
(كش بريس/ التحرير)ـ
في خطاب يجمع بين جرأة الإصلاح وحسّ الإنسانية، رسم عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، معالم مسار تشريعي جديد يسعى إلى تفكيك فلسفة العقوبة التقليدية، وإعادة بناء السياسة الجنائية المغربية على أسس “العدالة التصالحية” وبدائل العقوبات السالبة للحرية. وجاءت تصريحاته، في جواب كتابي على سؤال برلماني، لتؤكد أن المغرب يدخل مرحلة مفصلية تجعل من إعادة الإدماج وحماية الفئات الهشة ركيزتين أساسيتين.
وهبي أوضح أن وزارته أدخلت تعديلات جوهرية على مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية، بعضها صودق عليه وبعضها ما زال قيد المناقشة، بهدف “تفعيل البعد الإصلاحي للعقوبات”. وتشمل هذه التعديلات:
- تقليص مدد السجن لصالح عقوبات بديلة أو جنحية.
- منح قاضي تطبيق العقوبة صلاحيات أوسع في الإكراه البدني ورد الاعتبار.
- استحداث بدائل للدعوى العمومية ونظام تخفيض تلقائي للعقوبة مرتبط بحسن سلوك السجين.
- تمكين النيابة العامة من إدماج العقوبات عند تعدد الجرائم، بما يخفف قسوة الأحكام ويوسع هامش العدالة التصالحية.
في قضايا الأحداث، تذهب الوزارة أبعد من مجرد النصوص، عبر مبادرة “مشروع حياة”، برنامج فردي لكل نزيل قاصر يرافقه تعليمياً وتكوينياً حتى بعد الإفراج، لضمان إعادة إدماجه وقطع الطريق على عودة القاصر إلى مسالك الجريمة.
الوزير شدد على أولوية القضايا ذات الصلة بالمخدرات، لكونها تمس نسبة كبيرة من النزلاء، مع التركيز على الفئات الهشة: المدمنون، الأمهات، الحوامل، المرضعات، وذوو الاحتياجات الخاصة. وأعلن عن تكثيف آليات الإفراج المبكر والعفو والإفراج المقيد بشروط، بهدف تحفيز السلوك القويم وتخفيف الاكتظاظ داخل السجون، وهو ملف يؤرق المنظومة العقابية منذ سنوات.
ولتعزيز الرؤية العلمية في مواجهة الجريمة، كشف وهبي عن إحداث المرصد الوطني للإجرام داخل مديرية الشؤون الجنائية والعفو، تطبيقاً لتوصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة والتوجيهات الملكية. مهمته: تحليل أسباب الجريمة واستشراف الحلول الوقائية بدل الاكتفاء بردود الأفعال العقابية.
يأتي هذا التحول – كما يشدد الوزير – في إطار التوجيهات الملكية السامية التي تضع كرامة النزلاء في صلب السياسة العقابية، وتنسجم مع الدستور الذي يكفل للمعتقلين حقوقهم داخل فضاءات إنسانية تتيح لهم العودة إلى المجتمع كمواطنين منتجين.
هذا المسار يعكس قناعة رسمية بأن الاكتفاء بالعقوبات السالبة للحرية لم يعد مجدياً أمام تحولات المجتمع وارتفاع نسب العود. فـالعدالة التصالحية التي يتبناها المغرب تنقل التركيز من “قصاص يردع” إلى “إصلاح يدمج”، مستندة إلى تجارب دولية تُظهر أن خفض الاكتظاظ السجني وتوفير فرص إعادة التأهيل يقلصان الجريمة على المدى الطويل.
بهذه الخطوات، يضع وهبي ووزارته المغرب أمام ثورة قانونية هادئة: عدالة توازن بين هيبة القانون وحق الفرد في فرصة ثانية، لتتحول السجون من أماكن للعقاب إلى مختبرات لإعادة البناء المجتمعي.