
(كش بريس/التحرير)ـ يضع التحالف من أجل النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة يده على الجرح الاجتماعي العميق حين يصوغ تقييماً شاملاً لمدى وفاء المغرب بالتزاماته الدولية تجاه فئة ما تزال تبحث عن موطئ قدم في فضاء المواطنة الكاملة. فبين النصوص القانونية التي تبشّر بالإنصاف، والواقع الذي يشي باختلالات بنيوية مزمنة، تتسع الهوة بين الخطاب الحقوقي والممارسة اليومية.
التحالف، الذي يعمل بتنسيق مع شركائه من الجمعيات والمنظمات الحقوقية، يستعد لإصدار تقرير شامل يقيس درجة تنفيذ الدولة المغربية لتعهداتها بموجب الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وهو تقرير يُكمل مسار الرصد الذي بدأه سنة 2017، حين أطلق تقريرًا موازياً أول لرصد مدى تمتّع الأشخاص في وضعية إعاقة وأسرهم بحقوقهم دون تمييز.
ورغم الإقرار بتحقيق بعض التقدّم التشريعي والمؤسساتي، من خلال إصدار قوانين ومراسيم وإطلاق سياسات عمومية داعمة، فإن التحالف يشير إلى أنّ المشكل لم يعد في النص بل في النفاذ إليه؛ أي في غياب التنزيل العملي وضعف المتابعة، فضلًا عن التفاوت المجالي بين الجهات، ما يجعل بعض الحقوق امتيازًا جغرافيًا أكثر مما هو حقًّا وطنيًا.
تقييم التحالف توزّع على أربعة محاور كبرى: الولوج والمشاركة، التعليم والتكوين، الصحة والحماية الاجتماعية، والعمل والتشغيل. وفي كل محور تتبدّى معضلة التنسيق المؤسساتي وغياب الرؤية الحكومية الشمولية، إضافة إلى قصور في جمع المعطيات المحدثة، وهو ما يحدّ من إمكان قياس فعلي لمدى التقدّم في إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة.
وفي قراءة نقدية للمشهد، يبرز التحالف مفارقة صارخة: فبينما تتحدث السياسات العمومية عن الإدماج، ما زالت العديد من المؤسسات والمرافق العامة تفتقر لأبسط معايير الولوجيات. لذلك دعا التحالف إلى فرض عقوبات زجرية على كل من يخرق هذه المعايير، مع إشراك فعلي للجمعيات الممثلة للأشخاص في وضعية إعاقة في صياغة التصاميم الهندسية للمرافق العامة، حتى لا تظلّ لغة الإدماج مجرّد شعار.
وفي ميدان التعليم، يوصي التحالف بوضع خطة وطنية متكاملة للتعليم الدامج، تشمل تكوين الأساتذة على لغة الإشارة والتربية الخاصة، وتوفير المناهج والوسائل البيداغوجية المناسبة لجميع أنواع الإعاقة. أما في قطاع الصحة والحماية الاجتماعية، فيبرز التقرير الحاجة إلى عدالة مجالية في توزيع الموارد وضمان الولوج إلى الخدمات الأساسية دون تمييز.
أما في مجال العمل والتشغيل، فقد ركّز على أهمية خلق بيئات عمل ملائمة وتفعيل حصص التشغيل الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، مع مراقبة حقيقية لتطبيق القوانين، حتى لا تظلّ هذه الفئة خارج دورة الإنتاج والتنمية.
يُختتم تقرير التحالف بنداء فلسفي واجتماعي بليغ، إنّ حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة ليست مسألة إنسانية فحسب، بل هي امتحان أخلاقي لمدى نضج المجتمع والدولة معًا. فالإدماج لا يتحقق بالوعود، بل بالقدرة على تحويل الوعي الحقوقي إلى ممارسة يومية، تحفظ الكرامة، وتفتح للإنسان – كلّ إنسان – باب المشاركة في صناعة الحياة المشتركة.



