‏آخر المستجدات‏أخبار وطنية

المغرب في نادي أكبر خمسين قطاعًا عموميًا عالميًا وفق تقرير البنك الدولي

(كش بريس/التحرير)ـ كشف تقرير “التنمية في العالم 2025” الصادر عن البنك الدولي عن ملامح خريطة عالمية متحوّلة للقطاع العام، حيث يُظهر توزّع القوة العاملة الحكومية عبر الدول بوصفه مؤشرًا يكشف حدود قدرة الحكومات على تنفيذ السياسات وتطبيق المعايير على أرض الواقع. وفي هذا السياق، يبرز المغرب ضمن خمسين دولة تشكّل النواة الكبرى للقطاع العمومي عالميًا، وهو موقع يعكس حجم جهاز الدولة وتعقّد مهامه، كما يعيد طرح أسئلة جوهرية حول فعالية المعايير، وترجمة النصوص القانونية إلى ممارسة مؤسسية منسجمة.

ويظهر المغرب ضمن الكتلة العالمية الكبرى للقطاع العام، وهي مجموعة من خمسين دولة توظّف مجتمعة نحو 361 مليون عامل، من أصل 373 مليون يشكّلون إجمالي القوة العاملة في القطاع العمومي عالميًا، وفق تقديرات التقرير.

ويوضع المغرب في الشريحة “المتوسطة–الصغرى” من حيث حجم القطاع العام، إلى جانب دول مثل كولومبيا وتونس وتنزانيا وميانمار؛ وهي بلدان تشترك في خصائص بنيوية متقاربة على مستوى الدخل والحجم الديمغرافي وتاريخ تدخل الدولة في الخدمات الاجتماعية. وتواجه هذه المجموعة تحديات متشابهة في ضبط التوظيف العمومي، وتطبيق المعايير الإدارية، وتقليص الفجوة بين النص القانوني والممارسة اليومية داخل المؤسسات.

ويعتبر التقرير أن هذه الدول توجد في وضع “انتقالي”: فهي ليست من الاقتصادات الكبرى ذات القطاعات العمومية المتضخمة تاريخيًا، وليست من الدول الصغيرة التي تظل فيها الهياكل الإدارية محدودة العبء، بل تنتمي إلى منطقة وسطى تتطلب تقوية بنية الدولة المؤسسية وتطوير آليات تنفيذ المعايير لضمان نجاعة أكبر في الأداء الحكومي.

في المقابل، تتصدّر القائمة دول عملاقة كالصين والهند والولايات المتحدة، التي تستحوذ على الحصة الأكبر من التوظيف العمومي عالميًا، إلى جانب البرازيل وروسيا ضمن الخمسة الأوائل. ويعكس ذلك ثقلها الديمغرافي والاقتصادي واتساع المهام الموكلة للدولة داخلها.

ويشير التقرير إلى أن هذه الاقتصادات الكبرى تواجه تحديات من نوع خاص، إذ يؤدي الحجم الضخم للقطاع العام فيها إلى تعقيد الهياكل البيروقراطية وتشعّب مهامها، ما يجعل تطبيق المعايير على نطاق وطني واسع مهمة تتطلب قدرات تنفيذية وتكنولوجية كبيرة لضمان الجودة والاتساق.

ويؤكد التقرير أن تضخم القطاع العام عالميًا يشكّل تحديًا محوريًا أمام حكومات الدول النامية والمتوسطة الدخل؛ فكلما اتّسع جهاز الدولة وتعددت مؤسساته ازدادت صعوبة تطبيق المعايير في التوظيف وتدبير الموارد البشرية والرقابة المالية والمشتريات العمومية. ويرد التقرير بوضوح على ظاهرة “الاختناق البيروقراطي”، الناتج عن اتساع الجهاز الإداري مقابل محدودية الموارد التنظيمية، وهو ما يضع الدول ضمن مجموعة الخمسين، ومنها المغرب، أمام امتحان تحويل النصوص والمعايير المكتوبة إلى ممارسات مؤسسية فعّالة.

ويشدّد التقرير على أن حجم القطاع العام لا يرتبط بالدخل وحده؛ بل يتداخل مع البنية الاقتصادية، والتاريخ الإداري للدولة، وطبيعة التوسع في الخدمات الاجتماعية الأساسية. ورغم أن الدول ذات الدخل المرتفع تتصدر عادة حجم القطاع العمومي، إلا أن دولًا متوسطة الدخل، ومنها المغرب، تظهر في قوائم مماثلة بسبب الطلب العالي على الوظائف العمومية وتاريخ تدخل الدولة في قطاعات واسعة مثل التعليم والصحة والإدارة الترابية. ويؤكد التقرير أن هذه الظاهرة ليست سلبية في جوهرها، لكنها تتطلب مستوى عاليًا من الضبط المؤسسي وتطبيق صارم للمعايير.

ويُبرز التقرير أن الإشكال الحقيقي لا يكمن في “وجود” المعايير بقدر ما يكمن في “إمكانية تطبيقها”. فمعايير التوظيف القائمة على المباريات الشفافة وتقييم الكفاءات تظل دون أثر فعلي إذا لم تُطبَّق بشكل واسع ومتجانس بين مختلف الوزارات والإدارات. ويؤدي التفاوت في تطبيق القواعد داخل الدولة نفسها إلى اهتزاز الثقة في الخدمة العمومية وإضعاف نجاعة المؤسسات.

وفي الاتجاه نفسه، يلفت التقرير الانتباه إلى أهمية “البنية التحتية للجودة” في مجالات الاختبارات والمطابقة والاعتماد والمراقبة، مبيّنًا أن الدول متوسطة الدخل تحتاج إلى استثمارات كبيرة لتوحيد المعايير عبر أجهزة الدولة. كما يشير إلى أن ضعف البنية التقنية للاختبارات والمختبرات يثقل كاهل الشركات المحلية، ويعرقل انسيابية الصادرات، ويحدّ من قدرة الاقتصادات الصاعدة على الاندماج في سلاسل القيمة العالمية.

ويخلص التقرير إلى أن الدول التي نجحت في تقليص “فجوة الامتثال”—أي الفارق بين التشريع والممارسة—حققت مكاسب مهمة في جودة الخدمات العمومية. ويعرض نماذج لبلدان استثمرت في قدرات مؤسساتية وتقنية دقيقة مكّنتها من ضبط عمليات التوظيف، ومنع الانحرافات، وتقليص التفاوت في تطبيق القواعد بين الوحدات الإدارية. ويؤكد أن بناء هذه القدرة المؤسسية يتطلّب إرادة سياسية واستثمارات منتظمة في الموارد البشرية والرقمية والتقنية.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button