‏آخر المستجداتالمجتمع

التهراوي: برنامج لتأهيل المستشفيات وتوسيع العرض الصحي… والإصلاح الصحي بين الطموح والاختبار

(كش بريس/ التحرير)ـ قال وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي إن الوزارة بصدد تنفيذ برنامج وطني جديد لتأهيل جميع المستشفيات العمومية، بالتوازي مع مواصلة بناء مستشفيات جديدة ضمن البرمجة الجارية، في إطار مسار إصلاحي واسع يشمل البنية التحتية والموارد البشرية والتنظيم المؤسساتي للقطاع.

وأوضح الوزير، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب اليوم الاثنين، أن سنة 2025 شهدت التحاق 1204 أطباء اختصاصيين جدد، مما سمح – وفق تعبيره – بـ”معالجة نقص متراكم منذ أربع سنوات”، مشيراً إلى رفع عدد المقاعد الدراسية بكليات الطب والصيدلة إلى نحو 3000 مقعد سنوياً لمواجهة العجز المستمر في الأطر الطبية.

ورش إصلاحي واسع.. لكن بتحديات بنيوية:

اعتبر التهراوي أن قطاع الصحة يعيش اليوم تحولات عميقة تعكس “تغييراً جذرياً في طريقة تدبير الصحة العمومية”، من خلال ما وصفه بـ”ورش إصلاح شامل يجعل النظام الصحي أكثر فعالية وقرباً من المواطن”.

وأشار إلى أن هذا الإصلاح لم يتوقف عند إحداث مؤسسات وهيئات جديدة – مثل الهيئة العليا للصحة والوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية والوكالة المغربية للدم ومشتقاته – بل شمل أيضاً تجريب نموذج المجموعات الصحية بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة، التي تضم 22 مستشفى و295 مركزاً صحياً ضمن هيكلة موحدة تربط المستشفى الجامعي بالمستشفيات الجهوية والمحلية.

وأكد الوزير أن هذا النموذج يهدف إلى تحقيق استقلالية التدبير وربط المسؤولية بالمحاسبة، إلى جانب العدالة في توزيع الموارد البشرية، مع اعتماد نظام معلوماتي جهوي موحد يسمح بتتبع المسار العلاجي للمريض وتحسين جودة الخدمات.

زيادة في الميزانية… ولكن ماذا عن المردودية؟:

التهراوي أعلن كذلك عن رفع ميزانية وزارة الصحة من 32 إلى 42 مليار درهم في إطار مشروع قانون مالية 2026، أي زيادة بنسبة 30 في المائة، مؤكداً أن الهدف هو تعزيز العرض الصحي وتحسين الخدمات عبر تجهيز المستشفيات وتوسيع التغطية.

غير أن هذه الزيادة، رغم أهميتها الكمية، لا تجيب بالضرورة عن التحديات الهيكلية التي يعاني منها القطاع، مثل الخصاص الحاد في الأطباء والممرضين، وضعف الحكامة الإدارية، وتفاوت الخدمات بين المدن والقرى، وغياب العدالة المجالية في توزيع المعدات والتجهيزات.

إصلاح البنية أم إصلاح المنظومة؟:

خطاب الوزير يعكس تصوراً تكنوقراطياً للإصلاح الصحي يقوم على مقاربة مؤسساتية وإجرائية، تُركّز على البناء والهيكلة والتجهيز، أكثر مما تنفذ إلى جوهر الأزمة الصحية في المغرب، وهي أزمة الثقة والفعالية والمردودية.

فإحداث مؤسسات جديدة ورفع الميزانية خطوات إيجابية، لكنها تظل جزءاً من الحل لا كلّه، إذا لم تُرفق بإصلاحات حقيقية في تدبير الموارد البشرية وتحفيز الكفاءات والشفافية في التعيينات والصفقات العمومية.

كما أن الحديث عن “استقلالية المستشفيات” يطرح سؤالاً دقيقاً حول مدى قدرة الجهات على تحمل هذه الاستقلالية في ظل ضعف بنياتها الإدارية والمالية، وحول حدود العلاقة بين المحاسبة والمسؤولية في قطاع يتداخل فيه القرار السياسي بالبيروقراطية المركزية.

الإصلاح الحقيقي، كما يرى المتتبعون، لا يكمن فقط في إعادة تأهيل الجدران والمباني، بل في إعادة تأهيل فلسفة الصحة العمومية نفسها: من منطق التسيير التقني إلى منطق العدالة الصحية والحق في العلاج باعتباره حقاً دستورياً وليس خدمة مشروطة بالميزانية.

الصحة بين الوعود والواقع:

يبقى السؤال الجوهري اليوم: هل سيترجم البرنامج الجديد للتحول الصحي تحسناً ملموساً في حياة المواطنين وجودة الخدمات؟ أم سيبقى ضمن سلسلة الإصلاحات المعلنة التي تصطدم بجدار البيروقراطية والعجز البشري وضعف التنسيق بين المركز والجهات؟

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button