‏آخر المستجداتالمجتمع

اليسار المغربي بين هتاف الشارع ونداء التجديد: حين تلتقي الحركات التقدمية بروح الجيل زد”

(كش بريس/التحرير)ـ في خضمّ تصاعد الاحتجاجات الشبابية بالمغرب، والتي حملت عنوانًا عفويًا وفاعلًا في آن: “حراك الجيل زد”، وجدت قوى اليسار نفسها أمام لحظة سياسية حاسمة، تُعيد اختبار علاقتها بالشارع من جهة، وبذاتها الفكرية والتنظيمية من جهة أخرى.
ففي لقاء موسّع احتضنته الرباط، اجتمعت أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، الحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي العمالي، إلى جانب عدد من النقابات والجمعيات التقدمية، أبرزها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وأطاك المغرب، والكنفدرالية الديمقراطية للشغل، والجامعة الوطنية للتعليم، في خطوة تعكس محاولة لإعادة ترميم الجبهة الاجتماعية اليسارية التي غابت طويلاً عن نبض الشارع.

اللقاء لم يكن مجرد جلسة تضامن عابرة، بل نقاشًا حادًا حول كيفية الانخراط الفعلي في الدينامية الجديدة التي أطلقها الشباب، دينامية تجاوزت الوسائط التقليدية للحشد السياسي، وصاغت لغتها الخاصة في فضاءات التواصل الاجتماعي والاحتجاج الميداني.

وأكدت التنظيمات المجتمعة دعمها الكامل للمطالب الاجتماعية والاقتصادية العادلة التي رفعها الشباب، معتبرة أن ما يجري ليس تمردًا فجائيًا، بل نتيجة مباشرة لعقود من الاختيارات النيوليبرالية التي عمّقت الفقر والتهميش وأفرغت العدالة الاجتماعية من مضمونها.
وفي لهجةٍ ناقدة، طالبت هذه القوى بالإفراج الفوري عن المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الأخيرة، وبفتح تحقيق شفاف في مقتل ثلاثة شبان بمدينة القليعة، وهي الحادثة التي تحولت إلى رمز لليأس المتفاقم داخل الأوساط الشعبية.

لكن خلف لغة البيانات، يلوح سؤال أكثر عمقًا:
هل يستطيع اليسار المغربي أن يستعيد دوره التاريخي في التأطير والتوجيه، أم أنه يكتفي الآن بدور المساند الأخلاقي لحراك لا ينتظر وساطة أحد؟
ذلك أن الجيل الجديد، بخطابه اللامركزي ورمزيته الرقمية، يختبر بجرأة حدود التنظيمات التقليدية، التي وإن عبّرت عن دعمها، فإنها تدرك أن ما يجري يتجاوزها بنيويًا وخطابيًا.

الحراك الحالي ليس فقط صرخة ضد الغلاء أو البطالة، بل هو نقد شامل لمنظومة التنمية المغربية التي أخفقت في ربط العدالة الاجتماعية بالكرامة الإنسانية. فالجيل زد لا يطالب برغيف الخبز وحده، بل بإعادة تعريف معنى المواطنة والانتماء، في بلد يُنفق المليارات على التظاهرات الرياضية والبنى الرمزية، بينما تُترك قرى ومناطق منكوبة تواجه قدرها منفردة.

إن المعضلة اليوم لا تكمن في الاحتجاج ذاته، بل في عجز الدولة عن إنتاج استجابات سياسية واقعية تتجاوز خطاب التهدئة. فكل تأخير في الإصلاح الاجتماعي الحقيقي يُعمّق الفجوة بين الحاكمين والمواطنين، ويفتح المجال أمام احتجاجات أكثر عنفًا واتساعًا.

اللقاء اليساري الأخير، رغم أهميته الرمزية، يضع هذه التنظيمات أمام امتحان مزدوج:
هل تملك الشجاعة لتجديد مشروعها الفكري وربطه بقضايا الشباب الفعلية؟
وهل تستطيع تحويل الدعم الخطابي إلى تنظيم اجتماعي فعّال يُعيد الثقة في العمل السياسي؟

الجيل زد لا ينتظر إجابات جاهزة، بل يفرض أسئلته بقوة الواقع، مذكّرًا الجميع بأن التاريخ لا يرحم من يتأخر عن زمنه.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button