
(كش بريس/التحرير)ـ أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن “طبيعة الانتهاكات المسجلة خلال سنة 2024 لا تختلف كثيرًا عن سابقاتها”، معتبرة أن هذا الاستمرار “يعكس اختيارات سياسية واضحة وليست مجرد إجراءات ظرفية عابرة”.
وفي ندوة صحافية عقدتها بمقرها المركزي بالرباط، سجلت الجمعية “تزايد استهداف عدد من صناع المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي، بدعوى نشر محتوى ‘تافه’ أو ‘مسيء للقيم’، خاصة عبر منصة ‘تيك توك’”، مضيفة أن “عددا من المؤثرين الشباب تعرضوا للاعتقال بتهم التحريض على الفساد الأخلاقي أو التشهير أو المس بالحياة الخاصة، في غياب ضمانات المحاكمة العادلة واحترام قرينة البراءة”.
وأضافت الجمعية أن هذه المتابعات جاءت في سياق “ملفات فُتحت تحت عنوان محاربة التفاهة”، وأن بعض الأحكام بلغت “عقوبات سالبة للحرية تفوق ثلاث سنوات”، مقابل “غياب أي متابعة قانونية لقنوات إعلامية ممولة من المال العام، رغم تورطها في حملات تشهير ممنهجة ضد نشطاء وصحافيين ومواطنين”.
كما حمّلت الجمعية السلطات “مسؤولية مباشرة وغير مباشرة” عن انتهاكات طالت “الحق في الحياة”، مشيرة إلى وفيات ناجمة عن “غياب شروط السلامة في أماكن العمل والأوراش، ووفيات داخل المستشفيات والسجون، وحوادث الغرق في الوديان والسدود، أو خلال محاولات الهجرة غير النظامية”.
وسجلت الجمعية كذلك “استمرار تدهور القدرة الشرائية للشغيلة والفئات الواسعة من المواطنين، بفعل ارتفاع أسعار المواد والخدمات الأساسية، واستفحال الفساد والاحتكار والمضاربات”، مؤكدة أن الوضع يزداد تعقيدًا بفعل سنوات الجفاف المتتالية التي أثّرت بشكل كبير على سكان العالم القروي.
وتوقف التقرير عند “غياب استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب”، وبـ“عدم قيام الآلية الوطنية لمراقبة أماكن الاحتجاز بالأدوار المنوطة بها”، مشيرًا إلى “ضعف تجاوب المؤسسات الرسمية، ومن ضمنها المجلس الوطني لحقوق الإنسان وجهاز العدالة، مع المراسلات والشكايات”.
كما انتقدت الجمعية “تعطل مسار إصلاح المنظومة الجنائية لجعلها منسجمة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان”، وخاصة في ما يتعلق بضمانات المعتقلين، والتواصل مع المحامين والأسر، وإجراء الخبرات الطبية المستقلة، وإحداث سجل وطني للاعتقال يمكن الاطلاع عليه، واعتماد آليات تقنية لمراقبة أماكن الاحتجاز.
وفي ما يخص حرية الرأي والتعبير، سجل التقرير أن عدد المعتقلين بالسجون بلغ 105 أشخاص خلال سنة 2024، ضمنهم “أكثر من 67 معتقلًا أو متابعًا على خلفية آرائهم ومواقفهم”. وأشار إلى استمرار اعتقال ستة من نشطاء حراك الريف بأحكام تتراوح بين عشرين وعشر سنوات، إلى جانب استمرار الاعتقال طويل الأمد لمعتقلي ملف “كديم إيزيك” وعددهم 19 شخصًا.
وفي محور الحق في السكن، أوضح التقرير أن إنتاج الوحدات السكنية ارتفع بنسبة 5.60 في المائة مقارنة بسنة 2023، إلا أن هذا الارتفاع “لا يزال غير كاف لسد العجز المزمن”، مع تسجيل “معاناة كبيرة لضحايا زلزال الأطلس نتيجة بطء إعادة الإعمار”، واستمرار مخاطر المنازل الآيلة للسقوط في الأحياء العتيقة.
ولفتت الجمعية إلى “التجاهل الكامل لوضع الأشخاص المشردين وغياب مراكز إقامة طارئة تحفظ كرامتهم”.
ورغم إشادتها ببعض الخطوات الرمزية لصالح الأمازيغية، مثل تشوير الطرقات بتيفيناغ واستعمال اللغة في بعض المواقع الرسمية والاعتراف برأس السنة الأمازيغية، إلا أنها اعتبرت أن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية “يشوبه بطء كبير ومظاهر مماطلة”، مع بقاء الإعلام والتعليم خارج مسار الإنصاف اللغوي.
وفي ما يتعلق بأوضاع الطفولة، سجل التقرير “تراجعًا خطيرًا”، مع تزايد حالات الاعتداء الجنسي وزواج القاصرات، وتنامي أعداد الأطفال في وضعية الشارع، في ظل ضعف قدرات المؤسسات المخصصة لاستقبالهم ورعايتهم.
أما في ملف الهجرة واللجوء، فأشار التقرير إلى “آلاف الوفيات والاختفاءات” الناتجة عن تشديد السياسات الأوروبية، معتبرا أن المغرب “يواصل أداء دور دركي أوروبا في الحد من الهجرة غير النظامية مقابل دعم مالي وسياسي”. كما وصف أوضاع المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء بأنها “متردية”، محملًا الخطاب المشحون بالكراهية جزءًا من مسؤولية تفاقم معاناتهم.
وأشار التقرير إلى أن المغاربة المقيمين بالخارج “يتعرضون للتهميش والتمييز وسوء المعاملة في عدد من الدول، ولا يستفيدون من خدمات قنصلية مرضية”، مع ذكر أمثلة عن أوضاع “مأساوية” يعيشها بعضهم في تركيا واليونان والبوسنة والجزائر وليبيا.
وختمت الجمعية تقريرها بالتشديد على أن “الحد من الهجرة عبر طرق الموت لن يتحقق عبر الإجراءات الأمنية المشددة، بل عبر معالجة الأسباب العميقة التي تدفع الشباب إلى المغادرة”، داعية إلى دعم دولي يمكّن المغرب من تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.





