
(كش بريس/خاص)ـ لا تقتصر اجتماعات مجلس الحكومة، كما يتبدى من أجندة هذا الأسبوع، على مجرد المصادقة الشكلية على مشاريع المراسيم، بل تعكس خريطة دقيقة لأولويات الفعل العمومي وتوجهاته التقنية والاجتماعية. فبين رفع التعويضات العائلية، وتنظيم جودة الزيوت النباتية، وتأطير الإنتاج الذاتي للطاقة، تتقاطع أبعاد السياسة العمومية بين الاجتماعي والاقتصادي والبيئي في محاولة لترسيخ منطق “الإصلاح المهيكل” تحت سقف الاستدامة.
مشروع المرسوم المتعلق برفع التعويضات العائلية يأتي تتويجاً لتعهدات سابقة في إطار الحوار الاجتماعي، لكنه يكشف في الوقت ذاته محدودية أثر السياسات التعويضية الظرفية التي تسعى إلى ترميم القدرة الشرائية دون المساس بجذور التفاوت الاقتصادي. فالزيادة المعلنة – وإن كانت مستحقة – تبقى ذات بعد رمزي أكثر مما هي إصلاح بنيوي، خصوصاً إذا لم تواكبها إجراءات موازية في مجالات التشغيل، والسكن، والتغطية الصحية الشاملة.
أما مشروع تنظيم جودة الزيوت النباتية، فيبرز أهمية المقاربة الوقائية في حماية صحة المستهلك وضبط السوق، لكنه يثير كذلك سؤال الرقابة التطبيقية وضعف أجهزة المراقبة الميدانية. فالانتقال من النص إلى الممارسة ظل لعقود نقطة ضعف السياسات الغذائية في المغرب، مما يجعل من هذا المرسوم تحدياً في التنزيل أكثر من كونه مجرد تحديث تقني.
وفي المقابل، يشكّل مشروع الإنتاج الذاتي للطاقة الكهربائية نقلة نوعية في مسار الانتقال الطاقي، إذ يؤطر لأول مرة العلاقة بين المستهلك المنتج والدولة. ومع ذلك، يطرح المشروع سؤالاً نقدياً حول مدى انفتاح الإطار القانوني الجديد على الفاعلين الصغار والمجتمع المدني الطاقي، وعدم انحصاره في الفئات الاستثمارية الكبرى. فبدون عدالة في الولوج إلى الموارد الطاقية، يبقى التحول البيئي رهينة لمنطق السوق لا المصلحة العمومية.
إن اجتماع الحكومة الأخير يكشف عن تعدد ملفات الإصلاح مقابل تشتت الرؤية التكاملية. فالتنمية الاجتماعية، والعدالة الاقتصادية، والانتقال البيئي، تظل حلقات مترابطة لا يمكن معالجتها في جزر تنظيمية معزولة. بذلك، يصبح التحدي الأكبر ليس في صياغة المراسيم ولا في التصريحات الرسمية، بل في توحيد الإرادة العمومية ضمن رؤية قادرة على الربط بين الكرامة الاجتماعية والاستدامة الاقتصادية والسيادة الطاقية.
 
				 
					 
					




