‏آخر المستجداتبقية العالم

الجزائر تحاول طمس فضيحة بتصدير أزمة جديدة مع فرنسا.. إصدار مذكرتي اعتقال ضد الكاتب كمال داود

‏كتب: وليد كبير *

‏بينما تستعد العدالة الفرنسية لتوجيه اتهامات ثقيلة إلى أعضاء في البعثة الدبلوماسية الجزائرية في باريس، على خلفية تورطهم في قضايا ذات صلة بالإرهاب، اختار النظام الجزائري كعادته أسلوب الهروب إلى الأمام. وبدل الرد على ما كشفه التحقيق الفرنسي من خيوط متشابكة لعمليات استخباراتية قذرة، وصلت حد تهديد أمن المعارضين الجزائريين المقيمين في فرنسا، أطلق النظام قنبلته الدخانية: إصدار مذكرتي توقيف دوليتين ضد الكاتب الجزائري الفرنسي كمال داود.

‏الرسالة واضحة: النظام يحاول يائسا تغطية الشمس بالغربال وكل من يتجرأ على نبش ذاكرة العشرية السوداء، أو يسلط الضوء على سنوات الرعب، سيكون هدفا لمقصلة النظام. وكمال داود، الذي لم يفعل أكثر من تأدية واجبه ككاتب ملتزم، أراد المساهمة في كتابة تاريخ لم يُكتب بعد، وفتح جراحا لم تندمل لأن الجلاد ما زال حيا طليقا… بل حاكما.

‏وبدلا من مواجهة هذه الفضيحة غير المسبوقة بشجاعة ومسؤولية، لجأ النظام إلى الأسلوب الذي يتقنه: تصدير الأزمة عبر تلفيق اتهامات ثقيلة لشخصية ثقافية مستقلة، في محاولة يائسة لتحويل الأنظار عن تورط رسمي في أعمال تصفية محتملة بالخارج.

‏من باريس إلى الجزائر: قلب للحقائق وتضليل للرأي العام

‏المثير أن عصا القضاء التي لوح بها النظام ضد الكاتب كمال داود، عبر إصدار مذكرتي توقيف دوليتين، جاءت قبل أيام فقط من نشر صحيفة Le Journal du Dimanche لتحقيق خطير يكشف تورط عناصر من البعثة الدبلوماسية الجزائرية في باريس في عمليات تهديد وتجسس ضد معارضين جزائريين، أبرزهم “أمير ديزاد”.

‏التحقيق، الذي فجر موجة استياء داخل الأوساط الحقوقية والإعلامية في فرنسا، أشار بوضوح إلى أن وزارة الخارجية الفرنسية طلبت رسميا من الجزائر رفع الحصانة عن السكرتير الأول في السفارة الجزائرية بباريس، تمهيدا لاستدعائه من قبل قضاة مكافحة الإرهاب.

‏هذه المعطيات تضع عسكرDz في موقف شديد الحرج، وتُفسر سلوكه المريب باللجوء إلى الهجوم الإعلامي والقضائي ضد كاتب حر، في محاولة لتوجيه الأنظار بعيدا عن الفضيحة الحقيقية التي تهدد بتشويه سمعة الدولة الجزائرية على المستوى الدولي، لا سيما في فرنسا التي تشهد توترا متزايدا في علاقاتها مع الجزائر.

‏كمال داود… الجريمة: الكتابة عن الحقيقة

‏الكاتب كمال داود، الحائز على جائزة غونكور 2024، هو صوت من القلائل الذين رفضوا الصمت أو التواطؤ. روايته “حوريات”، التي استندت جزئيا إلى شهادة حقيقية، لم تكن اعتداء على الخصوصية كما يروج النظام، بل صرخة في وجه النسيان. صرخة مؤلمة تذكر بأن العشرية السوداء لم تكن فقط أحداثا مؤلمة، بل جريمة سياسية بحق شعب بأكمله المتهم الاول فيها هو النظام الانقلابي.

‏ولأن صوت داود أقوى من أن يُسكت، جندت أجهزة النظام أبواقها الإعلامية لمهاجمته، وفي مقدمتها صحيفة Le Soir d’Algérie المقربة من السلطة، التي خصصت غلاف عددها الصادر اليوم الأحد 11 ماي 2025 بعنوان تحريضي صادم:

‏”الاغتصاب، الجريمة وتزوير التاريخ!”

‏هي محاولة فجة لتشويه صورة الكاتب، وإظهاره كخطر على الوطن، لا لشيء سوى لأنه تجرأ على سبر أغوار تاريخ دموي يريد النظام طمسه من ذاكرة الجزائريين.

‏من يتابع السلوك السياسي للنظام الجزائري في السنوات الأخيرة، لا يُفاجأ. فحين تُكشف فضيحة أو ترتفع أصوات تطالِب بالحقيقة، يلجأ النظام إلى أساليب التمويه وتصدير الأزمات، عبر خلق أعداء وهميين أو تلفيق ملفات قضائية ضد الكتاب والمعارضين.

‏لكن ما يُميز هذا المشهد تحديدا، أن خيوط القضية الفضيحة لا تتوقف عند أفراد في البعثة الدبلوماسية بباريس، بل تمتد لتطال هرم السلطة نفسه. فكل التقارير والمؤشرات تدل على أن ما حدث – من تهديدات، وملاحقات، وتجسس على معارضين في أوروبا – لم يكن ليقع دون علم وموافقة أعلى السلطات في البلاد. أي أن الرئيس عبد المجيد تبون، ورئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة، هما المسؤولان المباشران عن هذه الانزلاقات الخطيرة.

وإذا ما ثبتت التهم وأدان القضاء الفرنسي دبلوماسيين جزائريين بتهم تتعلق بالإرهاب، فإن ذلك سيكون ضربة قاصمة لصورة الدولة الجزائرية التي طالما رفعت شعار “مكافحة الإرهاب” في المحافل الدولية، والأسوأ من ذلك، أن وضع أسماء دبلوماسيين جزائريين في النشرة الحمراء لشرطة الإنتربول سيحول كل من يشتغل في البعثات الدبلوماسية الجزائرية عبر العالم إلى شخص مشبوه. ويا للفضيحة!

ـ الصورة من صفحة الكاتب وليد كبير بالفيس بوك ـ

*إعلامي وسياسي جزائري (تنشر باتفاق مع المؤلف)

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button