتعبر عن جو البهجة و الدفء والتدفق التي تمنحه الشمس عندما تتخلل الغرفة و انعكاس ذلك على شعور الرجل و المرأة ، و عندما أنهت قصيدتها ب ” العجلة المشتعلة تمرفوقنا برقة ” ؛ أرادت أن تثبت أن هذا النعيم الذي يعيشان فيه الرجل و المرأة هو الحامي لهما من ضغوط الحياة و آلامها حيث مهما مرعليهما من ظروف صعبة فأنهما يتجاوزونها برقة و عذوبة و سلاسة و لعلنا ندرك  أن إدراك النعيم نعمة كبيرة في حد ذاتها تجعلك تعرف قيمةالنعم التي يمنحك الله إياها .

جلوك شاعرة ” العمق و البساطة ” معا تستطيع نحت القصيدة على مقاس قلبها و عقلها و روحها الوثابة  بسلاسة و عذوبة تنقلك من مكانإلى مكان و من زمان إلى زمان بسلاسة متفردة من دون الخروج عن النص.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button