شيء مألوف وواجب أن يتصل المدير العام مع مرؤوسيه من باب التواصل والإعلام و التوجيه والتأطير عبر آلية المنشور، لكن أن يتم تسريب منشور داخلي وخاص ، ومؤشر عليه بعبارة ” سري ” ، فهذا ما يطرح السؤال والإستغراب . فالسيد المدير العام للأمن الوطني طالب مرؤوسيه بالتعامل مع أي سلوك صادر عن القضاة بهدوء ورزانة ، والتبليغ عنه عبر السلم التسلسلي الإداري ، ليتولى الولاة على المستوى الجهوي التبليغ عن ” الحالات ” إلى الوكيل العام لدى محاكم الإستئناف ، فالسؤال الذي يطرح هو لماذا هذا التمييز ، أليس حريا برجال الشرطة ، الذين تتوفر فيهم الصفة الضبطية ، أي ضباط الشرطة القضائية تحرير محاضر وإحالتها على النيابة العامة ، وطبقا للإجراءات الاستثنائية ، أو ما يسمى تداوليا وإعلاميا ب” الإمتياز القضائي ” ؟
يبدو أن الجواب يكمن ضمنيا في الاستغراب الحاصل ، والمتعلق باستفهام إنكاري ، عن معنى وجدوى تسريب المنشور من داخل دائرة المرسل والمرسل إليه . وهنا نكون قد انتقلنا من إجراء قانوني يمكن الاستغناء عنه باللجوء مباشرة إلى تطبيق القانون من باب تحصيل الحاصل ، ويكفي في جميع الحالات إعطاء تعليمات شفوية ، إلى إجراء يتخذ صيغة ” خطاب سردي ” مؤطر بخلفية الإحراج والفضح ، وفي باب البلاغة ( الإستعارة ) فهو في عمقه إعلام عن رصد سلوك متواتر ، لدى قضاة مسؤولين عن تطبيق القانون ومراقبة إنفاذه ، كوسيلة مقدمة تسفر عنها نتيجة وهي مساءلة وشجب هذه الظاهرة السلوكية ، وبذلك فهي عملية تواصلية داخلية ، وبتسريبها إلى العموم ، صارت عملية إشراك الرأي العام في تطويق المسلكيات والتنديد بها كنتيجة مرسومة ومخطط لها كغاية . إن كل ما في الأمر أن وقع الرسالة كان أقوى من أي إجراء قد يتخذ لاحقا من قبل الجهة التأديبية ( السلطة القضائية ) ، لأنه في آخر التحليل لابد وأن الهدف من العملية هو إدانة استغلال النفوذ واعتباره مجرد حالات معزولة ، وأن العملية التواصلية المقرونة بتسريب المنشور ، عملية تحسيسية واستباقية ، تستهدف المخالفات الشخصية المتهورة بالأساس ، باعتبارها أخطاء غير مرفقية ( غير مصلحية ) وغير مشمولة بالتالي بالحماية أو الحصانة حتى . إنه ذكاء يروم التأديب استباقيا وإلا لما حصل تسريبه قصديا في سياق الغاية تبرر الوسيلة .
*رئيس المركز المغربي الديمقراطية والأمن