
….هي حكاية أشبه بالحكايات المثيرة التي نسمع أو نقرأ حول نزاعات وحروب أمريكا اللاتينية وجماعاتها السياسية/المسلحة، وصراعها الدموي مع الأنظمة اللاتينية التي تدعمها واشنطن، لكنها بالنسبة لنا في المغرب ذات طابع استثنائي أو هي من الوقائع النادرة في تاريخ المغرب الحديث، فعبد الرحيم اينوس كان معروفا في مرحلة الكفاح الوطني ضد الاستعمار، وكان حرفيا -كجل سكان المدينة- واعتقل مرات في هذه المرحلة وهو من أبناء مدينة مراكش، وولد بأحد أحياءها الفاتنة حي روض العروس/ سيدي بوعمرو والقريبين من الزاوية العباسية وضريح سيدي سليمان الجزولي وحي باب تغازوت حيث عاش في دورها ابن رشد وابن عربي ردحا من الزمن.
بعد الاستقلال في 2 مارس 1956 ظل اينوس في عمله ونشاطه السياسي، كانت الخلافات بين مكونات الحركة الوطنية: المقاومة وحزب الاستقلال وجماعات أخرى تفاقمت فقد اختلفوا حول مفهوم الاستقلال هل نبدل جورج بفلان أم أن الاستقلال عملية بناء وطني اجتماعي وتوزيع المنافع/الثروة على الجميع؟ وتطور هذا الخلاف وأدى إلى الانشقاق في الحركة الوطنية بتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وقبلُ تعيين حكومة عبد الله إبراهيم 1958-1960، والصراعات الدموية بين أعضاء المقاومة خاصة في الدار البيضاء، هذه الصراعات شملت مدن أخرى وأيضا مراكش التي عرفت هي أيضا أحداثا مأساوية خاصة أحداث “ملعب الخائنين” في 1956، واغتيال المرحوم الفقيه عبد العزيز بن ادريس عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، والمفتش العام في 1959، وصراعات هنا وهناك.
لم يعرف قاتل المرحوم عبد العزيز بن ادريس في البداية، خصوصا أن اغتياله كان في أثناء تجمع جماهيري في مدينة تحناوت في 24 أبريل 1959،، لكنه عرف فيما بعد وقيل أن اسمه لحسن باشوش المشهور بـ “السكليس” «=مصلح الدراجات»، والذي اختفى في أحد المنازل في منطقة دوار العسكر تسمى “اسكجور”، مع رشاشه إلى أن اعتقل فيما بعد مع شخص آخر محمد بن الحسين قيل أنه ساعده، وتزامن اعتقالهما مع اعتقال المرحوم اينوس في 1961.
كان المرحوم عبد الرحيم اينوس قد ارتبط بعلاقة سلاح ومودة شخصية مع المقاوم مولاي الشافعي السباعي، والذي تولى منصب رئيس الحرس البلدي بمراكش بعد الاستقلال في 2 مارس 1956، وقد انتمى المرحوم الشافعي إلى الحركة الاتحادية بعد الانشقاق عن حزب الاستقلال، وأينوس يعتبر الشافعي معلمه وقدوته ، وبالتالي كانا معا يحملان نفس الأفكار، ومنذ مرحلة المقاومة 1953-1956، وبعد الاستقلال، وكان إعلان إقالة حكومة عبد الله إبراهيم في 18 ماي 1960 بمثابة الشرارة التي اندلعت لدى الحركة اليسارية والمقاومة، فبدأت تنتشر فكرة إحياء المقاومة المسلحة، وذلك بإنشاء جيش أو خلايا عسكرية في الجبال في 1961، واتفقت عناصر مراكش مع عناصر بني ملال على الصعود إلى الجبال والالتقاء في مكان محدد وتحريض الفلاحين على الانضمام وقيادة حرب شعبية ضد بقايا الاستعمار. كانت فكرة رومانسية لم تتحقق ولأن عناصر بني ملال لم تصعد أصلا لسبب ما. والفلاحين لم ينضموا، أما جماعة مولاي الشافعي / البشير ولحسن الروداني / والحسين البزيوي… فقد انتقلت إلى الجبال المحيطة بمراكش، خاصة منطقة تحناوت، وصعدت كثيبة عسكرية بقيادة المرحوم القبطان محمد الغول. لم يك المرحوم عبد الرحيم اينوس ضمن الذين صعدوا إلى الجبل لكونه ربما له رأي آخر، إلا أنه صُدم لمقتل مولاي الشافعي واعتبره اغتيالا وليس معركة، وانتشرت إشاعات قوية -مع الظرف السياسي الساخن- إلى كون القبطان الغول اعتقل أفراد الجماعة المتمردة ثم أعدمهم، وهو أمر يؤكد آخرون أنه لم يقع، وأن الجماعة قُتلت أثناء تبادل إطلاق النار ليس إلا، وأنهم لم يُعتقلوا أصلا إذ إستعملوا ما لديهم من أسلحة على بساطتها وقُتلوا في المواجهة، والدليل على ذلك هو اعتقال أحدهم وهو الحسين البزيوي الذي أصيب برصاصة في إحدى رجليه، وأحيل على المستشفى واعتقل وحُكم. كانت الشائعة المنتشرة قوية على كون جماعة الشافعي أُعتقلت وأُعدمت قد وصلت –أو حتى دون أن تصل- إلى المرحوم عبد الرحيم أينوس، فكان أن تربص بالقبطان الغول في أحد الصباحات والذي كان منزله بشارع يعقوب المريني ورماه بالرصاص ، لم يراه أحد وبدأ البحث بعملية غير مسبوقة أدت إلى إصدار أوامر عليا بإجراء تفتيش عميق وعام والبحث عن الفاعلين، وسرعان ما اعتقل عبد الرحيم والذي كان يخفي المسدس الذي قتل به القبطان في قفة مخفية في مكان علوي بمنزل العائلة، وبدأت زيارات رجالات الأمن من كل أنحاء المغرب –وقيل حتى من الخارج- للبحث في هذا الحدث الغير مسبوق، إذ كيف لمدني أن يقتل عسكري، وماهي الدوافع، ومن هو هذا الشخص الذي لا يشبهه أحد، ومن هي عائلته؟ بل أن وزير الداخلية المغربية آنئذ أحمد رضا كَديرة والذي زار المنزل لدراسة العائلة وربما ليرفع تقريرا إلى الدوائر العليا عن مكان الولادة والإخوة والأم والعائلة التي أنجبت عبد الرحيم. كانت العائلة رغم الجو الأمني الضاغط صبورة ولها سوابق في العهد الاستعماري، وكما أكد لي الراحل محمد الطيب أينوس أستاذ الرياضيات والشقيق الأصغر لعبد الرحيم أينوس أن العائلة كانت تساند بقوة ابن الاسرة عبد الرحيم وتزوره في أماكن الاعتقال خاصة الأم ومعها الابن الأصغر محمد الطيب أينوس، وهو بالمناسبة خريج المعهد المصري بالرباط، وعبد الرحيم أينوس هو من سجله بالمعهد المذكور شخصيا.
أدى اعتقال عبد الرحيم أينوس والتحقيقات التي أجريت إلى اعتقال لحسن باشوس، ومحمد بن الحسين، بتهمة اغتيال الفقيه عبد العزيز بن ادريس، وبعد المحاكمة والترحيل إلى سجن القنيطرة أعدم الثلاثة في 1961، وأصدرت وزارة العدل كراسا عن هذه المحاكمات، وكان وزير العدل آنئذ المرحوم امحمد بوستة، ونشرت صور الجثامين بعد الإعدام في هذا الكراس الرسمي ليسدل الستار عن إحدى أهم أحداث الاغتيال السياسي في تاريخ المغرب بعد الاستقلال.
ملاحظات:
- روى لي محمد الحبيب محي وهو من أعضاء الحركة الوطنية بمراكش وبعد الاستقلال صار عضوا بديوان العامل ثم خليفة العامل في إحدى المقاطعات – روى لي- أنه فور علمه بكون الفقيه عبد العزيز بن ادريس بمراكش ذهب إليه وحثه على عدم الذهاب إلى تحناوت، وأن الجو غير مناسب ومن الأفضل أن يؤجل الزيارة، لكن الفقيه لم يقتنع؛
- روى لي المرحوم محمد الطيب أينوس أنه عين أستاذا في مطلع السبعينات في ثانوية ابن يوسف، وبعد أن تلقى أول أجرة وأثناء العطلة الصيفية سافر إلى اسبانيا، وكان القانون يمنع تحويل أكثر من مئة درهم، وبالتالي كان الجميع يخفي المبالغ، وبينما هو يتنزه في مدينة مالكَا شاهد الراحل محمد رضا كَديرة جالسا في مقهى وقربه حراس، وذهب وسلم عليه قائلا: ألا تعرفني السي أحمد، فقال له رضا كَديرة: لا، وقال له أنا شقيق المرحوم عبد الرحيم أينوس، فرحب به رضا اكديرة وسأله عن الوالدة، وطلب له مشروبا لكن محمد الطيب رفض وسأله رضا كديرة ، هل تحتاج إلى مال؟ وأجاب بالنفي، ولكن عندي سؤال السيد الوزير، فسأل رضا كَديرة ماهو؟ فسأله هل أنت أيضا لم تحول سوى مئة درهم؟ فأجابه رضا كَديرة: هم هم كفى من مزاح المراكشيين.
- أثناء مرحلة الانفصال 1959 حضر ذ.امحمد بوستة لإلقاء محاضرة بمراكش للاستقطاب بقاعة سينما مبروكة وما إن بدأ حتى ولج القاعة مولاي الشافعي بن التهامي السباعي وانتهت المحاضرة.
- تم تكريم القبطان الغول بإطلاق اسمه على الثكنة العسكرية في جليز مراكش.
مراجع:
- كراس وزارة العدل منشور في 1961.
- أوراق من ساحة المقاومة عبد السلام الجبلي.
- أبحاث وتنقيبات.
- كفاح المغاربة عبد الله رشد.