
لم يجف الحبر الذي كُتبت بها نصوص التعليم العالي الجديد، والعرض الذي قدمه وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، حتى أتى الجواب للسيد الوزير من مؤسسات التسيير بأن وجود اللغة العربية في التعليم العالي مجرد تزيين للواجهة المؤسساتية.
منذ أشهر قليلة، صدرت بالجريدة الرسمية النصوص التنظيمية الجديدة المتعلقة بالتعليم العالي، والتي تقضي بإلزامية تدريس وحدة باللغة العربية داخل جميع مسالك الإجازة والماستر؛ بما في ذلك التخصصات العلمية والطبية والهندسية، ابتداءً من الموسم الجامعي 2025-2026.
وأثار القرار جوا من الفرح والحبور لدى الأساتذة والباحثين الذين تنادوا إلى التعبير عن نصر تاريخي للغة العربية في التعليم المغربي، وأنها المرة الأولى التي تلج فيها “لغة الضاد” كليات العلوم ومدارس المهندسين وكليات الطب.
وقال الوزير، في عرضه أمام المؤسسة التشريعية، إن من أهم مستجدات النصوص في النظام البيداغوجي “إقرار هندسة لغوية تكرس مكانة اللغتين الرسميتين للمملكة، مع الانفتاح على اللغات الأجنبية”.
وما لم ينتبه إليه الكثيرون من الذين نثروا فرحهم على منصات التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية، معتقدين بنجاح (أسطورة التناوب اللغوي)، هو أن وجود اللغة العربية في مؤسسات التعليم العالي، بالصيغة التي ورد بها، لن يكون إلا وجودا شكليا وهامشيا يماثل ما جرى ويجري في مؤسسات التعليم التقني المختلفة. وقد سبق لنا تحليل واقع اللغة العربية في مؤسسات التعليم التقني السياحي، وخلصنا إلى الغياب شبه الكلي للعربية باعتبارها لغة تواصل وتدريس وحصرها في مادة هامشية وثانوية من حيث الزمن أو المعامل أو البرمجة، وحتى المضمون الذي يدرس يظل بعيدا عن مجال التكوين؛ مما يجعل هذه المادة عبارة عن ديكور يزين فسيفساء التكوين السياحي..
لكن الخطير هو أنه بمجرد صدور القوانين التنظيمية التي بشرت المقتنعين بجديدها يخرج علينا رؤساء شبكة المدارس الوطنية للتسيير بالمغرب في ربوع المملكة بقرار تحجيم وجودها؛ بل واستبعادها من التدريس، حيث تمت برمجتها في الدورة الثانية، مقارنة ببرمجتها السابقة في كل المستويات من (الأسدس 1 حتى 5).
فما الذي يريد قوله مسؤولو المؤسسات الجامعية؟ وما رأيهم في القوانين الجديدة التي نصت على إلزامية تدريس وحدة دراسية باللغة العربية في المسالك التي تعتمد اللغات الأجنبية كلغة تدريس أساس، في كل التخصصات العلمية والتقنية والمهنية؟
إن هذا القرار، الذي نتوفر على نسخة منه، يتسم بوسمين اثنين: اللاقانونية واللاعلمية. فأما خرقه للقانون فهو إجهاز على النصوص التطبيقية ذات الصلة بالتعليم العالي، والنصوص المحدثة سابقا. وأما عدم علميته، فالعديد من الباحثين اللسانيين والتربويين والاقتصاديين يوصون، من خلال بحوث ودراسات ميدانية أنجزت ونشرت داخل المغرب حول تمثلات ومواقف طلبة المدارس العليا للتجارة والتسيير عن اللغة العربية، بضرورة اعتماد اللغة العربية في جميع المؤسسات التعليمية العليا المتخصصة، خاصة في الاقتصاد والأعمال.. فما الذي يريد قوله رؤساء المؤسسات الجامعية؟
إن الجواب البسيط والمتبادر لكل مطلع على القرار هو أنه رفض للنصوص التنظيمية التي حرص معدوها على استحضار الهندسة اللغوية كما أتى بها القانون الإطار، ورفض لدستور المملكة الذي ينص على العربية لغة للدولة، ورد على الحالمين باستعادة العربية لمكانتها في التعليم المغربي.





