‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د فؤاد بوعلي: “حزب” التلهيج والبحث عن الشرعية

قبل أيام قليلة، وبدعوة من السيد أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، حضرت افتتاح أشغال يوم دراسي نظم، بمقر الأكاديمية، في موضوع كتابة الدارجة، وبالرغم من الانشغالات الكثيرة أصررت على الحضور في الجلسة الأولى والاستماع للمنظمين، الذين وجهوا اللقاء وحددوا له سقفه ومساره، لفهم توجهاتهم وأفكارهم المؤطرة، أما البحوث العلمية التي قدمها ثلة من الدارسين والأكاديميين، ومن بينهم أصدقاء فضلاء، والتي اطلعت على ملخصات جلها، فهي في المجمل تتناول قضايا جزئية من زوايا مختلفة قد تناقش في مظانها، ولم تثر أمورا بعيدة عن النقاشات اللسانية والثقافية التي يتناولها عادة الباحثون في مخابرهم ومنتدياتهم. لكن لا بد من إثارة جملة من الملاحظات التي ارتأيت مشاركتها مع جمهور القراء والمتابعين:

1. اللقاء كان “فرنسيا” بامتياز، فكل المداخلات كانت باللغة الفرنسية، مع استثناء وحيد وفريد، حين اقترح أحد الأساتذة عنوان مداخلته باللغة العربية في البرنامج المطروح. وهذا يعني من ضمن ما يعنيه أن التلهيج قضية فرنكفونية وليست مغربية، وأن المتناولين لمسألة الدارجة والمنافحة عن تدريسها وصولا إلى ترسيمها لا يفتأون يعلنون هواهم الفرنكفوني الذي يتجلى في العديد من المياسم من أهمها الدفاع عن وجود الفرنسية ورفض العربية مع ما تحيل إليه من قيم ومعاني، والرهان على نقاشات الصالونات المغلقة من أجل فرض الأمر الواقع في السياسات العمومية بل وصل الأمر بأحد المنظمين إلى اقتراح الحروف اللاتينية لكتابة الدارجة المغربية.

2. حضور جل رموز التلهيج في المغرب، مثل عيوش وفؤاد العروي والأنصاري وبنعمور، مما يعني أن الأمر لا يتعلق بمحطة علمية بل بحلقة جديدة من ندوة زاكورة في تدبير لنقل العامية نحو المدرسة وإضافة كوارث جديدة للتعليم المغربي، وأن الأمر يتعلق بتيار نخبوي يحاول فرض تصوره للمسألة اللغوية بعيدا عن النقاش العمومي أو العلمي، في مسار لخلق لوبي تلهيجي فرنكفوني يرغب في رسم معالم السياسة اللغوية للمغرب. واللقاء في حد ذاته كان يوما دراسيا تمهيدا، كما وصلنا في الدعوة، لندوة وطنية حول كتابة الدارجة، سيجتمع فيها قوم من مشارق الأرض ومغاربها، من أجل هدف واحدة هو إثبات وجود لغة مغربية، لكن هذه المرة لن يكون التنظيم من ميزانية جمعية أو هيئة خاصة بل سيكون بأموال دافعي الضرائب المغاربة. فالأمر يتعلق بمسار لم يتوقف، وإن فشل في التسويق له بعض رموزه، لكنه الآن يقدم بأصوات أخرى ووجوه أخرى، وفي فضاءات أخرى.

3. مداخلات المسؤولين عن اللقاء كانت مهووسة بالبحث عن الشرعية، شرعية اللقاء وشرعية التناول. فأمام الرفض الشعبي والمجتمعي تتكرر عبارات أن اللقاء ليس ضد العربية، وليس ضد الدستور وليس ضد….. لكن الجوهر المعبر عنه في كلمات متناثرة، لأحد المنظمين، هو محاولة قطع العامية المغربية عن أصولها العربية، والبحث في صيغ التأصيل المختلفة من فارسية وأمازيغية وغيرها، المهم ألا تكون عربية، بل هناك من قال صراحة أن العامية المغربية لم تعرب بشكل واضح إلا مع سياسة التعريب. !!!!

4. اللقاء كان مناسبة عند المنظمين لترداد نفس الأسطوانة دون القدرة عن الخروج من السياق، لذا لم يحضر اللقاء إلا من يكرر نفس الفكرة، وإن بلسان مختلف، وكل المتدخلين الذي انتقوا بعناية “اللوبي” لن يخرجوا عن المطلوب منهم ألا وهو المنافحة عن فرض التلهيج في التعليم كما فرض من طرف شركات الإشهار التي يسيطر عليها بعض الحاضرين في الشارع العام. فلن نجد كبار أساتذة اللسانيات والسياسات اللغوية في لائحة المتدخلين، ولن نجد كبار الباحثين في الدارجة المغربية، إن كانوا يؤمنون بعروبتها ولهجيتها، ومنهم أساتذة من الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية قدموا العديد من المنجزات في دراسة الدارجة وتفكيك أسس قراءتها وحتى في مسار حوسبتها. بل الملاحظ هو غياب، أو تغييب، حتى بعض أعضاء أكاديمية المملكة الذين يرفضون هذا المسار الناشز. لأن الغاية هي قول الشيء نفسه بأصوات متعددة.

5. عقد اللقاء في أكاديمية المملكة المغربية يحمل في طياته العديد من الدلالات والمعاني التي نتمنى ألا تكون تغييرا لبوصلتها. فأكاديمية المملكة التي كانت على الدوام ممثلا للمغرب في اتحاد مجامع اللغة العربية، ومنبرا للمنافحة الدائمة عن الهوية الوطنية والعربية الإسلامية، وجزء أصيلا في الحفاظ على ثوابت الدولة، غدت بعقد هذا اللقاء جزءا من مشروع التلهيج مع ما يحمله ذلك من مخاطر على الوطن، وعلى رسالتها القيمة. صحيح أن غياب ممثل عن الأكاديمية، والخطاب الافتتاحي لمقررها الذي كان دالا في أسلوبه ومدته، يدل على حرج إدارة المؤسسة في احتضان مثل هذه اللقاءات. فالإشكال ليس في اللقاء في حد ذاته، مادام النقاش العلمي يمكن أن يفتح في كل الفضاءات، لكن طبيعة المنظمين وأهدافهم، تقول أن اللقاء هو شوط آخر في مسار التلهيج وفصل المغرب عن عمقه الحضاري.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button