
ـ المندوبية السامية للتخطيط تكشف تباين فرص العمل بين الحضر والقرويين ـ
(كش بريس/التحرير)ـ في قراءة تحليلية للمعطيات التي كشفتها المندوبية السامية للتخطيط حول تطور سوق الشغل في المغرب خلال الفصل الثالث من سنة 2025، يتضح أن الاقتصاد الوطني يسير بخطى متأنية نحو التعافي، غير أن هذا التعافي ما زال هشًّا ومتفاوتًا من حيث الفئات والمجالات والجهات.
فقد سجل معدل البطالة انخفاضًا طفيفًا إلى 13,1% على المستوى الوطني، مقابل 13,6% في الفترة نفسها من السنة الماضية، أي بتراجع قدره نصف نقطة مئوية فقط، وهو تراجع لا يخفي حقيقة استمرار ارتفاع نسب البطالة في الفئات الحساسة:
النساء بنسبة 21,6%،
الشباب (15–24 سنة) بنسبة 38,4%،
وحاملو الشهادات بنسبة 19%.
هذا التفاوت البنيوي في البطالة يُعيد طرح سؤال عدالة توزيع النمو وفرص العمل بين الفئات الاجتماعية والمجالية، خصوصًا وأن المدن الكبرى ما زالت تستحوذ على الجزء الأكبر من المناصب الجديدة، في حين يعاني الوسط القروي من ضعف الاستثمار وضعف استيعاب اليد العاملة الشابة.
ورغم إحداث 167 ألف منصب شغل جديد، أغلبها في الوسط الحضري (164 ألف)، فإن هذه الزيادة لم تكن كافية لتقليص حجم البطالة البنيوية أو الحد من ظاهرة الشغل الناقص، التي ارتفعت إلى 11,1%، أي ما يعادل 1,199 مليون شخص.
هذا المؤشر يعكس، في عمقه، تزايد هشاشة العمل، حيث ترتفع نسبة العاملين بدوام جزئي أو في وظائف لا تتلاءم مع مؤهلاتهم، خصوصًا في قطاعي البناء والفلاحة اللذين يظلان أكبر خزّانين للشغل غير المستقر.
اقتصاديًا، يبرز التقرير تباينًا واضحًا في دينامية القطاعات الإنتاجية، قطاع الخدمات والبناء والأشغال العمومية يقودان النمو في التشغيل (94 ألف و90 ألف منصب على التوالي)،
في حين يستمر قطاع الفلاحة والغابة والصيد في النزيف بخسارة 47 ألف منصب، ما يعكس تأثره بالتقلبات المناخية وضعف الاستثمارات الإنتاجية المستدامة.
أما على المستوى الجهوي، فإن التمركز الاقتصادي حول محور الدار البيضاء–سطات (22,9%) يكرّس استمرار الخلل الترابي في فرص العمل، حيث تظل جهات الجنوب والشرق وفاس-مكناس الأكثر معاناة من البطالة.
من زاوية سوسيولوجية، يمكن القول إن الأرقام تُخفي توتراً اجتماعياً كامناً ناجماً عن ضعف الإدماج الاقتصادي للشباب والنساء، وعن اتساع الفجوة بين “العمل الكمي” الذي يضيف مناصب دون جودة، و“العمل النوعي” الذي يضمن كرامة الأجير واستقرار الدخل.
كما يبرز أن التحول نحو الشغل المؤدى عنه لا يعني بالضرورة تحسناً في جودة العمل أو الأمن الاجتماعي، بل قد يعكس إعادة توزيعٍ هشّ لمناصب الشغل بين قطاعات منخفضة الإنتاجية.
يُظهر التقرير أن سوق الشغل المغربي يعيش مرحلة انتقالية دقيقة، بين مؤشرات إيجابية على مستوى خلق فرص جديدة، ومؤشرات مقلقة على مستوى عدالة التوزيع، واستدامة التشغيل، وجودة العمل. ولذلك، فإن التحدي الحقيقي أمام السياسات العمومية لا يكمن فقط في خفض معدل البطالة الكلي، بل في تحقيق الإنصاف في التشغيل وبناء سوق شغل منتج يوازن بين الكفاءة والكرامة.





