
الصوفي هو الذي ينفض يديه وقدميه وملابسه وهو ماش على الأرض ، أي أرض ، سواء أكانت له ، أم وقفا ، لا يبتغي منصبا ، أو جاها ، أو سلطانا ، متيقنا أنه صار نقيا من آثار الدنيا الزائلة الفانية .
ولا يتاجر إلا في ثمار الصدق ، ومن دون تكالب على ما هو دنيوي ، يزهد فيما يقبل الناس عليه ، لا يتعلق بشئ ، هو ابن للمجاهدة ، يسلك الطريق ، مداويا نفسه ، قبل أن يداوي سواه ، يسير في النور ، مثلما تسري الإشارات في روحه ، يكشف ما احتجب وما استتر وخفي عنه ، يجلو مرآة قلبه ويصقلها بالإشراق حتى تتجلى ، وأن يعرف مكنون نفسه ؛ كي يسهل له الوصول بعد تمام الوصل ، حيث تنكشف له أمور لا تعد ولا تحصى .
الصوفي رحب ، وذو شسوع ، قلبه يسع الكون ، لا يفلت الزمام منه ، مهما تكن المتع والمغريات ، صاحب كبرياء وأنفة ، على الرغم من بساطته وتواضعه ، حبل روحه مربوط بالنور ، وممتد بمشكاوات السموات . لا يقع في الشباك أو الحبائل التي يدبرها الأغيار أو العابرون أو المارون على الدين .
لا يعرف الخزي أوالخذلان أو الذلة أو الحسرة أو البغضاء أو الحسد ، يصير شخصا آخر جديدا كلما طلعت شمس ، يسلب ولا يسلب .
والصوفي يرى الفقراء إلى الله كحبات الزيتون فيهم الكبير ، وفيهم الصغير ، ومن لم يكن فيه زيت فالصوفي زيته ، كما قال السيد أحمد البدوي صاحب الطريقة الأحمدية ( 596هجرية – 1199ميلادية / 675هجرية – 1276 ميلادية ) .
الصوفي صاحب نظر ؛ لأنه من أهل الصفاء ، ملآن بالإلهام ، قلبه يشرق بالنور ، يمتاز عن سواه بالعرفان ، إذ يسمو عن عالم المادة ، أفادته خلوته وغيبته عن الناس ، فعلا فيضه ، وكثرت سياحته الروحية ، يشتد به الوجد سواء أكان وحده أم وسط زحام من البشر ، مصداقا لقول الشاعر العربي دعبل الخزاعي ( 148- 246هجرية / 756- 860 ميلادية ) :
” إني أقلب عيني حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا ” .
وفي الخلوة ، حيث الوجد والذوق والتجلي ” الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ” ، وفيها يقع التجرد من المظاهر ، حيث تسبح الروح في بحرها الوسيع الذي لا ساحل له ، ولا إدراك .
إن التصوف يفتح فيضا من المعاني الربانية وآفاقا معرفية لا حد لها أمام الصوفي ، إذ يسلك الطريق ببصيرته المعرفية ، وتنهمر الإلهامات على قلبه ” وعلمناه من لدنا علما ” .
الصوفي هو عالم رباني ، روحه تشرق بالأنوار ، تربى على علم القلوب ، وهو الوهب لا الكسب ، أو العلم الوهبي .
والصوفي كما يقول شيوخي : ” نالوا علوم الدراسة ، ومنحوا علوم الوراثة ” ؛ حيث تكشف أمامه نواميس الله في الكون ؛ لأن من يتدبر ويتأمل لهو في رزق دائم لا ينقطع .
الصوفي بحر لا يدرك له قرار ، ولا يعرف له ساحل ، وقديما قال السيد البدوي : ” إن سواقي تدور على البحر المحيط ، ولو نفد ماء جميع سواقي الدنيا ، ما نفد ماء سواقي ” .