‏آخر المستجداتلحظة تفكير

أحمد عصيد: من أجل نقل عوامل النجاح الكروي إلى المجالات الأخرى

نجح الفريق الوطني المغربي لكرة القدم لأقل من عشرين سنة في الوصول إلى نهائي كأس العالم ، بعد فريق الكبار بقطر سنة 2022 الذي وصل إلى المربع الذهبي، والذي حقق قبل أيام تحطيم الرقم القياسي العالمي في عدد الانتصارات المتتالية، دون إغفال الحديث عن نجاحات الفريق الوطني النسوي بدوره، مما يشير إلى وجود نهضة كروية لا غبار عليها بالمغرب، لكن هذا يطرح سؤالا هاما لدى فئات عريضة من الملاحظين، وكذا من المجتمع المغربي نفسه، كيف يمكن نقل أسباب ومرتكزات النجاح الكروي إلى مجالات أخرى وخاصة مجال الخدمات الاجتماعية التي تعرف تدهورا ملموسا بالمغرب.

لكن ما هي هذه الأسس التي قام عليها النجاح الكروي بالمغرب ؟ وإلى أي مدى يمكن نقلها إلى مجالات أخرى ؟

يبدو أن هذه القوة الضاربة التي حققت النجاح الكروي قد نبعت من أربعة عوامل، يمكن اعتبارها أساس تألق الفرق المغربية في كرة القدم، كما يمكن اعتبار بعضها أساس النجاح التنموي العام كذلك، إذا ما تم اعتمادها في المجالات الأخرى بنفس الروح والمسوؤلية:

1) ويتمثل العامل الأول في توفير جميع المعايير والمرتكزات الدولية للتكوين والتأطير والتدريب الجيد بإرادة سياسية للدولة، بما فيها الاعتمادات المالية المطلوبة، والتي سبق أن استنكرها كثيرون واعتبروها تبذيرا للمال العام. وهذا المُعطى مهم جدا، إذ لا يمكن منافسة فرق دولية تحظى بكل الإمكانيات اللوجستيكية المطلوبة، باعتماد أنصاف الحلول وأنصاف الإمكانيات.

2) أما العامل الثاني، فيتمثل في استقطاب المهارات الكُفأة بالشروط التي ترتضيها، وهو واحد من الأسس التي كانت غائبة في الماضي بسبب سوء التقدير الذي ميز المرحلة السابقة، وبسبب خلل في معايير الاختيار، والتي أصبحت اليوم أكثر وضوحا وإجرائية.

3) ويتمثل العامل الثالث، في توفر مدرب وطني يجيد التواصل بالعامية المغربية والفرنسية والإنجليزية، ويخاطب كل لاعب باللسان الذي يتقنه، فمعظم اللاعبين المغاربة من أبناء العائلات المهاجرة في بلدان مختلفة، عاشوا سياقات متباينة وتربوا في أوضاع وبلغات تختلف حسب البلد المضيف، ولا بد من مخاطبتهم باللغات التي ترتبط بحياتهم اليومية وأحيانا بحميميتهم.

4) أما العامل الرابع فهو الروح الوطنية والشعور الهوياتي بالانتماء لوطن أصلي، حتى ولو كانت هناك جنسية أخرى، مما شكل لحاما بين كل أعضاء الفريق الواحد وخلق لديهم قضية يستميتون من أجلها، وهي رفع راية الوطن عاليا بين الأمم، ويفسر ذلك الروح القتالية الكبيرة والتضحيات الجسيمة التي بذلها اللاعبون.

أما عن نقل أسباب النجاح الكروي إلى مجالات أخرى اقتصادية واجتماعية فالدروس التي تمنحها إيانا عوامل النجاح الكروي الأربعة أكثر وضوحا من أن تخفى على لبيب، وتتمثل فيما يلي:

ـ العمل على إنجاح الأوراش التنموية بتوفير الإمكانيات والاعتمادات الضرورية لإنجاح مختلف المشاريع ومراقبة أشكال صرف الميزانية وحمايتها من الفساد وسوء التدبير، وذلك في ظل إرادة سياسية حاسمة في “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وهو المبدأ الذي أقره دستور المملكة منذ سنة 2011، والذي ظل غير ساري المفعول بالشكل المطلوب.

ـ اعتماد معيار أولوية الكفاءة والمهنية على العلاقات الزبونية والقرابة والتدخلات الفوقية، مما يجعل الأطر تعمل بشكل جيد وفي ظروف ملائمة، تحميها من السلطوية والفساد والبيروقراطية، وتمنحها إمكانية التكوين المستمر والمكثف بهدف تطوير مهاراتها وخبراتها باستمرار.

ـ وضع الثقة في الكفاءات الوطنية والقطع مع العادة التي كانت متبعة وهي تفضيل الأجنبي وتهميش الطاقات الذاتية في التدريب والتسيير، حيث تبين أن وجود مسؤولين وطنيين ذوي مهارات احترافية يجعل إمكانيات النجاح أكثر ضمانا، ويسمح هذا باستعادة الأطر المغربية المهاجرة التي يمكنها أن تقدم الكثير لبلدها إذا توفرت لها ظروف العمل الملائمة.

ـ شحذ الروح الوطنية والشعور الهوياتي بالانتماء للمغرب، من أجل رفع إنتاجية المغاربة في جميع المجالات عبر تمتيعهم بحقوقهم الأساسية حتى يقوموا بواجبهم على أحسن وجه.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button