
لقد اعتمدنا في كتابة هذا المقال الهادف لتبسيط المفاهيم والحالات والوقائع القانونية بطريقة علمية على تجربة طويلة في ميدان البحث والتوثيق والتأطير والتدريس ومنهجية العلوم التي دامت في مجموعها أكثر من أربعين سنة⸱
القانون هو مجموعة القواعد والمبادئ والإجراءات التي تنظم العلاقات الاجتماعية⸱ قد تكون هذه القواعد والمبادئ والإجراءات ذات طبيعة دينية أو أخلاقية أو ضبطية أو اجتماعية أو اقتصادية أو إدارية أو سياسية أو مالية أو تدبيرية أو بيئية⸱⸱⸱ وقد يكون هذا التنظيم ذا صبغة تنظيمية- تدبيرية أو آمرة أو زجرية أو مكملة، أي تجوز مخالفتها، أو ناهية أو تفسيرية أو معايناتية، كإشهاد على دبلوم، أو ازدياد أو وفاة، أو شهادة سكنى أو فاتورة ماء أو كهرباء أو أنترنيت، أو تذكرة نقل⸱⸱⸱ وقد يكون القانون طبيعيا أو وضعيا، موضوعيا أو ذاتيا، جوهريا أو مسطريا، عاما أو خاصا أو مختلطا، جهويا أو وطنيا، وطنيا أو دوليا، مستقبليا أو واقعيا (أي ما ينبغي أن يكون أو ما هو كائن)⸱ وقد تكون هذه العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة، خارجها، أو بين الأسر، داخل الإدارة، مع محيطها، أو بين الإدارات، داخل الشركة أو المقاولة، مع وسطها (مستهلك، ممون، متقاضي)، أو بين الشركات أو المقاولات، داخل المنظمة الحكومية، في إطار بيئتها ومحيطها، أو بين المنظمات الحكومية وغير الحكومية، داخل المنظمة غير الحكومية، مع محيطها، أو بين المنظمات غير الحكومية⸵ وتمتد هذه العلاقة كذلك بين هؤلاء الفاعلين، فيما بينهم، بعضهم أو كلهم، أشخاصا كانوا (طبيعيون أو معنويون)، ممتلكات، حالات، مصالح أو خدمات⸱
وتتميز الدعوة القضائية، كيفما كانت طبيعتها علاقة شغل، أو مدنية، زجرية، إدارية، مالية، أسرية، عقارية، تجارية، دستورية أو دولية، بثلاثة مراحل أساسية: أطراف الدعوى أو الخصوم، أي المدعي والمدعى عليه، موضوع الدعوى أو مطالبات المدعي وبالتالي محل الدعوى والمحكمة المختصة، وأخيرا سبب الدعوى، أي مجموعة الوقائع والأحداث التي تم على إثرها اللجوء إلى القضاء والتمسك بها في الدعوى⸱ وتعرف المحاكم الابتدائية في إطار النظام القضائي بالمعرب، والتي يبلغ عددها، وفق آخر تحيين 89 محكمة موزعة على أقاليم وجهات التراب الوطني، بكونها محاكم الدرجة الأولي وذات الاختصاص العام⸱ المرسوم رقم 2.23.1037 الصادر بتاريخ 28 دجنبر 2023⸱ تخضع المحاكم الابتدائية لمقتضيات القانون رقم 38.15. المتعلق بالتنظيم القضائي ج. ر. عدد 7108 بتاريخ 14 يوليوز 2022⸱ وتحدد الخريطة القضائية الحالية بالمغرب، إلى حين تعديلها من جديد وهذا مشكل عويص يضر باستقرارية البنية القانونية وينم عن ضعف التحكم في الواقع، على الشكل التالي: عدد المحاكم الابتدائية 108 بما فيها التجارية 10 والإدارية 10، ومحاكم الاستئناف 33 بما فيها الإدارية 5 والتجارية 5، و83 مركزا قضائيا تابعا للمحاكم الابتدائية، ومحكمة النقض في الرباط وتتألف من سبع غرف: مدنية، جنائية، إدارية، أحوال شخصية وميراث، عقارية، تجارية، اجتماعية، ج. ر. عدد 7108 الصادرة في يوليو2022، ص. 4568، مرسوم رقم 665. 23. 2 صادر في 10 نونبر بتحديد الخريطة القضائية بالمغرب ج. ر. عدد 14.2760 بتاريخ 28 ديسمبر 2023، ص. 11493.
سنحاول في هذا الإطار أن نعالج هذا الموضوع من بعض جوانبه البارزة أو الأساسية مثل الجوانب المدنية والجنائية والإدارية والمالية والضريبية والتجارية والاجتماعية (قانون الشعل والحماية الاجتماعية)، والعقارية⸱
القانون المدني والمسطرة المدنية:
ينظم القانون المدني العلاقات بين الأفراد سواء تعلق الأمر بالأشخاص، بالممتلكات، بالحقوق والحريات أو بالالتزامات، مثل حماية الحياة الخاصة للأفراد، الحياة العائلية، حماية السكن والملكية والمراسلات، والحق في الأمن، في المساواة، في الكرامة، وحرية التجمع السلمي، وحرية الرأي والتعبير، لكن في حدود احترام الغير وعدم المساس بحريته، والالتزامات اجتماعية وسياسية وأخلاقية· وتتضمن المسطرة المدنية مجموعة القواعد والإجراءات والمراحل المتبعة أمام المحاكم في القضايا المدنية، كالإحالة إلى القضاء والمحاكمة المدنية⸱ وتعرف الدعوى المدنية بكونها اللجوء إلى القضاء للدفاع عن حق مدني (قضايا عائلية، نزاعات بين الأشخاص، بين الجيران أو في إطار ملكية مشتركة، التزامات مدنية، ممتلكات، وصايا، إرث، بيع منقولات القاصر، أهلية الدولة للإرث، تنازع الاختصاص، تعرض الغير الخارج عن الخصومة، إعادة النظر، طرق التنفيذ⸱⸱⸱)، بهدف تعويض المدعي وجبر الضرر الذي تحملته الضحية، أو الطرف المتضرر، وإلزام المدعى عليه باحترام بنود العقد (القانوني أو الفعلي، أشباه العقود: الإثراء بغير حق، استرداد ما دفع بغير حق، التعويض على تدبير أعمال الغير)، أو المركز القانوني للطرف المعتدى عليه⸱ ونلاحظ من خلال ما تضمنه مشروع قانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية أن هذه المبادرة جاءت بعدة مستجدات من بينها إعادة النظر في المقتضيات التالية: الاختصاص النوعي والقيمي ودرجات التقاضي، حقوق الدفاع، حقوق المتقاضين، العلاقات المالية والشخصية والقانونية بين المتقاضين، أشخاصا طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، الإنابة القضائية، اختصاصات محكمة النقض⸱⸱⸱ لكن مع ذلك يظل ولوج الفئات الهشة إلى القضاء صعب المنال، أنظر كذلك الدستور الحالي 29 يوليو 2011 الفصول 117-128، في باب حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة· نلاحظ من جهة أخرى، شخصيا ومقارنة مع القضاء والاجتهاد والفقه في العديد من الدول، أن المادة المدنية (قانون، مسطرة وقضاء) لا تقل ولا تزداد قيمة عن المواد الأخرى، هذا خطأ ما يزال راسخا في القانون وفي القضاء بالمغرب على السواء⸱ جميع القضايا الراهنة المطروحة في المجتمع تتكافأ فيما بينها كيفما كانت طبيعتها: قضايا أسرية، جنائية، إدارية، اجتماعية (الشغل والحماية الاجتماعية)، عقارية، مالية، ضريبية، تجارية، مدنية، بيئية، دستورية، دولية⸱⸱⸱ كل هذه القضايا الاجتماعية، بمفهومها الواسع، تتساوى فيما بينها وإلا تعادل بعضها البعض لا محال⸱ كما أن الكثير من القضايا المدرجة في المسطرة المدنية الحالية ليست مدنية بطبيعتها بل نجد لها طابعا إداريا أو اجتماعيا أو عقاريا أو جنائيا··· وبالتالي يجب إلحاقها بأصلها، استنادا إلى القاعدة الفقهية والتي مفادها: “الفرع يتبع الأصل” أو “التابع يسقط بسقوك المتبوع”·
القانون الجنائي والمسطرة الجنائية:
تحكم هذا القانون مجموعة القواعد لقمع أو معاقبة أي سلوك اجتماعي ذا طبيعة إجرامية أو شبه إجرامية (مسؤولية الفعل والضرر أو المسؤولية التقصيرية وإلزامية جبر الضرر)⸱ كما يهتم كذلك بتحديد الجرائم وشروط مسؤولية المجرم والجزاءات المتخذة في حقه وطرق تنفيذها، وبفرض مختلف الجزاءات على الأفعال الجرمية بحسب درجة خطورتها⸱ وبناء على مقتضيات القانون المقارن في باب الإلتزامات الناشئة عن الجرائم وأشباه الجرائم ينص الفصل 1240 من القانون المدني الفرنسي 1996-1997 كما تم تعديله بموجب أمر 10 فبراير 2016، ونفس المضمون نجده في الفصل 77 من ق. ل. ع. :”كل فعل ارتكبه الإنسان وسبب ضررا للغير ألزم مرتكبه بتعويض الضرر”· ويضيف الفصل 1241 من القانون الفرنسي نفسه المعدل بأمر 10 فبراير 2016 والذي نسخ في الفصل 78 من ق. ل. ع. : “كل شخص مسؤول عن الضرر الذي تسبب فيه ليس فقط بأفعاله، ولكن أيضا بإهماله أو تهوره”· ويتمم الفصل 1242 من نفس القانون الفرنسي المعدل بقانون 23 يونيو 2025 والذي تم نقله بكامله، (شكلا ومضمونا) في الفصلين 85 و88 من ق. ل. ع. : “يكون الشخص مسؤولا ليس فقط عن الضرر الذي يسببه بفعله، بل أيضا عن الضرر الذي تسببه أفعال الأشخاص الذين يكون مسؤولا عنهم، أو الأشياء (بما فيها الحيوانات) التي في حراسته (أو تحت رعايته)”· ويحدد الفصل 80 من ق. ل. ع. 2004 ص·41: “مستخدمو الدولة والبلديات (أصحح: الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية) مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم، ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات (أصحح: الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية) بسبب هذه الأضرار، إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها”· ولكن إذا صغنا مضمون الفصل 1240 من القانون المدني الفرنسي ونظيره الفصل 77 من ق. ل. ع. بهذا الشكل: “كل فعل ألحق ضررا بالغير ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، سواء ارتكبه الشخص ذاته (شخص طبيعي أو معنوي) أو الأشخاص الذين يكون مسؤولا عنهم، أو الحيوانات أو الأشياء التي في حراسته” نكون قد اختزلنا ثمانية فصول (3 ف· فرنسة، و5 ف· عربية) في فصل واحد· وأصبحنا وصرنا بفصل مغربي واحد مستقل، مسطريا وجوهريا، مستقلين نحن كذلك عن فصول المستعمر التي مازلنا نتعامل بها منذ 1913·
وتتضمن المسطرة الجنائية، أي مجموعة القواعد والإجراءات الواجب احترامها، والتي هي أساس العدالة الجنائية، البحث وتقصي ومتابعة ومحاكمة المجرم أو مرتكب الجريمة⸱ والسجن قد يكون قصير الأمد، متوسط أو طويل الأمد، نسبة إلى خطورة الفعل الإجرامي، وقد تتحول عقوبة السجن، كلما كانت أقل خطورة، عقوبة حبسية، وحسب السلطة التقديرية للقاضي، إلى وسائل بديلة مثل التعويض، أو إنذار أو وساطة جنائية، أو تدابير مواطنة أو خدمة المصلحة العامة، أو “خضوع المتهم للعلاج من الإدمان” لمدة معينة⸱ تبدأ المسطرة الجنائية بالشكاية من طرف الضحية إلى الدرك أو الشرطة أو شكاية مكتوبة إلى النيابة العامة، مدعومة بالأدلة والحجج، ويبدأ البحث عن الجاني، ثم إلقاء القبض عليه واعتقاله والمتابعة القضائية، والتحقيق والتحري القضائي، والمناقشات أمام القضاء أو المواجهة تم الحكم⸱ يحدد قانون العقوبات البديلة الغرامة اليومية في مبلغ يتراوح بين 100 درهم و2000 درهم عن كل يوم من العقوبة الحبسية وإلزامية المحكمة في تحديد المبلغ أن تأخذ بعين الاعتبار الحالة الاجتماعية والوضعية المالية للمحكوم عليه أو ذويه· مرسوم رقم 2.25.386. صادر في 3 يونيو 2025 بتحديد كيفيات تطبيق العقوبات البديلة ج. ر. عدد 7431 الصادر في 18 غشت 2025، ص· 6405·
القانون الإداري والمسطرة الإدارية:
يتضمن هذا القانون، بالمفهوم العمومي، مجموعة القواعد والمبادئ التي تنطبق على الإدارة العمومية، وتنظم حقوق وواجبات الإدارة والأشخاص⸱ أما إذا أخذناه بالمفهوم العام فينطبق على الإدارة بصفة عامة، سواء كانت في القطاع العام أو في القطاع الخاص (أفراد، شركات) أو القطاع المختلط (جمعيات، تعاونيات، نقابات)⸱ وإذا اكتفينا بالمفهوم العمومي للإدارة، تشمل هذه الأخيرة كل المؤسسات والمرافق والمصالح والخدمات التي تسعى في آخر المطاف إلى تحقيق المصلحة العامة، ولو أنها أحيانا تتصرف خارج الشرعية أو كشخص عادي⸱ إذن ينطبق هذا التعريف على هيئات الإدارة العمومية وأعمالها وأفعالها وكيفية تنظيمها وتسييرها وتدبيرها ومن هم أعضاؤها وشركاؤها ومرتفقوها وما هي أهدافها⸱ وقد يكون هناك فصل، حسب الدول والثقافات، بين القانون الإداري وباقي القوانين الأخرى (مدنية، جنائية، عقارية، تجارية) كما هو الشأن في المغرب وفي دول أخرى عربية، إفريقية أو لاتينية⸵ وقد يكون هناك مزج بينهما كما هو الشأن في الدول الأنجلوسكسونية، وهكذا تجذ النزاعات ذات الطابع الإداري في هذا الإطار حلا لها في ظل المحاكم الإدارية في الحالة الأولى، وفي كنف المحاكم العادية في الحالة الثانية⸱
المسطرة الإدارية: تشمل هذه المسطرة مجموعة القواعد والإجراءات التي تهدف إلى فض النزاعات الناشئة بين الإدارة والأشخاص، ذاتية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، وتتم هذه المساطر على خمس مراحل: اللجوء أولا إلى الإدارة نفسها، وفي حالة عدم وجود حل مرضي للمدعي أو للمدعى عليه، أو كلاهما، الإحالة إلى المحكمة الإدارية، ومن بعدها تبادل الأدلة والحجج والدفوعات، ثم جلسة المحاكمة ومن بعدها منطوق الحكم⸱ يتم تحرير هذه المساطر ومتابعة هذه الإجراءات من طرف هيئات أو منظمات خاصة أو عمومية، أي شركات أو مقاولات أو جمعيات أو تعاونيات أو أفراد في شخص ممثليهم أو سلطات عامة أو ممثليها لتنتهي هذه الإجراءات والمساطر باتخاذ قرارات في إطار شرعية النشاط الإداري والعدل والإنصاف والموضوعية لكلا الطرفين ومطابقة القرارات والأحكام بعضها البعض في إطار الشرعية وكذا مسؤولية السلطات والمحاكم التي تتخذ هذه القرارات والأحكام⸱ القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية، وحدد عددها في سبعة، وأصبحت منذ 2023 عشرة محاكم، الصادر بتاريخ 3 نونبر 1993، ج. ر. عدد 4227⸵ القانون رقم 80.03 المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية، الصادر بتاريخ 14 فبراير 2006، كما تم تعديله، وعددها اثنان وصارت منذ 2023 خمس محاكم (الرباط، مراكش، فاس، طنجة، أكادير)، المرسوم رقم 2.06.187. الصادر بتاريخ 25 يوليوز 2006، ج. ر. عدد 5474 بتاريخ 14 غشت 2006⸵ القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي الصادر بتاريخ 14 يوليوز 2022 ج. ر. عدد 7108، مرسوم رقم 2.23.665. المؤرخ في 10 نونبر 2023·
القانون المالي والمسطرة المالية:
يهتم القانون المالي بالأنشطة المالية (عينية، نقدية، خدمات أو ممتلكات)، وبشروط كيفية تحقيق العمليات المالية وتحديدها (موارد، نفقات، ميزانية، محاسبة، خدمات)، وكذا المؤسسات التي تتكلف بإنجازها⸱ يهتم كذلك القانون المالي بمالية الأفراد والشركات والإدارات والتعاونيات والجمعيات، محليا، جهويا، وطنيا ودوليا⸱ ويؤثر مباشرة من خلال سلطاته المالية (الإدارة، الإدارة الضريبية، الخزينة، الجمارك، بنك المغرب، المؤسسات المالية)، على ميزانية الملزم والمستهلك وعلى مراقبة السلف والصرف والنقود والسيولة البنكية ومختلف الأسواق المالية والرأسمالية (نقدية، رأسمالية، تدبير المخاطر، أسواق المواد الأولية)، وكذا تدبير المالية الخاصة والعامة، والتسجيل والتوثيق في الدفاتر المحاسبية، ومراقبة الحالات المالية وتدفقات الخزينة وتدبير الميزانية⸱
وتكمن الإجراءات والمساطر المالية في العمليات والعلاقات التسييرية والاستهلاكية والاستثمارية والتجارية والقضائية التي تقوم بها الأفراد والشركات والإدارات والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، مجموعة البنك الدولي، ودول ومنظمات أخرى، فيما بينها أو بين الإدارة⸱ وتشمل كذلك هذه المساطر مجموعة القواعد والشكليات والطرق والأنظمة للتنظيم والتسيير والمراقبة بهدف تدبير هذه المظاهر المالية والمحاسبية بكل نجاعة وبصفة فعالة وشفافة، وهذا جد مهم أمام القضاء كذلك لا من حيث التدبير ولا الاستثمار ولا الادخار، سواء تعلق الأمر بمالية الأفراد أو مالية الإدارات أو مالية المقاولات والشركات أو مالية المنظمات غير الحكومية⸱
تمارس المحاكم المالية، المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات، اختصاصات قضائية
حددها القانون رقم 62.99 الصادر بتاريخ 13 يونيو 2002 وكما تم تعديله وتحيينه (2022) المتعلق بمدونة المحاكم المالية⸱ وتتمثل هذه الاختصاصات في التدقيق والبت في حسابات المؤسسات العمومية ومحاسبة المحاسبين العموميين والمحاسبين بحكم الواقع⸱ تناط بالمجلس الأعلى للحسابات، كما حددها الدستور الحالي،2011، الفصل 147: “مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات، وتدقيق حسابات الأحزاب السياسية، وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية”⸱ وتنشر جميع أعمال المجلس، يضيف الفصل 148، “بما فيها التقارير الخاصة والمقررات القضائية”⸱ وتناط كذلك بالمجالس الجهوية للحسابات، يتمم الفصل 149 من الدستور، مراقبة حسابات الجماعات الترابية “وهيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها وتعاقب عند الاقتضاء عن كل إخلال بالقواعد السارية ” عن هذه العمليات⸱ أما بشأن الجرائم المالية، فهي جد كثيرة ومتنوعة ويمكن تصنيفها بحسب درجة خطورتها من ضعيفة الخطورة إلى أقواها، ونفس الشيء بالنسبة لمرتكبيها فهم كذلك كثيرون ومتنوعون: أفراد، شركات، إدارات، وجرائم عابرة للحدود⸱ وهكذا نلاحظ وجود الجرائم المالية التالية: الاختلاس، الاحتيال، التسول، دفع شيك بدون رصيد، خيانة الأمانة، السلوك المالي اللا أخلاقي، استخدام المعلومات المالية لمصالح شخصية، الجشع والجري وراء المكاسب المالية السريعة على حساب المصالح العامة، التملص من الضريبة والتهرب الضريبي، الاستفادة من عائدات الجرائم، جرائم الممتلكات، جرائم تجارية ومحاسبية (تزوير أوراق وبيانات محاسبية، بيع بدون فواتير، فاتورات صورية)، تهريب الأموال، الجرائم الإلكترونية، سوق سوداء، صندوق أموال أسود، غسل الأموال، تمويل الإرهاب⸱⸱⸱أنظر كذلك وفاء بركات الجرائم المالية، صندوق النقد العربي، العدد 51، 2023، 24 ص⸱
القانون الضريبي والمسطرة الضريبية:
القانون الضريبي: يهتم هذا القانون بالضريبة، في مفهومها الواسع، أي كل اقتطاع مالي إجباري (فريضة) بدون مقابل مباشر من كل مكلف شرعيا، مبدئيا، بدفع المبلغ المحدد⸱ ونلاحظ في الواقع أن هذا الاقتطاع المالي الإجباري بدون مقابل مباشر، أي قهرا، كيفما كان إسمه (ضريبة، جباية، مكس، رسم، واجبات، ذعيرة، غرامة، زيادة، مساهمة، فريضة، كلفة، عشور، زكاة، جزية، خراج، فدية، ترتيب⸱⸱⸱)، وكيفما كانت طبيعته (نقدية، عينية، رقمية، إلكترونية، تعويضية⸱⸱⸱) فهو ضريبة لا محالة، أي اقتطاع مالي بالعنف وعن طريق السلطة “شرعيا” إذا ثبت رفض تأديته⸱ يستخلص هذا الاقتطاع المالي طوعيا أو بالقوة “المشروعة” من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية التي تسعى إلى كسب دخول أو أرباح، تعويضات أو معاشات بما فيها المؤسسات العمومية الاقتصادية والمالية والتجارية والاجتماعية والخدماتية والبيئية⸱⸱⸱ والتي يكمن الهدف، ديمقراطيا، من تحصيلها تحقيق المرافق العمومية بمفهومها الواسع: تسيير، تنظيم، تدبير، استثمار، ادخار، استهلاك نفعي، بيئة، بنية تحتية⸵ أي كل ما يتعلق بالاهتمامات الجماعية ذات الطبيعة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية أو التربوية أو البيئية⸱⸱⸱واستخلاص الضريبة يزن بكل ثقله في الدول الضريبية الحقيقية أو في الدول التي يطغى عليها سوء التدبير والتبذير، ويقل أو يكاد ينعدم هذا الثقل في الدول النفطية والغازية وفي دول الملذات الضريبية، وقد يكون سنويا، أو سنويا موزعا على الأشهر، أو بمناسبة مبادلات ومعاملات تجارية، أو أسبوعيا كما هو الشأن في الأسواق، أو أيام انعقاد المهرجانات والمعارض والمواسم والطقوس والشعائر الدينية ⸱⸱⸱
المسطرة الضريبية: تكمن هذه الإجراءات، كما حددتها المدونات الضريبية في السنوات المالية الماضية وكما تحددها المدونة الحالية للضرائب برسم السنة المالية 2025، في مجموعة من المساطر والإجراءات التي يمكن حصرها في المراحل التالية: إجراءات ومساطر على عاتق الملزم كالإقرارات الضريبية والاحتفاظ بالوثائق المحاسبية وإيداع الإقرار التصحيحي وإبرام الاتفاق الودي والاتفاق المسبق مع الإدارة حول طريقة تحديد أثمنة العمليات المحققة مع منشآت توجد خارج المغرب ⸱⸱⸱ إجراءات لفائدة الإدارة تتعلق بالمراقبة مثل مراقبة محتويات أملاك الدخول الزراعية والأثمان أو التصريحات التقديرية فيما يتعلق بواجبات التسجيل وحق الشفعة لفائدة الدولة وفحص المحاسبة وتقييم الوثائق المحاسبية وفحص مجموع الوضعية الضريبية للأشخاص الذاتيين⸱⸱⸱ إجراءات تتعلق بالتدخل المباشر للإدارة كحق الإطلاع وتبادل المعلومات والسلطة التقديرية للإدارة كلما شابت العمليات المحاسبية إخلالات جسيمة وتصحيح الأسس الضريبية، سواء تعلق الأمر بالمسطرة العادية أو المسطرة السريعة أو الأرباح العقارية وفرض الضريبة بصورة تلقائية لعدم تقديم الإقرار أو العقود والاتفاقات أو لمخالفات تهم الوثائق المحاسبية⸱ يمكن للإدارة كذاك أن تصحح آجال التقادم إلى غاية 31 ديسمبر من السنة الرابعة للسنة المحاسبية المعنية (دخل، حق عيني، بيع عقار أو قيم منقولة⸱⸱⸱)⸵ وتطبق حسب خطورة المخالفة الجزاءات الضريبية كمخالفة حق الإطلاع أو عدم تقديم الوثائق المحاسبية أو إقرار أو تقديم إقرار غير تام، أو الجزاءات الجنائية كعقوبة الحبس بالنسبة للأشخاص الطبيعية أو إصدار فاتورات صورية وتحال الشكايات الرامية إلى تطبيق الجزاءات عن طريق وزير المالية أو من فوض له الأمر إلى النيابة العامة⸱
أما فيما يخص الإجراءات المتعلقة باللجان فتشمل الطعن في مقررات اللجنة المحلية على مستوى الجماعة واللجان الجهوية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة واللجنة الوطنية المختصة في الطعون الضريبية⸱ ويتم الطعن في مقررات اللجنة المحلية أمام اللجنة الوطنية من طرف رئيس الغرفة الفلاحية أو مدير الضرائب أو من فوض له هذا الغرض، وقد يحال الطعن إلى القضاء مباشرة⸱ وتقدم المطالبات للجان الجهوية من طرف الخاضعين المهنيين للضريبة التابعين لأي فرع مهني معين في شكل عرائض⸱ ويرفع الطعن في المقررات الصادرة عن اللجان الجهوية إلى اللجنة الوطنية كما يجوز للإدارة وللخاضع للضريبة أن ينازعا قضائيا في مقررات هذه اللجان، ولا يمكن تقديم الطعن في نفس الوقت أمام اللجان وأمام القضاء⸱ تنظر اللجنة الوطنية برئاسة قاض معين من لدن رئيس الحكومة باقتراح من المجلس الأعلى للسلطة القضائية والتي مقرها في الرباط في الطعون المتعلقة بالضريبة عموما (رقم الأعمال، دخول، أرباح، غرامات، محاسبة، فرض الضريبة بشكل تلقائي لعدم الإدلاء بالإقرار أو لإقرار غير تام⸱⸱⸱)⸱ تقدم عريضة الطعن إلى المفتش في رسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم⸱ وللخاضع للضريبة أن يطعن أمام القضاء في مقررات اللجنة الوطنية، ولا يمكن تقديم الطعن في ذات الوقت أمام اللجنة الوطنية وأمام القضاء⸱
وتتم الإجراءات أمام القضاء على مرحلتين: الإجراءات ذات الطابع الإداري والإجراءات ذات الطابع القضائي⸱ تهم المسطرة الإدارية في المنازعات أساسا المطالبات وإسقاط الضريبة والمقاصة، برفع الميم، أي خصم قدر من الدين الأكبر قيمة بين طرفين كلاهما دائن ومدين، ثم حق المطالبة والأجل الملازم لها، بإسقاط الضريبة والإبراء منها مثلا، المطالبة المتعلقة بالخسائر اللاحقة بالمحاصيل الزراعية، وأجلها ثلاثون يوما بعد يوم وقوع الكارثة، المطالبة في حالة عدم استيفاء الأكرية بتخفيض الضريبة أو الإعفاء منها قبل انصرام أجل التقادم (أربع سنوات)، الاسترداد فيما يتعلق بالضريبة على القيمة المضافة، بالضريبة على الدخل وبواجبات التسجيل والرسم على عقود التأمين⸱ وتشمل المسطرة القضائية في المنازعات الإدارية الإجراءات المتخذة على إثر المراقبة الضريبية والمطالبة، وتمثيل مديرية الضرائب والتحكيم وحساب الآجال والسر المهني⸱ يتم الطعن في مقررات اللجان الضريبية، سواء تعلق الأمر بمسائل قانونية أو واقعية، وفي عمليات تصحيح الضرائب، داخل أجل 60 يوما بعد تاريخ التبليغ، ولا يمكن إيقاف تنفيذ الاقتطاعات المستحقة (ضرائب، واجبات، رسوم) إثر المراقبة إلا بعد وضع الضمانات الكافية⸱
إذا لم يقبل المكلف بالضريبة القرار الصادر عن الإدارة عقب بحث مطالبته جاز له أن يرفع الأمر إلى القضاء داخل أجل 30 يوما بعد تاريخ التبليغ، كما يجوز له كذلك أن يحيل القضية إلى المحكمة المختصة داخل أجل 30 يوما بعد فوات أجل ثلاثة أشهر الموالية لتاريخ المطالبة، وذلك في حالة امتناع الإدارة عن جواب⸱ ويعتبر مدير الضرائب أو من فوض لهذا الغرض أو وكالة محامي، الممثل القانوني للإدارة الضريبية، ولا يمكن للنزاعات الضريبية أن تكون موضوع تحكيم⸱ واحتساب الآجال كاملة لا يعتبر فيها اليوم الأول واليوم الأخير من الأجل ويوم العيد والعطلة القانونية⸱ يلزم بكتمان السر المهني وفق أحكام التشريع الجنائي الجاري به العمل كل شخص يشارك بمناسبة مزاولة مهامه واختصاصاته في تحديد المبالغ الاقتطاعية (ضرائب، رسوم، واجبات، مساهمات) ومراقباتها واستيفائها أو المنازعات المتعلقة بها بما فيها الإدارات والهيئات التي يرفع السر المهني لفائدتها كإدارة الجمارك والخزينة العامة ومكتب الصرف والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي⸱ وختاما في هذا الباب لا أجد نفسي، كما قال طه حسين، “إلا صائحا ومستغيثا”: من كان وراء حذف هذه المادة (مادة القانون الجبائي) من أسلاك المسار الجامعي، وخاصة السداسي الرابع (عربية، فرنسية)، مع العلم أنها مادة أساسية في كل دول العالم (منها المغرب) التي تبلغ فيها نسبة هذا المورد في تمويل ميزانياتها ما يتراوح بين 85 إلى 90 بالمئة وأكثر⸱
القانون التجاري والمسطرة التجارية
القانون التجاري: يضم هذا القانون مجموعة القواعد والأنظمة التي تؤطر الأنشطة التجارية وحرفة التجارة وممارستها، أي كل ما يتعلق بالمهنة وبالتجار (طبيعيين أو معنويين) وبالبيع والشراء والإجارة والمبادلات للممتلكات المادية والعقارية واللامادية والخدمات⸱ والقانون التجاري فرع من فروع قانون الأعمال يؤطر مهنة التجارة والأعمال التجارية ومدونة التجارة⸱ تكمن العناصر الأساسية للقانون التجاري، أو المرتبطة به، في الأعمال التجارية كالأصل التجاري والإيجارات التجارية أو عقود الإيجار والمحاكم التجارية الابتدائية ومحاكم الاستئناف التجارية، ومحكمة النقض الغرفة التجارية، وقانون المنافسة، سواء المحظورة منها أو الممنوعة أو غير العادلة أو المنافسة المنظمة⸱
تشتمل الأعمال التجارية على الأعمال القانونية والأفعال القانونية، مثل العقود التجارية (بيع، شراء، كراء، وكالة، امتياز، عمولة، شراكة، اقتراض، خدمات⸱⸱⸱)⸱ إن القانون التجاري يرتبط أشد الارتباط بقانون الشركات وقانون المنافسة وقانون التوزيع وقانون الاستهلاك وقانون الملكية الفكرية والقانون الضريبي والقانون العقاري والقانون البنكي أو قانون الأبناك وقانون التأمينات⸱⸱⸱ويشمل القانون التجاري كذلك العلاقات القانونية المتعلقة بالأنشطة التجارية الإلكترونية، والتي تهم جميع أنواع المبادلات عبر الأنترنيت (بيع، شراء، كراء، رهن، خدمات⸱⸱⸱)، وتنظيم المبادلات التجارية وتأمين حماية التجار والمستهلكين والأطراف التجارية الأخرى (ممول، معيل، متعهد الطعام، حرفي، صانع، فلاح، سائح، موزع⸱⸱⸱) والعمل على تشجيع محيط ملائم للتجارة وظروف عادلة وتنافسية شرعية⸱
المسطرة الجنائية: تعرف هذا المسطرة كمجموعة من القواعد والمبادئ التي تحكم سير الإجراءات أمام المحاكم التجارية الابتدائية ومحاكم الاستئناف التجارية، كالمقال المكتوب الموقع من طرف محام ينتمي إلى هيئة المحامين بالمغرب، وإن كان العرف التجاري ما يزال يلعب دورا مهما في العلاقات التجارية، وتحديد أجل الاستئناف في ثلاثين يوما من تاريخ تبليغ الحكم الابتدائي، ومدى تكلفة الدعوى⸱ أما الاختصاص، فتختص المحاكم التجارية الابتدائية في الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية (رهن، وكالة، سمسرة، نقل، عقود بنكية⸱⸱⸱)، الدعاوى التي تنشأ بين التجار وأعمالهم التجارية كصفة تاجر ونوعيتها اعتيادية أو حرفية، الدعاوى التي تتولد عن المعاملات بالأوراق التجارية مثل الكمبيالة والشيك والسند لأمر ويتخذ هذا السند شكل محرر مكتوب وفق إجراءات محددة، وما دامت المحاكم التجارية غير زجرية تخرج عن اختصاصها الدعاوى التجارية الجنائية كجريمة إصدار شيك بدون رصيد أو تزوير ورقة تجارية، الدعاوى الناشئة بين شركاء في شركة تجارية وليست مدنية، والدعاوى التي تتولد عن الأصول التجارية⸱ وتختص محاكم الاستئناف التجارية بالدفع بعدم الاختصاص النوعي وبالقضايا المستعجلة والأوامر بالأداء وطلبات إيقاف التنفيذ والدعاوى المتعلقة بصعوبات المقاولات والأعمال التجارية التبعية باستثناء قضايا حوادث السير⸱ ترفع المقالات الاستئنافية لمحاكم الاستئناف لزوما بمقال مكتوب موقع عليه من لدن محام ينتمي لهيئة من هيئات المحامين بالمغرب⸱ يبلغ عدد المحاكم التجارية الابتدائية عشرة محاكم أحدثت في المدن الكبرى وخمس محاكم استئناف في البيضاء والرباط وفاس ومراكش وطنجة⸱ وبصفة عامة تتميز المسطرة التجارية في فض المنازعات أمام المحاكم التجارية الابتدائية ومحاكم الاستئناف التجارية، بنوع من الخصوصية تتجسد أساسا في الإجراءات التالية: الإحالة إلى القضاء عن طريق الاستدعاء، وسائل الإثبات، جلسة الاستماع الأولى، مرحلة التحضير، اختتام مرحلة التحضير، أو مساطر قبل وبعد تحديد الجلسة، تقييم المقال من طرف قاضي الحكم ثم مسطرة تعيين القاضي المقرر لإجراء التحقيق، تشكيل هيئة الحكم من قضاء جماعي، المسطرة التواجهية، ثم إصدار الحكم والأوامر الاستعجالية، تبليغ وتنفيذ الأحكام والأوامر (القانون رقم 95⸱53 المحدث للمحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية في 12 فبراير 1997 والمرسوم رقم 2.97.771. بتاريخ 18 أكتوبر 1997 المتعلق بتحديد عدد المحاكم التجارية الابتدائية ومحاكم الاستئناف التجارية ومقارها ودوائر اختصاصها؛ المرسوم رقم 2.23.665. الصادر في 10 نونبر 2023 )، القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي المؤرخ في 30 يونيو 2022 والذي أصبح ساري المفعول منذ 15 يناير 2023·
القانون الاجتماعي والمسطرة الاجتماعية (بمعنى قانون الشعل والحماية الاجتماعية)
القانون الاجتماعي: يتضمن هذا القانون مجموعة القواعد الضبطية التي تطبق على نوعية العلاقات التي تربط صاحب العمل بالأجير في إطار العمل، على أساس عقد كتابي أو شفوي، حسب طبيعة المهنة والمناطق الجغرافية، علاقة تربط الأجير فرديا أو جماعيا⸱ يؤطر قانون الشغل التكوين أو التدريب المهني وتنفيذ وحل عقد العمل⸱ ويميز العمل في إطار الأنشطة السوقية واللا سوقية، أو أنشطة السوق وأنشطة خارجة عن عمليات السوق، إلى عمل حر وعمل بأجر وعمل قهرا بدون أجر (كلفة، عمل السجناء، ظلم المشغل أو تعسفه في تحديد أوقات العمل أو مدته)⸱ وفي حديث صحيح رواه ابن ماجة، قال الرسول (ص): “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”· وتتكون مصادر قانون الشغل، بمعزل عن الجانب الاجتماعي الموسع، من أربع حالات: عقود العمل، الاتفاقيات الجماعية، العادات والتقاليد والقرارات الفردية لصاحب العمل، والنظام الداخلي أو القانون الداخلي للشركة، أو للإدارة في نطاق التعاقد الخاضع لقانون الشغل⸱
ويستوعب القانون الاجتماعي، بهذا المفهوم، مجموعة القواعد والتنظيمات التي تشمل قطاعا واسعا من العلاقات السوسيومهنية، كحقوق ومصالح الأجراء والحفاظ على احتياجات المشغلين، وكذا الضمان الاجتماعي والأمراض المهنية والتقاعد وحوادث الشغل والحقوق الاجتماعية للأجير، وشروط عادلة أثناء العمل مثل الطعام والصحة والتربية والتكوين والسكن والحماية الاجتماعية وحقوق الشغل⸱ ولا يمكن أن نعتبر بهذا المفهوم السلبي أن عقد العمل يجعل أحد المتعاقدين، الأجير، في ضعف أو هيمنة بالنسبة للطرف الآخر، صاحب العمل، “وتحت إرادته مقابل أجر”، فهذا التفسير فهم خاطئ لطبيعة هذه العلاقة الرابطة بين شخصين: الأجير يقدم خدمة والمشغل يستأجر خدمات الأجير· كلاهما، الرأسمال البشري والرأسمال المادي، إضافة إلى الموارد الطبيعية والمبادرة والبحث والابتكار أساس نمو وتطور كل بنية، مؤسسة أو منظمة مهما كانت⸱
ويجب أن تحتوي مدونة الشغل، في الواقع، على جميع القواعد والمبادئ والمقتضيات القانونية والتشريعية والتنظيمية والفقهية والقضائية والمقارنة المتعلقة بحقوق الأجراء، كالحقوق والحريات الأساسية وجودة الحياة في ساعات العمل والحقوق الحد الأدنى أوقات العمل وفترة العمل والفترة الأقصى ساعات العمل والساعات الإضافية والعطل المؤدى عنها الأجر⸱ وتتمثل كذلك واجبات المشغلين اتجاه العمال في احترام عقد العمل وحماية صحة العمال وإخبارهم وتكوينهم وتنظيم لقاءات مهنية معهم والسماح لهم بحقهم في تنظيم نقابات والتواصل والتفاوض معهم بشأن القضايا المهنية المشتركة بهدف التوصل إلى حل توافقي أو نتيجة ترضي الطرفين⸱
المسطرة القضائية المتعلقة بالشغل وبقضاء الشغل: تتضمن هذه المسطرة بداية شكاية كتابية أو شفوية لمفتش الشغل أو شكاية في شكل مقال كتابي موجه مباشرة إلى المحكمة المختصة يوضع بكتابة الضبط داخل الأجل القانوني، ويتم من بعد ذلك تبليغ الطرف المعني، أي المدعى عليه أو المشغل في هذه الحالة، عن طريق مفوض قضائي أو عبر البريد برسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالتوصل⸱ يتم الإخبار بنسخة من الشكاية إلى عنوان الشركة ومحل المحكمة واليوم والساعة للجلسة التي تجرى فيها الدعوى⸱ ترفع الدعوى، كما نص عليها الفصل 329 من ق. م. م.، بمقال مكتوب، إلى القسم أو الغرفة الاجتماعية، عن طريق كتابة الضبط، وتصدر الأحكام عموما بصفة قابلة للاستئناف، إلا بعض القضايا التي حددتها المادة 21 من القانون رقم 90.04، المتعلقة بتسوية النزاعات الفردية أثناء العمل، يبت فيها رئيس القسم الاجتماعي ابتدائيا ونهائيا⸱ وترفع الدعوى، وإلا يسقط الحق في رفعها، خلال أجل أقصاه 6 أشهر من تاريخ الاستلام لمحاضر عدم الصلح، وتستأنف في مدة 30 يوما من تاريخ التسليم لنسخة الحكم الابتدائي أو من تاريخ تبليغ الحكم للطرف المحكوم عليه⸱ وتقلص هذه المدة إلى 10 أيام بالنسبة للأحكام الصادرة في القضايا الاستعجالية⸱
وتختص المحاكم الابتدائية نوعيا في القضايا الاجتماعية، حسب الفصل 20 من ق. م. م. في: الخلافات الفردية ذات الصلة بالشغل أو بعقود الشغل والتدريب المهني، التعويض عن الأضرار الناجمة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، النزاعات المتعلقة بتطبيق القوانين التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بالضمان الاجتماعي⸱ وتختص محليا، حسب الفصل 28 من ق. م. م. (خروجا عن القاعدة العامة بشأن الاختصاص المحلي، أمام محكمة الموطن أو الإقامة، الفصل 27 من ق. م. م.) أمام محكمة موقع المؤسسة، أو موقع إبرام العقد أو تنفيذه، أو محكمة موطن المدعى عليه، أو دائرة نفوذ محكمة وقوع الحادثة، وإلا في محل إقامة الضحية أو ذوي الحقوق، أو محل إقامة العامل أو ذوي حقوقه، أو بمحكمة البيضاء إذا كان محل إقامة المؤمن له خارج المغرب (الفصل 29 من ق. م. م.)، أو بمحكمة محل إيداع التصريح بالمرض المهني في حالة وجود موطن الأجير أو ذوي حقوقه بالخارج ف· 30 من ق. م. م.
القانون العقاري والمسطرة العقاري
القانون العقاري هو مجموعة القواعد عرفية، تشريعية وضبطية التي تنظم علاقات الأشخاص بالملكية، عمومية، خاصة أو مختلطة (نظام أملاك المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الخيرية وذات النفع العام)⸱ تصنف العقارات إلى أملاك عمومية وأملاك شبه عمومية وأملاك خاصة⸱ وعلى أساس هذه الأملاك تتولد علاقات الأشخاص بهذه الأراضي والتمتع بها واستغلالها بشتى الطرق : الري والرعي والزراعة والفلاحة، والبناء والتعمير والعمران، والصناعة الثقيلة والخفيفة والحرفية والاستثمارات والخدمات، والاستلاء للمنفعة العامة أو للتثمين والتحسين العقاري أو للسطو والتملك⸱ ونميز في القانون العقاري بين الملكية الكاملة أو الأصل العقاري والملكية السطحية، بين الملكية المشتركة وتقطيع الملكية أو دمج أجزائها⸱ كما نميز كذلك بين الاستغلال العقاري وفق القانون المكتوب أو استغلاله حسب القانون العرفي، مثل نظام الأراضي الجماعية (أو أراضي الجموع أو الأراضي السلالية) ونظام أراضي الكيش (أو الجيش) وهي الأراضي التي تستغلها تاريخيا قبائل بالشياع مقابل خدمات عسكرية أسدتها للسلطان، أو نظام “الحركة”: “قبائل أو بلاد المخزن” تغزوا “قبائل أو بلاد السيبة” لإخضاعها لسلطة المخزن حيث كانت خارج سيطرته السياسية والضريبية· نفرق كذلك بين أملاك الدولة الخاصة التي تخضع لنفس نظام ملكية الخواص (تباع وتشترى) وأملاكها العمومية، ملكية للجميع لا تباع ولا تشترى ولا تملك للغير بالتقادم ولا تفقد هذه الخاصيات الثلاث إلا إذا تم إبطال تصنيفها من العام إلى الخاص· نفرق كذلك بين العقار المحفظ الخاضع لقانون التحفيظ والإشهار (ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري كما تم تعديله بالقانون رقم 14.07 الصادر في 2011، مصلحة المحافظة على الأملاك العقارية والمسح الطوبوغرافي)، والعقار غير المحفظ الخاضع لأصول وأحكام الفقه المالكي والأعراف الاجتماعية وفق المناطق الجغرافية· نميز كذلك بين الأراضي والأملاك بدون وارث وأهلية الدولة للإرث، بين طرق استغلال أملاك الراشد وكيفية تدبير أملاك القاصر، بين الأراضي الحية التي تستغل بالزراعة والفلاحة والبناء والاستيطان وبين الأراضي الموات والتي تملك بإحيائها، كما جاء في حديث الرسول (ص): “من أحيا أرضا ميتة فهي له”⸱ ونصنف كذلك العقار حسب طرق العيش والانتفاع والإقامة فيه من خلال الملك والتملك والتصرف والأكرية والرهن والحيازة والتسلط والاحتلال والاستعمار وتملك الأراضي من الأجانب، ونزع الملكية، واستغلال العقار مقابل دخل أو بيعه مقابل معاش مدى الحياة، واستغلاله خارجه مقابل دخل أو الإقامة فيه من طرف المالك الأصلي⸱ الظهير رقم 1.19.115. الصادر بتاريخ 9 غشت 2019 المحدث للقانون رقم 62.17 المحدد للإطار القانوني لإدارة الأراضي الجماعية، اتفاقية مدريد بتاريخ 3 يوليوز 1880 والامتيازات الاقتصادية والعقارية وأطماع القوات الأوروبية، واتفاقية الجزيرة الخضراء بتاريخ 7 أبريل 1906 وفرض الحرية الاقتصادية لرؤوس الأموال الغربية وهيمنة القوات الأوروبية على الاقتصاد الوطني وعلى سيادة الدولة المغربية· نقلت فرنسا نظام الاستعمار المقنع تحت الحماية عن الغزو وطرق الاستعمار الروماني، واستبدال القوانين العرفية العقارية بتسجيل الأراضي وإعطائها بطاقة شخصية وملاك جدد وملكية خاصة نقلت عن النظام العقاري الأسترالي المعروف بقانون طورانس المطبق منذ 1885 في أستراليا ضد السكان الأصليين ومن طرف فرنسا في مستعمراتها السابقة، كالمغرب وإفريقيا الغربية (وعددها 16 دولة: ساحل العاج، غانا، مالي، موريتانا، النجير، نيجريا، السنيغال، توغو، غامبيا،···)، ظهير 12 غشت 1913 بشأن التسجيل العقاري، ج. ر. الصادرة بتاريخ 12 شتنبر 1913، 25 ص· ظهير 10 أكتوبر 1917 المتعلق بالمحافظة على واستغلال الغابات والأراضي الجماعية والأراضي التي اكتمل تشجيرها أو سيأتي تشجيرها، القرار الوزيري المؤرخ في 3 يونيو 1915 بشان تفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري، والقرار الوزيري الصادر في 4 يونيو 1915 المنظم لمصلحة المحافظة على الملكية العقارية···
وتتم إدارة وتدبير الأملاك العمومية حسب النفوذ الترابي والتقطيع الجغرافي للمنظمة (قرية، بلدية، إقليم، عمالة، جهة أو دولة)، أو النشاط الاقتصادي أو الاجتماعي أو الإداري أو الثقافي أو البيئي للمؤسسة (مقاولة، شركة، مركب، مكتب، مستشفى، جامعة، كلية، بنك⸱⸱⸱)⸱ ونميز بين العقار والمنقول بحيث أن العقار من الصعب نقله عكس المنقول، إلا أن من الممكن أن نجعل من المنقول عقارا بالتخصيص، أي كلما كان استغلاله ضروريا للأصل العقاري مثل الأدوات الزراعية والبذور والمحاصيل الفلاحية والماشية وخلايا النحل لإنتاج العسل، وآلات وشاحنات الشركات الصناعية وشركات المناجم، وأجهزة الطاقة الشمسية، والغلايات والمدخنات والمكتبات وخزائن المطبخ وخزائن الملابس⸱⸱⸱ ونفرق كذلك بين مختلف المؤسسات المالية والبنكية والعقارية التابعة للعقار أو في خدمته مثل السجل العقاري أو المسح الطوبوغرافي أو المحافظة العقارية والضرائب العقارية أو الأبناك الفلاحية والمؤسسات المالية لإقراض الجماعات الترابية، والوساطة القانونية العقارية (عدول، موثقون، محامون، قضاة، سلطات)⸱
والآن النظام العقاري المحفظ خاضع لإجراءات إدارية داخل الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية وهي مؤسسة عمومية أنشئت بالقانون رقم 58.00 الصادر بتاريخ 13 يونيو 2002 المحدد للبطاقة الشخصية الوطنية للأصل العقاري، وهي شهادة التصرف العقاري تضمن حقوق الملكية وتوفير الاستقرار في المعاملات العقارية· يسلم هذا المستند الرسمي إلى المالك من طرف المحافظة عن طريق الموثق ويتضمن مجموع البيانات المتعلقة بالعقار والمالك السابق والحالي· والنزاع العقاري بين الأطراف قد يتعلق بالملكية، أصلا أو سطحية، حدودها واستعمالها، المالك أو المتصرف، عدد الملاك، وصية أو إرث، بيع، شراء، كراء، رهن أو تحفيظ··· وماهي الإجراءات المتبعة قبل الإحالة إلى المحاكم وأمام المحاكم، تعيين محام، كتابة المقال أي وضع شكاية في هذا الشأن ضد المدعى عليه في المحكمة وإخباره عن طريق مفوض قضائي وقد يلجأ القاضي قبل الحكم إلى الوساطة العقارية للوصول إلى حل ودي بين الأطراف وإلا انتهى الحكم ابتدائيا، ثم استئنافيا ونقضا إن اقتضى الحال، لصالح الطرف صاحب الأدلة والحجج القوية· وإذا تعلق الأمر ببيع أو شراء، وكانت العملية أقل قيمة مما هو موثق في العقد يحق للدولة أن تتدخل بحق الشفعة سواء وديا أو قهرا عن طريق نزع الملكية واقتنائها وإعادة بيعها بالمزيد العلني· الجيلالي شبيه، دكتور ومؤهل للبحث والتأطير والتدريس بجامعة باريس، ودكتور الدولة بجامعة القاضي عياض، في العلوم القانونية والمالية والضريبية والإدارية والمنهجية⸱
* دكتور ومؤهل للبحث والتأطير والتدريس بجامعة باريس، ودكتور الدولة بجامعة القاضي عياض، في العلوم القانونية والمالية والضريبية والإدارية والمنهجية⸱