‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د منصور مالك (لندن): فجرُ الشفاء الجديد — المعرفة الإلهية في عصر التكنولوجيا

اختراعُ إيلون ماسك الجديد — هديةٌ وبركةٌ للمصابين بالعجز، أملٌ ونورٌ جديدٌ للبشرية

١. بدايةُ عصرٍ جديد

نحن نقف على أعتابِ مرحلةٍ مذهلةٍ في تاريخ الإنسان
حيث بدأ العقل البشري والآلة يتحدثان معًا بلغةٍ واحدة.
إنَّ نيورالينك — الاختراع الثوري لإيلون ماسك
يُعَدُّ من أعظمِ إنجازاتِ الطبِّ الحديث:
شريحةٌ دقيقةٌ تُزرع في الدماغ،والأعضاء
تقوم بترجمة الأفكار إلى إشاراتٍ كهربائية.

بفضلها بدأ المشلولون يُحرّكون المؤشرَ في الحاسوب،
وبدأ البُكمُ يتحدثون،
وربما قريبًا سيتمكَّن العُميان من الإبصار.

هذا ليس تمردًا على الخالق،
بل استمرارٌ لرحمته —
وتجلٍّ لحكمته التي يُفيضها على عباده من خلال العلم والعقل والإلهام.

لقد عاشَت البشريّةُ قرونًا بلا أدويةٍ ولا لقاحاتٍ ولا عملياتٍ جراحية،
ثم فَتَحَ اللهُ أبوابَ المعرفةِ تدريجيًا:
المضادات الحيوية، الأنسولين، زراعة الأعضاء، الأطراف الصناعية، وأجهزةُ القلب.
كلّها تجلياتٌ للعلم الإلهي الذي يمنحه اللهُ لمن يشاء من عباده.

واليوم، كما يتبرّع الناسُ بـ الكلى أو نخاع العظام أو الخلايا الجذعية لإنقاذ الآخرين،
فإنَّ شريحة الدماغ هذه تمثلُ نورًا جديدًا لأولئك الذين حُرموا الحركةَ أو النطقَ أو البصر.
إنها ليست تحديًا، بل امتدادٌ للرحمة الإلهية.

٢. الشفاء — أمانةٌ إلهية

يقول الله تعالى:

﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ (الشعراء: 80)

وقال النبي ﷺ:

«ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً» (البخاري، مسلم).

فالشفاءُ ليس كبرياءً بشريًا،
بل أمانةٌ ربانية.
والتداويُ والبحثُ عن العلاج ليسا معارضةً للإيمان،
بل تطبيقٌ عمليٌّ له.

وفي المسيحية أيضًا، الشفاءُ عملٌ مقدّس،
فالمسيح عيسى عليه السلام شفى العُميان والمشلولين بأمر الله،
ليُبيّن أن علاج المريض صورةٌ من صورِ المحبة الإلهية.

ويقول القرآن:

﴿عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق: 5)

فالعلمُ هدايةٌ لا صدفة، ووحيٌ لا مصادفة.
الله يختارُ عقولًا مخصوصة،
ويمنحها الإلهام والابتكار لخدمة خلقه في الشرق والغرب.
ومن بين هؤلاء إيلون ماسك،
الذي فتح بمشروع نيورالينك بابَ أملٍ جديدًا للمصابين بالعجز.
ونحن نُقدّر ونثمّن إيلون ماسك على خدمته العظيمة للإنسانية،
فهو أداةٌ من أدوات الرحمة الإلهية،
وسببٌ من أسباب الشفاء التي شاءها الله لعباده.

٣. بين الرحمة والغرور

يقول الله تعالى:

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ (التين: 4)
﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي﴾ (السجدة: 9)

الإنسان مخلوقٌ كاملٌ في صورته وكرامته.
فالعلمُ الذي يُصلحُ المكسورَ رحمةٌ،
والذي يُغيّرُ الخِلقةَ تكبُّرٌ.

قسَّم الإمام الغزالي العلمَ إلى نوعين:
علمٌ نافع يُقرّب إلى الله،
و علمٌ مُضرّ يُورِث الغرورَ والبعدَ عن الله.

وقال:
«من طلب العلمَ لغير الله، هلك بعلمه».

فإذا استُخدمَ العلمُ لشفاءِ الناس فهو نافع،
وإذا صار وسيلةً للتحكم أو التسلّط، صار فتنةً وفسادًا.

٤. الرومي وابن عربي — حكمةُ القلب

قال مولانا الرومي:

«عقلك مصباحٌ من شمس الغيب،
ولكن بلا قلبٍ هذا المصباحُ ميت.»

قد تربط نيورالينك الدماغَ بالآلة،
لكن لا شيء يربطُ القلبَ إلا الإيمانُ بالله.

وقال الشيخ الأكبر ابن عربي:

«الإنسان مرآةُ الحق.»

فإذا عَكَسَ الإنسانُ في مرآته الرحمةَ والتواضع،
صار مظهرًا للجمال الإلهي.
أما إذا توهَّم أنه الخالق،
تحطّمت المرآةُ، وتحول النورُ إلى ظلمة.

٥. التحذيرات النبوية والكتابية

جاء في سفر الرؤيا في الكتاب المقدس:

«سيأتي زمانٌ يضع فيه الناسُ علامةً على أيديهم أو جباههم،
ولا يستطيع أحدٌ أن يشتري أو يبيع إلا من يحمل العلامة.» (رؤيا 13:16–17)

وفي الحديث الشريف أن النبي ﷺ أخبر عن فتنة الدجّال —
فتنةٍ تُشوّش الحقَّ بالباطل وتستعبدُ العقولَ والقلوب.

هذه التحذيرات ليست رفضًا للعلم،
بل دعوةٌ إلى ضبط الأخلاق.
فإن استُخدِمَت الشريحةُ للشفاء فهي بركة،
وإن استُخدِمَت للسيطرة فهي لعنة.

٦. العلم والشكر والمسؤولية

قبل قرنٍ واحدٍ فقط،
كان الناسُ يخافون من نقل الدم، ومن الحقن، ومن اللقاحات.
واليوم، هذه الاكتشافاتُ تُنقذُ ملايين الأرواح.

كذلك يجب أن نتعامل مع تقنياتِ اليوم —
كالذكاء الصناعي ونيورالينك —
بـ شكرٍ وبصيرةٍ وإيمان.

قال الله تعالى:

﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ (فاطر: 1)

فكلُّ اكتشافٍ جديدٍ جزءٌ من الخلق المستمر،
ومن الرحمة التي يُفيضها الشافِي سبحانه.

إنَّ إيلون ماسك والعلماءَ في أنحاء العالم،
من أمريكا إلى الصين،
ليسوا آلهةً بل أدواتٌ مختارةٌ بيد الله،
يُظهر من خلالهم صفاته: العليم، الشافي، الرحيم.

٧. رسالة مملكة المحبة

تدعو مملكةُ المحبة إلى التوازن بين العلم والروح، الإيمان والعقل.
هي لا ترفضُ التقدُّم، بل تُقدِّس الهدف.
هي لا تُحاربُ التكنولوجيا، بل تُطهِّرُ نيتَها.

يجب أن تبقى الاختراعاتُ — من الذكاء الصناعي إلى الشرائح العصبية —
خاضعةً لرقابةِ الأخلاق والضمير الإنساني.

قال الله تعالى:

﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (البقرة: 195)

فمستقبلُ الشفاء لا يتوقف على آلاتٍ أذكى،
بل على قلوبٍ أنقى.
إنَّه فجرٌ جديد — ليس علميًا فحسب، بل روحيًّا أيضًا.
حين يجتمعُ العلمُ بالرحمة والإيمان،
تقتربُ الإنسانيةُ من مقامها السماوي.

وحين يستخدمُ المخترعونُ — كإيلون ماسك —
والعلماءُ من الشرق والغرب مواهبَهم لخدمة الإنسان،
فذلك تجلٍّ لرحمةِ الله في الأرض.

فكلُّ اختراعٍ، وكلُّ علاجٍ، وكلُّ شفاءٍ،
ما هو إلا فيضٌ من المصدر الواحد
الذي يجعلُ المعرفةَ نورًا على نور.

هذا العصرُ الجديد من الطبِّ والشفاء
هو رسالةُ أملٍ ورحمةٍ وشكرٍ.
فلنستقبلْهُ بإيمانٍ لا بخوف.
فالله وحده هو واهبُ العلم،
يختارُ من يشاءُ ليحملَ نوره،
حتى تهتديَ الإنسانيةُ، وتبرأَ القلوبُ والأبدان.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button