‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د نور الدين العوفي: في التناقض

عنوان لنصٍّ معروف للزعيم ماوتسي تونغ. التناقض نوعان: رئيسي وثانوي. وهو لا يستقر على حال، بل يتبدل مع تبدل الأحوال، التناقض الرئيسي يرتكس ثانوياً، والثانوي يصير رئيسياً حسب الشروط، والظروف، والسياقات. سياقات طوفان الأقصى فجَّرتْ كل التناقضات التي كانت هامدة، خافتة، تشتغل من الباطن، تتحرك بخيوط، تُدَبَّرُ بليل. التناقض بين الأنظمة العربية والمقاومة، بكافة فصائلها، مأتاه من جهتين: من خيار التطبيع الموغِل في السير، من جهة؛ ومن الدعم الإيراني لمحور المقاومة، من جهة ثانية. أما التناقض مع الاحتلال فقد تراخى، وتليَّن، أو قُلْ سقط بالمرَّة.

ما كان بين السُّنَّة والشيعة من خلاف عقدي وفقهي سيتحول إلى صراع دامي، سياسي، واستراتيجي، أما ما كان من تنافُر، وتناحُر، وتكارُه مع اليهود منذ غزوة بني النضير فإنه سيؤول إلى تسالُم، وتهادُن، وتوادُد. التناقض السُّنِّي-الشيعي لم ينبعث من رماد التاريخ القديم، ولم يلتهب بدون فاعل، أو بلا مُقْترِف. بل كان هناك من أيقظ الفتنة النائمة، وأوقدها، وأجَّج نارها. وفي أُوارِ الفتنة تنقلب التناقضات رأساً على عقب. ينقلب التناقض مع الروم إلى تناقض مع الفرس، وينقلب الاحتلال إلى “صديق”، والمقاومة إلى “عدو”، بالمعنى الذي نجده عند كارل شميت. السياقات التي فجرها طوفان الأقصى هي سياقات سردية حول التناقض الذي مداره القضية الفلسطينية.

سردية خرجت من مخيال الاحتلال، وانغرست في الوعي العربي المنهزم، وهي بعيدة كل البعد عن حقيقة التناقض الذي هو، في الجوهر، بين الاحتلال ومن معه من جهة، والمقاومة ومن معها من جهة ثانية. هذا التناقض هو من النوع الرئيسي، الثابت وغير المتحوِّل، التاريخي، والحضاري الذي لا يبدل تبديلاً، لا يسقط باتفاقيات التطبيع، ولا ينْقَع في أساطير الاحتلال. المقاومة فصائل، ومشارب، الهدف واحد، والسبل مختلفة. منها السُنِّية ومنها الشيعية، ومنها غير ذلك، وهذه إسنادٌ لتلك. أما الخلاف بينها فلا يفسد للود قضية. “هذه أمَّتُكُم أُمَّةٌ واحدة”، وفلسطين قضيتكم فلا تخْذُلون.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button