
(كش بريس/التحرير)ـ كشف تقرير مؤشر الفقر متعدد الأبعاد العالمي لعام 2025، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية (OPHI)، أن المغرب حقق تقدماً كبيراً في محاربة الفقر بمختلف أبعاده خلال السنوات الأخيرة، لكنه ما زال يواجه تحديات اجتماعية واقتصادية قائمة.
فبحسب التقرير، انخفضت نسبة السكان الذين يعانون من الفقر متعدد الأبعاد من 17.3% سنة 2011 إلى 6.4% في مسح 2017/2018، أي ما يعادل انتشال أكثر من ثلاثة ملايين مغربي من دائرة الفقر. ورغم هذا التراجع المهم، تشير تقديرات 2023 إلى أن حوالي 2.4 مليون شخص ما زالوا يعيشون في أوضاع فقر متعدّد الأوجه.
تحسن شامل في مؤشرات العيش والتعليم والصحة
الأرقام التي وردت في التقرير تعكس تحسناً عاماً في جميع المؤشرات الفرعية العشرة التي يقيسها المؤشر، والتي تشمل مجالات الصحة والتعليم ومستوى المعيشة. ففي جانب التغذية، تراجعت نسبة المحرومين من 6.3% إلى 1.4%، كما انخفضت وفيات الأطفال من 3.7% إلى 1.4%.
أما في التعليم، فقد تقلّص الحرمان في سنوات الدراسة من 13.7% إلى 5.3%، وفي الانتظام الدراسي من 5.4% إلى 2.1%. وفي ما يخص الخدمات الأساسية، عرف المغرب تحسناً ملموساً: انخفض الحرمان من مياه الشرب إلى 2.5%، ومن الصرف الصحي إلى 3.7%، ومن الكهرباء إلى 1.1%.
هذه الأرقام، بحسب التقرير، تجعل المغرب ضمن 11 دولة فقط في العالم نجحت في خفض معدلات الفقر في كل المؤشرات الفرعية خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً.
الإنجاز واضح… لكن الفوارق ما تزال حاضرة
ورغم التقدم الملموس، يلاحظ التقرير أن التفاوتات الجغرافية والاجتماعية ما زالت قائمة، خاصة بين المدن الكبرى والمناطق القروية والجبلية.
ففي الوقت الذي استفادت فيه المناطق الحضرية من تحسينات واسعة في البنيات التحتية والخدمات، لا تزال بعض المناطق النائية تعاني من ضعف الولوج إلى التعليم، والرعاية الصحية، وفرص الشغل اللائق.
ويرى محللون أن هذه الفوارق تُعد من أبرز التحديات التي تواجه النموذج التنموي الجديد، خصوصاً مع بروز تأثيرات التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة بعد جائحة كوفيد والتقلبات الاقتصادية العالمية.
من دعم الفقراء إلى تمكينهم
يشير التقرير إلى أن نجاح المغرب في تقليص الفقر لم يكن نتيجة الصدفة، بل جاء ثمرة برامج اجتماعية وهيكلية متراكمة، مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبرامج دعم التمدرس، وتعميم الكهرباء والماء الصالح للشرب.
غير أن خبراء التنمية يحذرون من الاكتفاء بالتحسن الرقمي، داعين إلى نقلة نوعية من منطق الدعم إلى منطق التمكين، عبر تحسين جودة التعليم، وخلق فرص شغل مستدامة، وتعزيز الحماية الاجتماعية.
في الخلاصة، يؤكد تقرير مؤشر الفقر متعدد الأبعاد 2025 أن المغرب يسير في الاتجاه الصحيح، بعدما استطاع تقليص الفقر وتحسين مستوى المعيشة بشكل ملحوظ. لكن المعركة لم تُحسم بعد؛ فالفقر اليوم لم يعد مجرد غياب للدخل، بل هو حرمان من الفرص، وضعف في العدالة المجالية، وهشاشة في الكرامة الاقتصادية. لذلك، يبقى الرهان الأساسي هو تحويل التقدم الإحصائي إلى واقع معيشي متوازن، يلمسه المواطن المغربي في حياته اليومية، من القرية النائية إلى المدينة الكبرى.





