
(كش بريس/التحرير)ـ توصل ممثلو نحو 200 دولة، المجتمعون بمنطقة الأمازون في إطار مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيرات المناخية (كوب 30)، إلى اتفاق “حدٍّ أدنى” حول المناخ، صودق عليه بالإجماع بعد ليلة طويلة من المداولات. وجاء هذا التوافق رغم خيبة أمل وفود عدة كانت تنتظر إشارات أكثر وضوحاً لتسريع الخروج من منظومة الوقود الأحفوري، وهو ما غاب تماماً عن النص الختامي.
الجلسة الختامية، التي انعقدت بعد ساعات من التأجيل وفي اليوم التالي للموعد الرسمي لاختتام المؤتمر، عكست واقع مفاوضات امتدت لأسبوعين، باتت معه ظاهرة التمديد ممارسة شبه ثابتة في مؤتمرات المناخ الدولية. وقد حملت الوثيقة الختامية، المسماة “Mutirão Global”، إشادة بالتعاون الدولي وروح اتفاق باريس، لكنها اكتفت بالدعوة إلى تسريع العمل المناخي على أساس “طوعي”، وهي صيغة تعتمد التخفيف بدل الإلزام، ما يبرز طابع الاتفاق كحل وسط أكثر مما هو خطوة نوعية إلى الأمام.
ويشكل غياب أي ذكر للنفط أو الغاز أو الفحم نقطة لافتة، خاصة أن مؤتمر كوب 28 في دبي كان قد رسّخ لأول مرة ضرورة “الانتقال بعيداً عن مصادر الطاقة الأحفورية”. غير أن عدداً من الوفود برّر هذا الغياب بالحاجة إلى الحفاظ على الإجماع، في مشهد يعكس استمرار التجاذب بين الدول الداعية إلى تحول طاقي سريع وتلك التي تتحفظ على أي التزام صريح يمس مصالحها الاقتصادية.
في المقابل، لم يجد الاقتراح البرازيلي المركزي، والمتمثل في “خارطة طريق” منظمة للخروج التدريجي من الوقود الأحفوري – وهو مقترح حظي بدعم أكثر من 80 دولة – طريقه إلى الإعلان الختامي. واكتفت الرئاسة البرازيلية بالتأكيد على أن الخطة ستواصل مسارها كمسار موازٍ ضمن ولايتها الممتدة إلى نونبر 2026، في إشارة إلى رغبة برازيليا في إبقاء الملف حياً رغم تعثره التوافقي.
ورغم الطابع الحذر للاتفاق، فقد حملت الوثيقة تقدماً على مستوى التمويل، إذ شددت على ضرورة مضاعفة الموارد الموجهة لتكيف الدول النامية ثلاث مرات، كما أقرت خارطة طريق متعددة السنوات لمتابعة تنفيذ المادة 9.1 من اتفاق باريس، المتعلقة بالدعم المالي المخصص لبلدان الجنوب. واعتمد المؤتمر أيضاً نصاً منفصلاً يخص الهدف العالمي للتكيف (GGA)، قلّص عدد مؤشرات قياس التقدم من 100 إلى 59، محدداً أولويات أكثر وضوحاً في مجالات الصحة والفلاحة وتدبير المياه والمرونة الحضرية، استجابة لانتقادات اعتبرت النسخة الأولى “ثقيلة وغير قابلة للتنزيل”.
بالنسبة للبرازيل، التي راهنت على صياغة رؤية أكثر إحكاماً للانتقال الطاقي، يبدو الاتفاق أقرب إلى تسوية دنيا منه إلى مكسب سياسي أو مناخي كبير. غير أن التحدي الأكبر يظل قائماً: فالمساهمات المحددة وطنياً (NDC) يتعين أن تصبح منسجمة مع سقف +1.5 درجة مئوية، وهو ما يعني عملياً ضرورة خفض سريع للانبعاثات المرتبطة بالوقود الأحفوري، مهما حاولت الوثيقة الختامية تفادي تسميته بشكل مباشر.
جدير بالإشارة أن اتفاق كوب 30 يعكس حالة التوازن الهش داخل الدبلوماسية المناخية العالمية: توافقٌ يحافظ على وحدة الصف، لكنه يؤجّل مرة أخرى الحسم في القضايا الجوهرية التي تحدد فعلياً مسار الانتقال الطاقي في العالم.





