‏آخر المستجدات‏أخبار وطنية

جنازة بوجهين: إنسانية الدولة أم خوفها من تجدد الاحتجاجات؟

ـ إذن بالرحيل لا بالحرية: خطوة رمزية قد تعيد النقاش حول حراك الريف ـ

(كش بريس/التحرير)ـ في خطوة أثارت الكثير من النقاش داخل المشهد الحقوقي والسياسي بالمغرب، سمحت السلطات لزعيم حراك الريف، المعتقل ناصر الزفزافي، بمغادرة أسوار السجن مؤقتا من أجل حضور جنازة والده. ورغم أن الواقعة تحمل طابعا إنسانيا، إلا أن خلفياتها ومآلاتها تكشف عن رسائل سياسية متداخلة، تعكس طبيعة العلاقة المأزومة بين الدولة والمعتقلين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية بالحسيمة منذ 2017.

لا يمكن إنكار أن السماح للزفزافي بحضور جنازة والده يدخل في إطار “الرعاية الإنسانية”، التي عادة ما تلجأ إليها الأنظمة لإظهار وجه أكثر تسامحا أمام الرأي العام. فهي خطوة تمنح الانطباع بوجود قدر من المرونة، وتتيح للدولة أن تقدم نفسها كسلطة لا تسعى فقط إلى المعاقبة، وإنما أيضا إلى مراعاة الأبعاد العائلية والاجتماعية.

إطلاق سراح الزفزافي مؤقتا لا ينفصل عن السياق السياسي العام. فالسلطات المغربية تدرك حجم الرمزية التي يكتسيها زعيم حراك الريف لدى شريحة من المغاربة، خصوصا في شمال البلاد. كما أنها تعي حساسية الملف دوليا، حيث ما يزال موضوع “معتقلي الريف” يطفو على تقارير المنظمات الحقوقية. وبالتالي، يمكن اعتبار هذه الخطوة محاولة لامتصاص الضغوط الداخلية والخارجية، وإعادة صياغة صورة المغرب كدولة “توازن بين الأمن والحقوق”.

منذ اندلاع حراك الريف، ظل الهاجس الأمني هو المحرك الأساسي لتعامل الدولة مع الملف. فالحراك، الذي انطلق بمطالب اجتماعية واقتصادية، سرعان ما تحوّل إلى أزمة سياسية عميقة انتهت بأحكام قضائية ثقيلة. وبالرغم من مرور سنوات، لا يزال ملف المعتقلين يلقي بظلاله على الاستقرار الاجتماعي بالمنطقة. السماح للزفزافي بالخروج المؤقت قد يكون محاولة لتفادي أي توتر جديد في لحظة إنسانية حساسة، خصوصا أن مشاهد الحرمان من وداع أحد الوالدين قد تثير تعاطفا شعبيا واسعا.

هنا يطرح السؤال المركزي: هل يشكل هذا التطور مقدمة لفتح صفحة جديدة عبر عفو شامل أو حل سياسي للملف؟ أم أن الأمر مجرد “استثناء إنساني” لن يتجاوزه النظام إلى خطوات أعمق؟

  • السيناريو الأول: أن يشكل خروج الزفزافي رسالة تمهيدية لإطلاق نقاش حول إمكانية العفو، في سياق سعي الدولة لتخفيف التوتر الاجتماعي والسياسي.
  • السيناريو الثاني: أن يبقى الأمر مجرد إجراء ظرفي، يعيد الملف إلى نقطة الجمود السابقة، دون أي تحول جوهري.

القضية تضع المغرب أمام امتحان المصالحة مع حركات الاحتجاج الاجتماعية، خاصة في ظل تنامي التوترات المرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فتح صفحة جديدة مع معتقلي حراك الريف، عبر حلول سياسية وحقوقية، قد يكون مدخلا لتأسيس علاقة ثقة بين الدولة والمجتمع، بدل الإبقاء على منطق العقاب والتضييق.

إن السماح لناصر الزفزافي بحضور جنازة والده ليس حدثا عاديا، بل محطة كاشفة لمأزق العلاقة بين الدولة والاحتجاجات الاجتماعية. فهو يعكس في الآن ذاته استعدادا لتقديم تنازلات إنسانية، وخوفا من إعادة إنتاج لحظات توتر سابقة. لكن المآل النهائي سيبقى رهينا بمدى استعداد الدولة للانتقال من سياسة “التدبير الأمني” إلى منطق “الحل السياسي والحقوقي”، بما يعيد الثقة إلى المواطنين ويؤسس لمصالحة تاريخية مع منطقة الريف.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button