فنون وثقافةلحظة تفكير

عبد اللطيف سندباد: راهنية الروحانيات في العلاجات الأسرية

تطور مفهوم الروحانيات في العصور الحديثة وتوسعت امتداداته ليشمل العديد من مجالات الحياة الانسانية، ولم ينحصر في مجال الدلالات الدينية المقدسة القائمة على إثبات الروح وسموها على المادة بل شهد تسريبات إلى حقول ابستيمية واديولوجية اتخذت مناحي متعارضة من الروحانيات المنكرة للخالق والنبوات والغيبيات الى تبني فلسفات يتداخل فيها الخالق والمخلوق، وتميل هذه الحقول المعرفية الحديثة للدلالة على التجربة الفردية والجماعية ذات البعد المقدس المبنية على الخلاق والقيم والمعاني الوجودية التي بموجبها يستعيد الانسان داخل مختلف تجمعاته سكينته وطمأنينته في مواجهة ضغوطات الحياة اليومية، ذلك أن العائلات عندما تواجه مواقف عصيبة أو مشاكل في الصحة العامة، فإن أفكارهم الاعتقادية وممارساتهم الدينية والروحية تساعدهم على تجاوز الأفكار السلبية والمشاعر الأليمة، واستعادة الانسان لروحه الطيبة، وصناعة المعنى من وجوده، وبالرغم من انحيازات علم النفس الفرويدي التقليدي  وبعض مدارسه ضد الدين والروحانيات بصفة عامة، وأثرت على العديد من المعالجين الأسريين الكبار، بيد أن بعض المداخل العلاجية الحديثة خصوصا التي اشتغلت على الفئات المهمشة والطبقات المتوسطة آثرت إلا أن تتواصل روحانيا مع الناس فرادى أو جماعات داخل جلسات الارشاد الأسري، وهو ما أعطى لهذه الأشكال معنى وامتيازا لمسؤولية الانسان في التغلب على الشعور بالألم.

إن ما يعطي للمعالج الأسري هويته الاحترافية والانضمامية إلى أعضاء الأسرة المختلة ما هو موجود عندهم والوعي به واستخدامه كقوة مؤثرة على النتيجة، بدل الميل الى تجاهله واعتباره أمرا مفروغا منه، فالحياة الواقعية للناس في كونها تصلي وتنتصر للقيم الأخلاقية ولديها فلسفة وطريقة في التفكير التي هي جزء من ثقافتهم، وجزء مما يجمع وحدة الأسرة، ويشكل عدم الاهتمام بالجانب الروحي في المعالجة غير عادل وغير منصف ويفوت على المعالج فرصا عميقة لمساعدة الأسرة على تسوية خلافاتها وتحسين تفاعلاتها، خصوصا وأن جذر القوة في الأسر كامن في نظام ما يعتقدون. يقول المعالج الأسري بجامعة دريكسيل في فيلادفيا الدكتور Harry Aponte في كتابه: ” الخبز والروح من خلال نورتون” أن الروحانية مصدر حاسم للقوة لدى العديد من العملاء وهم يأتون من حيث قيمهم وأرواحهم، وهي البؤرة المستقبلية للتفاعل الهيكلي داخل الجلسات والمعول عليها لإيجاد معنى للحياة، بحيث يمكن في بعض التخطيطات العلاجية البلسم في تعزيز الشفاء، هذا وأكد أبونتي على ضرورة تضمين القيم والروحانيات كجزء من تدريبات المعالجين الأسريين لا سيما وان ثمة لحد الان جدالات مثيرة داخل الأسر وخارجها عن قضايا قيمية كالإجهاض والموت الرحيم والمثلية الجنسية والشذوذ الجنسي وتحويل الهوية الجنسية … وهو ما تستوجب على المعالجين اقتحام هذا النسق القيمي وإدراجه في الجلسات العلاجية، ومن شأن إبعاد المعالج ذاته عن ذلك افتقاده لمصدر حيوي في قوة تدخلاته لاسيما عندما يطرح العميل أنه يعاني الانفصال عن ذاته ويشعر بالفراغ، وحيث تكون الروحانيات نسق قيمي داخل الأسرة فالعودة إلى مقتضياته تعطي معنى للحياة.

وحيث أن الانسان كائن روحي في تجربة إنسانية كما قال المتحدث التحفيزي الأمريكي  Wayne Dyer فإنه من المحتم الاشتغال في رحلة الاستشارات والعلاجات النفسية على عوالم الأبعاد الروحية للجماعة المختلة وللفرد العرض واعتبارها بوصلات مركزية لتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الشدائد والصدمات وتأمين الاحساس بالأمن والتسامح والقبول والرضا…، كما أن ادخال الأبعاد الروحية في العلاجات الأسرية تعتبر آلية وظيفية للتكيف والمفاوضة والرضا المركزي  واتقاء الاحباطات المتكررة.

*كاتب صحفي مستشار أسري لايف كوتش

‏مقالات ذات صلة

Back to top button