
(كش بريس/ التحرير)ـ
الرباط – في اجتماع وزاري عقد اليوم الثلاثاء، جدد رئيس الحكومة عزيز أخنوش تأكيده على أن ورش تعميم الحماية الاجتماعية يشكل أولوية وطنية لا رجعة فيها. اللقاء، الذي جمع اللجنة الوزارية لقيادة إصلاح المنظومة، تحوّل إلى محطة لإعلان حصيلة “مبهرة” بالأرقام، لكنها في الوقت نفسه تطرح أسئلة ملحّة حول الاستدامة وجودة الخدمات.
قفزة في التسجيل والتغطية
بحسب معطيات رئاسة الحكومة، يواصل التسجيل في السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد تقدمه بوتيرة مستقرة؛ إذ بلغ عدد المسجلين نحو 22.5 مليون شخص، بينما سجلت 5.3 ملايين أسرة في السجل الاجتماعي. أما التغطية الصحية فشهدت قفزة لافتة، إذ ارتفع عدد المستفيدين من مختلف أنظمة التأمين الإجباري (أمو تضامن، أمو الأجراء، أمو غير الأجراء، أمو الشامل) من 8.6 ملايين سنة 2021 إلى 24.3 مليون مستفيد بنهاية 2024.
نظام “أمو-تضامن” وحده يغطي اليوم حوالي 11 مليون شخص، مع أكثر من 102 ألف ملف يودع يومياً لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مقابل 93 ألف ملف فقط في الفترة نفسها من العام الماضي. كما ساهم نظام المعاشات لفائدة المهنيين والعمال المستقلين (AMO-TNS) في فتح باب التغطية الصحية أمام 4.28 ملايين مستفيد، بين مؤمَّنين رئيسيين وذوي حقوقهم.
دعم مباشر يغير المعادلة
لم تقتصر الحصيلة على الجانب الصحي. فبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر، الذي انطلق في دجنبر 2023، وصل إلى نحو 4 ملايين أسرة، بينها 5.5 ملايين طفل وأكثر من 1.3 مليون شخص تجاوزوا الستين. ومنذ انطلاقه، تم صرف حوالي 40.5 مليار درهم، 60% منها لصالح أسر في العالم القروي.
ولتعزيز فرص التمدرس، أطلقت الحكومة دعماً إضافياً استثنائياً استفادت منه 1.8 مليون أسرة هذا الموسم الدراسي، ما مكّن 3.2 ملايين تلميذ من مواجهة أعباء الكتب واللوازم المدرسية.
إنجازات تعكس طموحاً… وأسئلة بلا أجوبة
هذه الأرقام، بلا شك، تمثل تحولاً نوعياً في مسار العدالة الاجتماعية بالمغرب، وتدل على بنية رقمية وإدارية أكثر كفاءة مقارنة بسنوات سابقة. غير أن توسّع قاعدة المستفيدين بهذا الحجم يفرض تحديات كبرى، في مقدمتها استدامة التمويل. فالبيان الحكومي نفسه لمح إلى ضرورة “رفع التحديات المتعلقة بالاستخلاص”، ما يعني أن تحصيل الاشتراكات وتوسيع الوعاء الضريبي سيكونان اختباراً حقيقياً.
ثمّة أيضاً مخاطر بيروقراطية: كيف ستضمن الحكومة تحديث بيانات 22.5 مليون مسجل وتفادي التزوير أو التلاعب؟ وما الضمانة أن تتحول هذه التغطية إلى خدمات صحية ذات جودة، وليست مجرد بطاقات تأمين شكلية؟
البعد السياسي والاقتصادي
سياسياً، يشكل هذا الورش ورقة قوة لرئيس الحكومة وحزبه، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. أما اقتصادياً، فنجاحه مرتبط بقدرة الدولة على تأمين تمويل مستدام، في وقت يشهد الاقتصاد العالمي تقلبات وأسعار طاقة متقلبة قد تؤثر على الميزانية.
خاتمة
يبدو أن المغرب يقترب من تعميم الحماية الاجتماعية على أوسع نطاق في تاريخه، وهي قفزة تضعه في مصاف الدول التي تراهن على العدالة الاجتماعية كرافعة للتنمية. لكن وراء الأرقام اللامعة تختبئ أسئلة حقيقية: من أين سيأتي التمويل على المدى الطويل؟ وهل ستواكب جودة الخدمات هذا التوسع السريع؟
إنه مشروع وطني طموح يثير الأمل، لكنه يحتاج إلى شفافية أكبر ومؤشرات دقيقة لقياس أثره على الفقر والصحة، حتى لا يتحول إلى إنجاز رقمي بلا روح.