
(كش بريس/التحرير)ـ في تطور دبلوماسي مفاجئ قد يعيد رسم خرائط التوازن في شمال إفريقيا، أعلن ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاص للشرق الأوسط، أن الولايات المتحدة تعمل على اتفاق سلام بين الجزائر والمغرب، وتأمل في تحقيقه خلال الستين يوماً المقبلة.
ويأتي هذا الإعلان في وقت ما تزال فيه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مقطوعة منذ أغسطس 2021، إثر توترات سياسية وإقليمية حادة فاقمها الخلاف حول قضية الصحراء المغربية
تحرك أمريكي لطيّ صفحة القطيعة:
قال ويتكوف، في مقابلة مع شبكة “سي بي إس نيوز” الأمريكية: “نعمل حالياً على ملف الجزائر والمغرب، فريقنا يعمل على ذلك، وسيكون هناك اتفاق سلام، في رأيي، خلال الستين يوماً المقبلة.”
ورغم أن المبعوث الأمريكي لم يشر صراحة إلى ملف الصحراء، فإنّ مسعد بولس، صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره للشؤون الإفريقية، أوضح في مقابلة مع قناة الشرق السعودية أن الجزائر تبدي رغبة في إيجاد حل نهائي لهذا النزاع، واستعداداً لتحسين العلاقات مع المغرب.
وقال بولس: “لقد التقيت الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخراً، ووجدت ترحيباً بإعادة بناء جسور الثقة مع الشعب المغربي ومع الملك محمد السادس. في النهاية، الشعبان شقيقان وجاران، تجمعهما قيم وتاريخ ومصالح مشتركة.”
خطاب الملك محمد السادس في صميم المبادرة:
اعتبر بولس أن خطاب الملك محمد السادس الأخير شكّل “منعطفاً تاريخياً”، إذ أكد فيه الملك عزمه على “العمل من أجل حلّ نهائي لقضية الصحراء في إطار يحفظ مصالح جميع الأطراف”. وأضاف بولس: “لقد كان الخطاب واضحاً في دعوته الصريحة إلى تجاوز الخلافات مع الجزائر، والعودة إلى منطق الأخوة وحسن الجوار.”
هذا الموقف المغربي، المدعوم من واشنطن وعدد من العواصم الغربية، يعكس وفق المراقبين تحولاً في مقاربة النزاع الإقليمي من منطق الصراع إلى منطق الحل السياسي الواقعي، خصوصاً بعد أن أصبحت مبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط تحظى بتأييد دولي متزايد من الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا.
توقيت حساس وتحركات موازية:
يأتي التحرك الأمريكي في ظرف دبلوماسي دقيق، تزامناً مع الاجتماع المرتقب لمجلس الأمن الدولي خلال الأسبوعين المقبلين لمناقشة تجديد ولاية بعثة “مينورسو” الأممية في الصحراء.
ويرى مراقبون أن واشنطن تسعى إلى تهيئة مناخ سياسي إيجابي بين الجزائر والمغرب قبل هذا الاستحقاق، في محاولة لتقريب وجهات النظر بشأن مستقبل الملف، وربما فتح مسار تفاوضي جديد تتقاطع فيه الدبلوماسية الأممية مع الرعاية الأمريكية المباشرة.
بين الواقعية السياسية والحذر الإقليمي:
رغم التفاؤل الأمريكي المعلن، تبدو الطريق نحو اتفاق سلام فعلي مليئة بالتعقيدات. فالعلاقات بين البلدين تمرّ بأعمق مستويات التوتر منذ عقود، والملف الصحراوي ما زال يمثل جوهر الخلاف الاستراتيجي بين الرباط والجزائر.
ومع أن الجزائر، وفق تصريحات بولس، أبدت “انفتاحاً على الحوار”، إلا أن موقفها الرسمي ما زال مرتبطاً بمطلب الاستفتاء على تقرير المصير، في مقابل تمسك المغرب بخطة الحكم الذاتي تحت سيادته.
ما وراء الوساطة الأمريكية:
يقرأ مراقبون التحرك الأمريكي الجديد ضمن عودة واشنطن إلى لعب دور الوسيط المؤثر في شمال إفريقيا بعد مرحلة من الانكفاء النسبي خلال إدارة بايدن.
ويبدو أن إدارة ترامب الثانية تسعى إلى توظيف إرث “اتفاقات أبراهام” ومقاربة “السلام مقابل التنمية” لإحداث اختراق جديد في المنطقة، عبر إنهاء القطيعة بين أكبر قوتين مغاربيتين.
لكنّ السؤال الأعمق، وفق بعض المحللين، هو: هل يمكن تحقيق سلام حقيقي بين الجزائر والمغرب من دون تسوية واضحة لقضية الصحراء؟
أم أن الوساطة الأمريكية تسعى أساساً إلى إعادة ضبط التوازنات الإقليمية في ظل المنافسة الدولية المتصاعدة في إفريقيا، خاصة بين واشنطن وبكين وموسكو؟
في النتيجة، تبدو المبادرة الأمريكية رهاناً جريئاً على الدبلوماسية الواقعية، لكنها في الوقت نفسه اختبار لمدى نضج الإرادتين الجزائرية والمغربية في تجاوز إرث القطيعة الطويلة.
فإذا ما نجحت واشنطن في تقريب المواقف، سيكون المشهد المغاربي أمام منعطف تاريخي يعيد إحياء حلم الاتحاد المغاربي، ويفتح الباب أمام مرحلة من الاستقرار الإقليمي والتنمية المشتركة.
أما إذا تعثرت المبادرة، فستبقى المنطقة تدور في حلقة مفرغة من الشكوك والاصطفافات، بانتظار مبادرة أكثر نضجاً وجرأة.