
ـ تأملات فى تكوين المثقف القعدود ـ
هزني من أعماق عقلي وروحي تماسك الروح الإيراني وتكتلها وثقتها في نفسها وشعبها والإيمان مقدراتها في مواجهة التكتل الأمريكي والصهيوني والأوربي، وتحقيقها انتصارا وعزة وقوة صلبة عتية واضحة بينما تخلي جميع العرب جيرانها عنها رغم المصير الجهنمي المشترك الذى يجمعهم جميعا سلبا وإيجابا في هذه المنطقة الجغرافية الإسلامية الواحدة. ليس هذا فقط بل رأينا كيف تغتال البلاد من الداخل حتى لا سيادة لأصحابها عليها والدليل على ذلك وضع جميع الأراضي العربية المجاورة لإيران في خدمة البطش الأمريكي والقمع الصهيوني الأوربي. وهى علامة رمزية واضحة عن عدم قدرة الكائنين في هذه البلاد على التحكم في سيادة أوطانهم واستقلال أراضيهم، إنهم يوجدون فقط فوق هذه الأرض لكنهم لا يملكون سيادتها وحريتها، علينا أن ندرك أن الأوطان ليست مجرد كومات من تراب وماء وهواء وسماء ومال. بل هي قبل كل شيء حرية وعقيدة وعزة وثقة بالذات، فإيران مثلا محاصرة منذ أربعين عاما لا يدخلها شيء ولا يخرج منها شيء لكنها رغم ذلك كانت قوة عاتية صلبة مناضلة فتت الحجر والبشر معا، قوة عسكرية عاتية، ورسوخ اعتقادي صارم، وتماسك شعبي عتيد كالبنيان المرصوص، كل أسلحتها تم تصنيعها ذاتيا وكل تدريباتها تمت في أراضيها، وهذا يؤكد أن العظمة لا تنبت إلا من خلال أرض الوطن، العظمة لا تستورد والقوة ليست مجرد امتلاك اقتصاد وسلاح فقط وإن كانوا أساسيين للغاية بل هي قبل كل شيء عمق ومتانة هذا الروح العتيد الصارم الحاسم الكامن في روح الشعب وهوية الأمة، العظمة في أن يستمد الشعب قيمته من نفسه لا من غيره، رافضا كل أشكال وألوان الاعتماد الطفولي القاتل على الخارج، كيف يكون الشعب الحر الأبي الواعي غير منقسم على نفسه بل واثقا من نفسه ملتفا حول حكامه في رباطة جأش لا تتزحزح مالكا حقه في تقرير مصيره، ممسكا ببوصلة وجوده في يده لا في يد غيره، رافضا كل الرفض أي تدخل خارجي يقرر مصيره بالنيابة عنه. هنا أدركت جيدا المردود العملي الرائع لمسألة التوحيد في عقيدة المسلم، وعلي المثقفين أن يعوا جيدا أن الإسلام أيديولوجيا فلا يكذبون على أنفسهم،( هؤلاء الذين كذبوا على أنفسهم) فإذا كانت العقيدة التوراتية الزائفة أيديولوجيا تحرك الصهاينة وعلى رأسهم نتنياهو والعقيدة الأمريكية الرأسمالية المتوحشة تضع يدها الباطشة في يد العقيدة التوراتية اليهودية الزائفة أيديولوجيا فمن الحتمي الضروري أن يرى المثقف العربي أن المسلم صاحب عقيدة التي هي أيديولوجيا أيضا.
لكن للأسف كشف معظم المثقفين عندنا وكما هو واضح من السوشيال ميديا عن خلل جذري في عقائدهم السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية أيضا. كان مردود ذلك واضحا جدا نراه جليا من خلال سرديات الهزائم والتشكيك والعجز بين معظم المثقفين في أثناء حرب غزة أولا ثم إيران ثانيا، فقد شككوا في قدرات إيران واستهزؤوا بها ووصموها بكل نقيصة وكل سخرية لأنهم كانوا صناعة الطغاة محشووين ومدكوكون بسرديات الهزائم النفسية والخلقية والحضارية، يشيعون قيم التفسخ الروحى والتراخي النفسي وإجهاض كل دعوى للعمل وعدم تصديق قوة ووعود الأمل، والتسليم التام بالعجز والهزيمة إن آجلا وإن عاجلا،
يقولون إنها مسرحية تمت بين ترامب وإيران وإسرائيل
صارت القضايا المصيرية الحاسمة مسرحية فى نظر المثقف القعدود
يقولون ترامب هو الذى أعطى إشارة البدء وهو الذى ينهى المسرحية
وهم يجهلون بعجزهم النفسى أن ترامب إن كان فى وسعه إشارة البدء فليس فى وسعه إشارة الانتهاء بل ليس ثمة انتهاء فى صراع وجودى بين أهل الجبروت والتسلط وأهل المقاومة والنضال
هنا المثقف ليس جاهلا فقط بل تتقمصه رغبة عارمة فى تجاهل الحق الذى لايرضي اهواؤه وافكار المسبقة انها حالة من مقاومة الحق بالباطل وإرادة خبيث مزمنة فى رؤية مايريح الهوى ضد كل ماينير العقل ويرسم الرؤية
التجديف ضد الواقع وخلق واقع وهمى يريح النفس ويرضى الغرور والاستعلاء بالباطل
المثقف هنا مجرد ديكور هش متهافت تم تصنيعه ثم وضعه فوق رف التطبيع الصهيوني حتى وإن ادعى كذبا وزورا رفضه للتطبيع، إنه مهزوم قبل أن ينهزم، مسجون قبل أن يسجن، ميت قبل أن يموت.
لقد تساءلت في نفسي لماذا حدث هذا؟ لماذا توحد وتماسك الشعب الإيراني العظيم في مواجهة السحق والمحق والقتل الغربي الصهيوني، وتشتت وتفسخ معظم المثقفين العرب وهم في عقر دارهم يستهزئون فوق الآرائك، يصدرون أحكامهم وهم ينعمون ويشربون ويكلون ويتناسلون.
هنا الفرق شاسع شسوع ما بين السماء والأرض بين أن تكون مواطنا ميت الضمير،مات في قلبك الوطن والإيمان معا، ومواطن يحيا في قلبك الوطن والإيمان، وقديما قال أجدادنا العظماء حب الوطن من الإيمان وليس العكس يا سيادة المثقفين. حتى تفصلون وهما وزورا بين الوطن والإيمان فتقولون : الدين لله والوطن للجميع، بل الدين للجميع والوطن للجميع على معنى أن يكون كل صاحب دين حرا في دينه ومعتقده فالدين للجميع في نفس اللحظة التي يكون فيها الوطن للجميع. وهنا يتجلى مبدأ التوحيد بوصفه حقيقة دنيوية تاريخية خلاقة، وقوة تاريخية واقعية حاسمة، وليس مجرد حقيقة عقدية أخروية ساكنة جامدة، أو علاقة سرية بين المواطن وربه،أو وعظ أخروي ساكن. بل الدين علاقة اجتماعية حضارية عسكرية فعالة، الدين هنا نضارة دنيوية حية خلاقة وليس رهبة أخروية مخيفة كما يشيع وهما وزورا معظم المثقفين السلفيين والدعاة الأخرويين الجامدين في بلادنا. إن السلفية هنا ليس معناها الاتجاه دينى بل هي حالة فكرية متخلفة مناوئة لكل جديد خلاق، يعتقدها الليبرالى السلفى والماركسى السلفى والمسلم السلفى واليهودى السلفى، كلهم أتباع عمى صم بكم، خانعون لأفكار السابقين، فاصلين بين أمور الدنيا وأمور الدين.
ونفس هزال إيمانهم بالله والوطن إذ يفصلون بين الأرض والسماء، يأتي هزالهم في إيمانهم المنقوص بالغيب فاصلين بين هنا بين غيب الشعوب إذ يأملون ويتطلعون إلي بعث سياسي حضاري مادي جديد. وإيمانهم بغيب الخالق القادر على إحياء الشعوب من جديد وبعثهم من كهوفهم لصنع المعجزات. ثم يأتي هزالهم الدينى الأخطر في عدم إيمانهم بالبعث بصفته حقيقة دنيوية تاريخية واقعية قبل أن يكون حقيقة أخروية، فإذا كنت مؤمنا حقا بأيديولوجيا دينك ووطنك وهويتك فلابد أن تسلم بأن البعث هنا حقيقة دنيوية واقعية تاريخية قبل أن يكون حقيقة أخروية غيبية. لابد لكل شعب من بعث في الدنيا قبل بعث الآخرة يستمده من هويته العميقة وإيمانه العميق بقدراته ومقدراته الدنيوية، من هنا لم يسلموا ببعث إيران لذاتها من جديد ولا بقدرتها على الاتصال بغيوب هويتها الراسخة فى أعماق التاريخ
ومن هنا كان الفرق الحاسم بين شعب مؤمن حقا وحماعات اتخذوا دينهم لهوا وعبثا
وهنا يكون الإيمان بسرديات الهزيمة عند المثقف هو لون من ألوان اغتيال الإيمان بالبعث دنيا وآخرة،لون من ألون القتل المعنوى:قتل الروح والوجود في الدنيا، فإذا مات الوجود في الإنسان مات قبل أن يموت، فهو حي ميت ، وهنا تفتر الهمم وتهدر الكرامة وتعتم الروح وتتآكل الوطنية، وتذوى العزة، وتتيبس العقول،ويصاب الجميع بالفزع الأكبر فتشيع لغة الرعب وتتناسل أساطير الخوف والتهديد والتنديد فتتوالى الهزائم وعلى رأسها الهزيمة العسكرية التي هي نتيجة حتمية للهزيمة المعنوية والأخلاقية.
وقد رأينا صورا ضخمة من سرديات الهزائم على وسائل التواصل الاجتماعي، صور عديدة تنوء بها عقول وصدور المثقفين المهزومين في بلادنا تجاه غزة و إيران بعد أن تشبعت أجسامهم وقلوبهم بسرديات الانخلاع من الإيمان، والذوبان في الجهل، والهروع صوب التطبيع اللاواعى في صورة هذه الهزائم المنكرة التي أعربت عنها أفكارهم المرعوبة واستهزاؤهم الجبان من المناضلين،وتحبيطهم المؤذى تجاه غزة وإيران، فاتهمومهما تارة بالإرهاب وتارة بالقمع، وتارة بالمسرحية القتالية، وتارة بالشيعية، وكلها صور من صور الانشغال بالتافه وترك المصيري الأهم في صلف مخز وجهل واضح وتخل فاضح عن قيم الحرية والعزة، وتمسك مدمر بالوهمي وترك الحقيقى، إلى آخر تسفيهات المثقفين المنهزمين نفسيا وحضاريا ودينيا.
وهنا يثور سؤال ربما يكون مقلقا جدا وغريبا: هل هؤلاء عرب ومسلمون حقا؟
العربي عبر تاريخه معروف بالعزة والشموخ والأنفة كما يقولون، والمسلم حقا يؤمن بالبعث والنشور في الآخرة والدنيا يقول تعالى( أفمن كان ميتا فأحييناه) ويقول تعالى ( إنه هو يبدىء ويعيد) ويقول تعالى (كما بدأنا أول خلق نعيده ) ويقول تعالى ( والموتى يبعثهم الله ثم إليه ترجعون) وانظر هنا ترى البعث له معنيان: في الدنيا ثم في الآخرة بتعبيره تعالى( ثم إليه ترجعون) ويقول تعالى (فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم، إن الله لذو فضل على العالمين) ويقول تعالى ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) وفى النهاية يقول تعالى ( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم؟ كانوا أشد منهم قوة).
فهل آمن المثقف العربي بهذه الآيات حقا؟ أم كان ممن تخاذل ونافق ربه وخان وطنه بإشاعة سرديات الهزائم والنكران لقيم الحرية والنضال والواجب الوطنى والدينى، وكان ممن قال الله فيهم ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة)؟ وأرجو من المثقف المهزوم هن أن يفهم جيدا أن كل هذا الآيات ليست وعظا دينيا حتى لا يسرق القضية كلها ويسرق منى معنى الوطن والإيمان والدنيا!! أيها المثقف المهزوم: الإيمان ليس مفهوما أخرويا آجلا، بل مفهوم دنيوي عاجل جدا، الإيمان عقيدة وأيديولوجيا معا، وانظر إلى عدوك الذى يعاديك ليل نهار نتينياهو وأمريكا وأوربا الذين يقولن عنها إنها حروب مصير، تسلط مطلق للقطبية الأمريكية المطلقة ومن ورائها الصهيونية العالمية ذراعها الباطش في الشرق الأوسط الجديد،أو زحزحة لهذه القطبية حتى الموت. يغذى هذه المعركة عقائد صهيونية توراتية عنيفة، أرجو أن تخرج قليلا أيها المثقف التارك لعقيدتك ووطنك من سجون وهمك لتدرك معنى كلام عدوك بأن الأيديولوجيا هنا ليست دينية فقط كما أفهموك خطأ ووهما. بل هي صراع تاريخي دنيوي بكل معنى من معانى الدنيوية الجدلية التاريخية التى أبان عنها ـــ إن كنت تقرأ وتفهم ماتقرأ ــ إدوارد سعيد الفلسطيني المناضل بالفكر، وميشيل فوكو الفرنسي راصد علاقات السلطة والخطاب، وبورديو المفكر الفرنسي صاحب سلطة الخطاب وخطاب السلطة، وروبول صاحب استعارات الخطاب الأيديولوجى والتكييف الأيديولوجى للغة، وجان بورديارد وغيرهم وغيرهم، كلهم يقرون ويثبتون أنه في عمق كل ثقافة أساس روحى أيديولوجى كامن. ولا يوجد بشر ولا ثقافة عبر التاريخ خارجة عن نطاق الأدلجة بوصفها عقيدة في رؤية الواقع والتاريخ والعالم. وإذا رفضت ذلك أيها المتخاذل الجبان الخائن لأمانة ذاتك وهما وجهلا وادعاء وتنفخا وتنفجا فأنت لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بل أنت زنيم خارج نطاق الواقع والتاريخ والوجود والحياة.!! وهذا أكبر وهم، فليس هناك إنسان ولا شعب ولا ثقافة كأنها عنقاء مغرب تتعالى في أجواز المستحيل خارج نطاق جدل التراب والتاريخ.
في الحقيقة أنت عربى ومسلم أيضا كما تدعى أو كما تقول في هويتك، وإن تنكرت وكذبت وادعيت غير ذلك . فلا يوجد إنسان في العالم كما يقول بول ريكور بلا تحيز وبلا أيديولوجيا وبلا عقيدة، هذا وهم ضخم زرعه فيك أسيادك لتكون عبدا أبديا أو عبدا طوعيا عن محض اختيارك، هذا وهم ضخم عشش في خرائب جسد معظم المثقفين عندنا ففرقوا بين الإيمان والوطن، وبين التوحيد والدنيا، وبين البعث والهزيمة والانتصار، فركبتهم سرديات الهزائم من تفسخ وتراخ واتهام وتشكيك وادعاء وتزوير وهدم للتاريخ وعدم اعتراف بحق المناضلين في الدفاع عن أوطانهم و الصد عن أعراضهم وشرفهم ومضوا يرجفون في المدينة يزعزعون إيمان المؤمنين، ويفككون حقائق الوطنيين، ويوزعون صكوك الإدانة والهزيمة والادعاء.
إن أعنف القضايا هي تلك القضايا التي تزرع الهزيمة والنكوص والتشكيك والفرقة فى الرأي العام بما يزعزع الوطن ويزرى بالعزة ويطيح بالكرامة. انطلق المهزومون نفسيا وحضاريا ودينيا يشعلون حرائق الكلام الزائف الجاهل يجدفون في كل موقع وفى كل ناد على الفيس بوك وفى كل وسائل السوشيال ميديا الظاهرة والباطنة، هم حمالوا الحطب في جيدهم حبل من مسد الوهم يوزعون الاتهامات على الشعب الإيراني والفلسطينى من جهة، ويحذرون القيادات في بلادهم وهم أعلم منهم بشؤون القتال، يحذرونهم من الجنس الفارسي تاركين اسرائيل تعبث في أعراضهم وشرفهم وديارهم ، مع أن المعركة أصلا ليست بين بلدين عربيين بل بين عدو صهيوني العالم كله يعترف بأنه أحرق غزة وأبادها إبادة جماعية، ويتمنى أن يبيد كل العرب والمسلمين في العالم كله، وبين شعب إيرانى مسلم، انطلق المثقف المنخور عقائديا المهزوم نفسيا الفارغ عقلا ووطنا وكرامة يوزع الاتهامات الجزافية هنا وهناك، يحرض هنا ضد الحق، ويندد هناك ضد الحقيقة، ويزلزل كل ألوان الثقة بين المسلم والمسلم والجار والجار، تحت مسميات طائفية زائفة، أو تحت مسميات عقائدية وهمية ، تفكيكا للصف وزلزلة للتلاحم، وتفجيرا للخصومات، مشيعا أن الهزيمة آتية آتية ولامفر، وأن كل انتصار لإيران أو لغزة مجرد لعبة سياسية محسوبة، ظل الزنيم الجهول الواهم يعيد ويزيد ثم يعيد ويزيد كأنه يحن إلى عرق خبيث فيه. معرضا عما يحدث على أرض الواقع، مع أن الواقع الفعلى واضح لكل ذي عينين.
ظل المثقف المهزوم ينتج العدم مثل الفطر السام مستعيدا كل حروب ذبيان وغطفان وغسان في حرائق الكلام، اتهامات راجعة إما لجهله المخزى بتاريخ العقائد والأديان والفرق والمذاهب ثم ينصب نفسه حكما بن الشيعي والسنى، وإما لعمالته المفضوحة لصالح وجدانه المنخور بتطبيعه اللاواعى مع الصهيونية وإن ادعى غير ذلك، وإما بحثا عن مغنم سياسي عاجل عند طائفة سياسية حاكمة مستبدة لترضى عنه ومعظمهم من القادة المرتزقة، أو تفتيشا عن مكسب خفي آجل لدى طائفة ثقافية ترصد له الجوائز ومعظمهم من المبدعين الخائنين، أو تحسبا لمنصب كامن وقف يصطاده بنباله الخائنة من رحم المجهول العاتي ومعظمهم من قيادات وموظفين وزارة الثقافة. أو إثارة للزوابع والأعاصير لإخفاء حق جلى، أو ترسيخ وهم خفى ومعظمهم من المعطلة الخاملين. فما أبشع الخونة والعملاء والمرتزقة والجهلة والمطبلة والمزمرة وأهل الفسبكة المحنكة؟!
لماذا سادت سرديات الهزائم ولم تسد سرديات العزة والثقة رغم ضرب إيران الواضح جدا لعمق إسرائيل حتى صرخت واستغاثت بأمريكا والغرب ؟
لماذا آثر المثقف المخذول المذموم المحصور المخطوم من أنفه السكوت عن الحق والثرثرة في الباطل؟ أين عينيه وأذنيه ؟ هل امتلآ بالجهل والعمالة المجانية.
لقد كشف هذا المنعطف التاريخى الحاسم في الصراع مع العدو الصهيوني عن بلوى كبيرة عندنا اسمهم ( المثقف القعدود الذي اقتعده الوهم والخزى). هل أدرك المرجفون في المدينة أن انتصار إيران لم يكن راجعا إلى قوتها العسكرية فقط؟ لأن الغرب أقوى مئة في المئة من إيران عسكريا. ومن المؤكد أن الغرب كله قد تألب على إيران. وتنكر لها كل أهل الجوار. فلماذا انتصرت وحدها؟ هذا سؤال تاريخي مهم. يعجز عن تصوره المثقف القعدود
الانتصار هنا كان إيمانا بالنفس قبل أن يكون اقتدارا بالسلاح، قوة رصينة مكينة في الروح قبل أن يكون تكنولوجيا عن بعد أو عن قرب: روح الشعب وهوية الوطن هما الأساس المكين، التكنولوجيا وحدها لا تكفى أبدا لانتصار أي بلد. هل سمعتم ترهيب ترامب الفاجر لإيران بضرورة إخلاء طهران فورا؟ لماذا لم تتراجع إيران أمام هذا الخطاب المرعب وهى تعلم كل العلم أن أمريكا تمتلك مئات القنابل النووية؟ ألم تعلم إيران أن في داخلها عشرات الفصائل السياسية ضد سياسات الدولة؟ ولكنها لم تكن أبدا ضد الوطن ، لم يشيع بين مثقفي إيران ثقافة التخوين والترويع وانقسام الصف الوطني وهم في أشد لحظات الحرج في المعركة؟ هل هذا جاء كله من فراغ؟!
إن المعارضة الإيرانية كانت وطنية ساعة الخطر، لكن الأمر عندنا كان مختلفا كل الاختلاف ونحن لسنا في حالة حرب ولايحزنون، عندنا الخائنون جاهزون ضد كل أمل، مستعدون لإجهاض أي فصيل وطنى حر مقابل أي وهم.مقبلون في صورة مدبرين،ومدبرون في هيئة مقبلين، كانوا نواة كل شحناء وبغضاء وممارسة كل ألوان الضغوط المصطنعة والقيود المنكرة لتكبيل الأرواح الحرة بأصفاد الحقد وأغلال الضعة والهوان.
يا إلهى ماذا حدث للوجدان الوطنى الجمعى في هذه البلاد؟ متى تم كل هذا التفتيت والتمزيق والتبعثر والتشظى والخذلان والنكران؟. متى نبتت وترعرعت كل هذه الفيروسات السامة في جسد الوطن؟ متى نخر سوس تمزيق الصف الوطني الواحد فعاث فسادا فى جسد الوطن؟ متى سرت المياه القذرة في عروق الماء العذب للوطن الواحد؟ اذن هى هزيمة الروح التى زرعت الفرقة والانقسام والتمزق
غباء المثقف واستحمار المثقف وحقد المثقف وعدم أمانة المثقف مع نفسه أولا ثم دينه ثانيا ثم وطنه ثالثا وهى حلقات متلاحمة غير منفصلة يترتب بعضها على بعض؟
لقد زرع المثقف الأدواتى الكهنوتى مع السياسى الجبروتى مستنقعات الحروب فأطلقوا كلاب المسميات والتصنيفات ضد كل وطنى شريف خاضا معا وعن رضا تام حروب الألقاب مع أن دينهم يقول( ولاتنابذوا بالألقاب) فقالوا: هذا إخوانى وهذا سلفى وهذا شيعى وهذا سنى وصدق الشعب المسكين ألاعيب المثقفين وانتهازيات السياسيين. وتم تفجير الحروب القبلية والطائفية والحزبية بين الجميع داخل هذا المستنقع الوبيل حتى انهار الوطن. أطلق المثقفون المنهزمون كل سرديات الأقاويل دون حقائق، وفجروا الآراء المتناقضة والمتعارضة دون واقع، وأرسوا أرضا هشة خداعة من عدم الثقة بين الفرقاء جميعا ،فلا تعرف يمينك من شمالك فتاه الخيط الأبيض مع الخيط الأسود في ليل بهيم مدلهم. واشتعلت حرب الجميع ضد الجميع. فهل أدرك المثقف بما أشاع من سرديات الهزائم والخلافات والفتن والإثارات والقلاقل أن هذا هو عين ما يسعى إليه العدو الصهيوني والأمريكى والأوربى تمهيدا لخلق شرق أوسط جديد؟
كان لابد أن تتحول أولا الشعوب قبائل شيعا يحارب بعضهم بعضا يذيقون بعضهم بأس بعض بلا عقيدة ولا دين ولا أيديولوجيا.؟! هم يصرحون ليل نهار نحن نحتاج إلى شرق أوسط جديد بلا دين ولا عقيدة. ولا أسلحة ولا علم ولا علماء
هم يعلمون أن فراغ الوطن من الأمل والتلاحم والتراحم معناه إحياء سوس الفتنة وإطلاق بوم الوهم ينهق وينعق ليل نهار بالإعراض عن القضايا المصيرية والاستغراق في الفروع والجزئيات والهوامش وكلها أدلة دامغة على هشاشة الوطنية وضعف الدين وإفراغ المواطن والوطن من العزة والكرامة والحرية؟!. وهل يصان عرض الوطن بالمسميات والتصنيفات وصراع الأيديولوجيات؟ أم يصان بالتلاحم وعدم الفرقة واعتبار كل مواطن حرا له حرمته حتى يقف الجميع صفا واحدا رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا مثلما حدث في فلسطين وإيران؟. وكل من يكذب انتصار إيران وغزة أقول له: هل من الممكن أن يحدث انتصار ساحق مثلما حدث في غزة وإيران دون قوة وطنية عميقة في الشعب؟
إن حق الأوطان ليس مجرد واجب عسكري تقضيه الشعوب رهبا أو رغبا بل هو حق على الروح والكرامة والعزة والدين، حق الوطن ليس مجرد دين يجب قضاؤه أو مجرد إبراء ذمة، بل الوطن هو الإيمان بذاتي ووجودي، هو حياتي وموتي. الوطن ليس سرديات هزائم تستوطن مستنقعات النفوس الخربة، بل أفق خلاق يسمو بنا جميعا صوب الحياة الحقة أو الموت الحق، إما موتا بالحق وإما حياة بالحق ولا ثالث بينهما أبدا.
*أستاذ الأدب والنقد الحديث بجامعة السويس
العميد السابق لكلية الآداب جامعة السويس