‏آخر المستجداتقضايا العدالة

“الأعلى للحسابات” يرصد 150 ألف مسؤول ملزم بالتصريح بالممتلكات…

ـ مؤشرات على تسريع ورش الرقابة والحكامة المالية ـ

(كش بريس/التحرير)ـ في خطوة تعكس تزايد الرهان على الشفافية والمساءلة في تدبير الشأن العام، كشف المجلس الأعلى للحسابات أن أزيد من 150 ألف موظف ومنتخب ومسؤول ملزمون بالتصريح الإجباري بممتلكاتهم إلى حدود نهاية أكتوبر 2025، مؤكداً تخصيص 60 منصباً مالياً جديداً للمحاكم المالية ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026، في إطار تعزيز بنيتها البشرية والرقابية.

وخلال عرضٍ قدم أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب حول ميزانية المحاكم المالية، أوضح المجلس أن عدد الملزمين بالتصريح بلغ 154.931 شخصاً وفق اللوائح الرسمية المدلى بها من طرف الإدارات والمؤسسات العمومية، موزعين بين موظفين عموميين ومنتخبين ومسؤولين في قطاعات مختلفة.

دينامية مؤسساتية في قلب التحول الرقابي

تقرير المجلس أبرز أن عدد العاملين بالمحاكم المالية يبلغ حالياً 793 قاضياً وموظفاً، تشكل النساء 39% منهم، موزعين بين المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات.

ويعكس هذا التنوع، كما ورد في التقرير، رصيداً علمياً متنوعاً في التخصصات الاقتصادية والهندسية والقانونية، ما يؤشر على توجه استراتيجي لتقوية البعد التقني والعلمي في مراقبة المال العام.

وفي إطار تجديد الموارد البشرية، أشار المجلس إلى تنظيم مباريات توظيف شملت 67 كفاءة جديدة سنة 2025، إلى جانب مباراة لتوظيف 43 ملحقاً قضائياً في تخصصات مختلفة، بهدف سد الخصاص ودعم الكفاءات الرقابية. كما تم إحداث 60 منصباً مالياً إضافياً ضمن مشروع ميزانية 2026 لتسريع تنفيذ مخطط التحديث 2022-2026، ولا سيما في ما يتعلق بـ التحول الرقمي والأمن السيبراني للمحاكم المالية.

الرقابة المالية… من المحاسبة إلى الحكامة

يتضح من تفاصيل التقرير أن المجلس لا يكتفي بالدور الكلاسيكي المتمثل في التدقيق والبت في حسابات الأجهزة العمومية (963 مركزاً محاسبياً وطنياً و1730 جهوياً)، بل يعزز أيضاً حضوره في القضاء التأديبي المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، ومعاقبة كل إخلال بالضوابط القانونية أو بمبادئ حسن التسيير.

كما يضطلع المجلس بمهام البت في طلبات الاستئناف ضد قرارات الغرف الجهوية، وهي صلاحية تؤكد استقلالية المؤسسة القضائية المالية في ترسيخ مبدأ عدم الإفلات من المحاسبة.

تحليل سياسي اجتماعي: الرقابة كرافعة لإعادة بناء الثقة العمومية

يأتي تقرير المجلس في سياق تنامي مطالب المجتمع المغربي بتفعيل المساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة بعد عقود من الإصلاحات القانونية التي ظلت في كثير من الأحيان دون أثر فعلي في محاربة الفساد وتبديد المال العام.

إن الرقم المعلن، الذي يتجاوز 150 ألفاً من الملزمين بالتصريح، ليس مجرد معطى إداري، بل مؤشر على اتساع دائرة الفاعلين العموميين الذين يجب أن يشملهم منطق الشفافية، من المنتخبين المحليين إلى كبار الموظفين.

كما يعكس تعزيز الموارد البشرية للمجلس توجهاً نحو تحويل الرقابة المالية من آلية بعدية إلى ممارسة استباقية وقائية، عبر التحول الرقمي والتدقيق الفوري في الصفقات العمومية والبرامج الترابية.

غير أن التحدي الأكبر، كما يرى مراقبون، يتمثل في مدى استقلالية المحاكم المالية عن التدخلات السياسية وقدرتها على تفعيل الأحكام وإحالة الملفات الحساسة على القضاء العادي عند الاقتضاء.

نحو ثقافة مؤسساتية جديدة

تؤشر هذه الدينامية على أن المغرب يسير نحو ثقافة مؤسساتية جديدة، حيث تصبح الشفافية والمساءلة ليس فقط مطلباً أخلاقياً، بل شرطاً لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.

وفي هذا الإطار، يبدو أن المجلس الأعلى للحسابات بصدد ترسيخ موقعه كـ فاعل دستوري مركزي في ضمان النزاهة العمومية، في لحظة دقيقة من التحول الاجتماعي والسياسي الذي يربط الإصلاح الإداري بمصداقية الدولة الحديثة.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button