‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د مصطفى عيشان: سوسيولوجيا القوانين المغربية العابرة..

ـ الأكياس البلاستيكية، الراجلين، الدراجات النارية .. ـ

عرف المغرب خلال العقدين الأخيرين سلسلة من الحملات القانونية التي استهدفت تنظيم السلوك اليومي للمواطنين: من منع الأكياس البلاستيكية (قانون 77.15 سنة 2016)، إلى فرض غرامة 25 درهماً على الراجلين الذين لا يستعملون الممرات المخصصة لهم (2018)، وصولًا إلى الحملة الراهنة لحجز الدراجات النارية التي تتجاوز سرعتها التقنية 60 كلم/س. هذه السياسات تثير سؤالاً جوهريًا: لماذا تفشل بعض القوانين في ترسيخ أثرها الاجتماعي وتتحول إلى ذكرى عابرة تشعرنا بالاشمئزاز؟

1. الأكياس البلاستيكية: قانون بلا بديل

حين صادق المغرب على قانون 77.15 بمنع الأكياس البلاستيكية، بدا القرار ثورياً وبيئياً بامتياز. غير أن السوق الموازية (تشكلت من شبكات غض الطرف)سرعان ما عادت لتزود المستهلكين بالأكياس المحظورة. فالمغاربة وجدوا أن البدائل (الأكياس الورقية أو القماشية) غير متوفرة بالقدر الكافي أو أعلى كلفة، ما جعل العودة إلى البلاستيك أمراً شبه طبيعي.

السوسيولوجيا هنا تكشف أن غياب البدائل الاقتصادية المقنعة يقوّض أي قانون مهما كانت نواياه نبيلة. فالمجتمع، بحكم مرونته، يبتكر مسارات التفاف تُعيد إنتاج الوضع السابق.

2. غرامة الراجلين: نص ضد الفراغ العمراني

في 2018، أطلقت السلطات حملة لمعاقبة المارة غير الملتزمين بممرات المشاة بغرامة 25 درهماً. على الورق، الإجراء يهدف إلى حماية الراجل وتقليص حوادث السير. لكن على الأرض، كانت البنية التحتية غير مؤهلة: ممرات مشاة غائبة أو مطموسة أو محتلة بالسيارات، وإشارات ضوئية لا تراعي زمن العبور. النتيجة أن الراجل وجد نفسه يُعاقَب على نقص بنيوي لا يملك حيالَه بديلاً.

من منظور سوسيولوجي، تحوّلت الحملة إلى ما يشبه “القانون الورقي”: نص حاضر، لكن فعله الاجتماعي ضعيف، لأن الواقع العمراني لم يوفر الشروط الموضوعية لتطبيقه.

3. حملة الدراجات النارية: اختبار الثقة

اليوم، يتكرر المشهد مع حملة حجز الدراجات النارية التي تفوق سرعتها التقنية 60 كلم/س. ورغم وجاهة الهدف (السلامة الطرقية)، فإن الالتباس يخيّم على التواصل: المواطنون يظنون أن الأمر يتعلق بسرعة في الطريق، بينما القانون يستهدف السرعة القصوى للدراجة في الاختبار التقني. أضف إلى ذلك أن فئة واسعة من مستعملي هذه الدراجات هم مهنيو التوصيل وذوو الدخل المحدود. فإذا لم تُوفَّر مسارات لتسوية الوضع (إصلاح الدراجة وإعادتها بسرعة لصاحبها، بدائل عملية وبأسعار مقبولة)، فإن الحملة قد تُفهم كإجراء عقابي يضرب الهشاشة بدل أن يحمي السلامة.

4. مقارنة تركيبية

‎ • الأكياس البلاستيكية: نص قانوني صارم، بدائل ضعيفة، النتيجة = عودة الوضع القديم.

‎ • غرامة الراجلين: نص قانوني، بنية تحتية غائبة، النتيجة = فشل في تغيير السلوك.

‎ • حملة الدراجات: نص قانوني، تواصل ملتبس، هشاشة اجتماعية، النتيجة = مآل مفتوح بين الفشل أو النجاح حسب طريقة التنفيذ.

5. الخلاصة: القوانين العابرة

ما تكشفه هذه الحالات الثلاث أن القانون في المغرب يتحول أحياناً إلى إجراء رمزي قصير العمر إذا لم تُرافقه ثلاثة شروط أساسية:

‎ 1. بدائل عملية واقتصادية تعوّض ما يُمنع.

‎ 2. بنية تحتية مناسبة تجعل الالتزام ممكنًا.

‎ 3. تواصل واضح وتطبيق عادل يضمن شعورًا جماعيًا بالإنصاف.

من دون هذه الشروط، يصبح القانون مجرد “حملة” تنطفئ بعد أيام أو أسابيع أو أشهر، ليعود المجتمع إلى ممارساته السابقة وكأن شيئًا لم يكن.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button