‏آخر المستجداتالمجتمع

التضخم الهادئ في المغرب.. بين الاستقرار الرقمي والهشاشة الاجتماعية

(كش بريس/ التحرير)ـ تكشف المعطيات الأخيرة الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط عن استمرار مسار الارتفاع الطفيف في الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك، بنسبة 0.4% على أساس سنوي خلال شهر شتنبر 2025، مما يعكس دينامية تضخمية محدودة لكنها ذات دلالة في سياق اقتصادي موسوم بالتقلبات الدولية وتداعيات التحولات المناخية والطاقية.

فعلى الرغم من أن نسبة التضخم المسجلة تبدو منخفضة من الناحية الكمية، فإن نوعية مكونات هذا الارتفاع تثير الانتباه؛ إذ إن الزيادة في المواد الغذائية بـ0.5% تمس بشكل مباشر الفئات الهشة والمتوسطة، وتنعكس على القدرة الشرائية للأسر في ظل استمرار الضغط على أسعار الخضر والفواكه واللحوم، مقابل تراجع محدود في الزيوت والسمك.

أما في المقابل، فإن انخفاض أسعار النقل بـ2.4%، الناتج عن تراجع كلفة المحروقات، يعكس جزئيا مرونة ظرفية مرتبطة بأسعار النفط العالمية، دون أن يُترجم بالضرورة إلى تحسن بنيوي في مؤشرات المعيشة أو استقرار دائم في تكاليف النقل والإنتاج.

من زاوية تحليلية أعمق، يعكس هذا الوضع ما يمكن وصفه بـ**«التضخم المتدرج»**، أي تضخم منخفض النسبة لكنه مستمر زمنيا، يكرّس نوعا من الاستقرار الهش الذي يخفي وراءه ضغوطا اجتماعية كامنة. فالفوارق المجالية المسجلة بين المدن (ارتفاع في الرشيدية والعيون والرباط مقابل انخفاض في الحسيمة ومكناس وفاس) تكشف عن تفاوت في ديناميات الأسعار بين المركز والهامش، وعن هشاشة في منظومة الضبط الترابي للأسعار.

على المستوى الاقتصادي الكلي، يوحي استقرار مؤشر التضخم الأساسي (باستثناء المواد ذات الأسعار المحددة والمتقلبة) بنسبة 0.3%، بأن الاقتصاد المغربي يتجه نحو مرحلة توازن رقمي دون توازن فعلي، إذ إن التحكم في التضخم لا يعني بالضرورة تحسنا في مستوى المعيشة، خاصة في ظل استمرار ارتفاع كلفة الخدمات الأساسية (المطاعم والفنادق بـ2.9%) بما يعكس ضغطا على الاستهلاك الحضري.

من زاوية استشرافية:

يشير هذا المسار إلى أن المغرب يقف على عتبة إعادة تشكيل سياسته السعرية والاجتماعية، في ضوء تحديات مزدوجة: حماية القدرة الشرائية دون الإضرار بالتوازنات الماكرو-اقتصادية. والانتقال من منطق ضبط الأسعار إلى منطق ضبط السوق والإنتاج، من خلال تعزيز العرض المحلي وتنويع مصادر التموين، خصوصا في القطاعات الغذائية.

فإذا استمرت الزيادات الطفيفة المتكررة في المواد الأساسية، قد يتحول التضخم «الهادئ» إلى تضخم بنيوي زاحف يصعب التحكم فيه لاحقًا، ما لم تُعزز السياسات العمومية آليات المراقبة والتوزيع العادل، وتُحفَّز سلاسل الإنتاج الوطني لمواجهة التقلبات الخارجية.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button